«الصخرة».. حصن الطبق اللبناني بين التلة الخضراء والمياه الزرقاء

مقصد الشعراء والسياسيين

مدخل مطعم «الصخرة» في شملان («الشرق الأوسط»)
TT

قرية شملان التي تقع على ارتفاع متوسط على تلة شرق بيروت، وفي موقع غير بعيد عن مدينة عاليه مطل على البحر، عُرفت على الدوام بثلاثة أمور: مدرسة الجواسيس البريطانية التي لبست لبوس مدرسة للغة العربية، أخضر الطبيعة السخي، مطعم «الصخرة». طبعا من دون أن نغفل عقولاً كبيرة خرجت منها، ليس أقلها المؤرخ الكبير فيليب حتى (1886- 1978). واذا كانت مدرسة الجواسيس صارت من التاريخ، فيما الحرائق المتنقلة لا تترك مكانا في لبنان، فإن مطعم «الصخرة» صامد هناك، بتاريخه الطويل وواقعه الجميل.

«قهوة الصخرة» (أي مقهى الصخرة بالعامية) أسّسها أسعد حتّى عام 1936، وانطلق من أرض مساحتها 5000 متر مربع تنتج الكثير من الخضارٍ والحبوب والفواكه. وساعده أفراد العائلة المؤلفة من 24 شابا وشابة، كانوا ينشدون العلم  في الشتاء، بينما يخدمون مع الجدّ في المطعم خلال الصيف. وأمهاتهن يعملن في المطبخ تحت إشراف الجدّة.

لم ينتظر أصحاب المطعم «الصخرة» عودة المهجرّين إلى الجبل في منطقة عانت الكثير خلال الحرب، بل عادوا من تلقائهم إيمانا منهم بما كان يُشَكِّل هذا المكان من تُراث، وأجمل ما في هذا التراث من كان يجتمع في حدائق «الصخرة» من رجال فكر وأدباء وشعراء وسياسيين جعلوا من ذاك المكان منتدى لأهل الفكر استفاد روّاده من عمق ثقافة قاصديه.

من أهمّ الزبائن خلال تلك الحقبة المؤرّخ فيليب حتّى كاتب تاريخ لبنان وتاريخ سورية والبلاد العربيّة، والشاعر رشيد نخلة مؤلّف النشيد الوطني اللّبناني، الذي ربّما استوحى كلماته خلال جلساته على شرفة «الصخرة» المطلّة على بيروت. ونذكُر من السياسيين رؤساء حكومات أمثال صائب سلام ورشيد كرامي وسليم الحصّ، ونائب الشمال العكّاري سليمان العلي الذي كان من الروّاد الدائمين، واختصر المسافة بين طرابلس وشملان ليتمتّع بأكل لبناني وطبيعة خلاّبة.

وكان لهيب أغسطس (آب) 1996 معتدلاً وعادلاً في شملان، اذ شهد إعادة افتتاح أو تدشين «الصخرة» فعادت الصخرة بثباتها حاملةً معها تاريخاً استعيد قبل أن يضيع. ورافقت العودة بعض التعديلات حسب واقع المطاعم وتطوُّرِها مع المحافظة على نوعيّة الطعام. وكانت عائلة حتّى قد اصرَّت على اتخاذ «تكريم الزبون كشخص» وعدم التفرقة بين الروّاد، شعارا لمطعمها وذلك بهدف حفظ الطابع الذي يحفظ بدوره الاستمرار...

يقدّم المطعم أشهى المأكولات اللبنانية، فارضًا النكهة التقليدية في وجه الـ Fast Food وناجحًا في استقطاب الشباب إلى العودة لتُراثهم وعاداتهم والمحافظة عليها.

تضمُّ لائحة الطعام المقبلات الساخنة من: سودة (كبد) دجاج مقلية، بيض غنم مقلي، جوانح الدجاج، عصافير، ضفادع، مقانق، سجق، كبة مبرومة، كبة أقراص مقلية، سمبوسك، رقاقات بالجبنة، فطائر السبانخ، فول مدمس، حمص بليلة، بيض بالسماق، بيض بالقاورما، انتقالاً إلى المشاوي على الفحم من اللحوم والدجاج. وتنتهي الوليمة التي تبدأ بالسلطات والمقبلات الباردة بالقشطة بعسل وفاكهة الموسم.

وجدير بالذكر أن مطعم «الصخرة» لم يعد وجوده مقتصرا على بلدة شملان، فقد افتُتح قبل بضع سنين فرع ثان في بيروت، وتحديدا في منطقة الروشة البحرية، وذلك على جرف عالٍ قبالة صخرة الروشة التي تشكل معلما بارزا من معالم بيروت. وكان موقع هذا المطعم مشغولا من قبل من مطعم لبناني ولاحقا مطعم أجنبي، قبل أن تأتي «الصخرة» وتأخذ مكانها في مواجهة صخرة الروشة... هكذا بين شملان وبيروت «صخرتان»، المسافة الفاصلة بينهما هي مسافة رحلة بين جلسة خلابة ولقمة لبنانية أصيلة.