ناقد بمجال الطعام في الـ12 عاما من العمر

يعتبر الأصغر سنا في هذا المجال

اصغر ناقد للطعام يؤدي مهامه في المطعم
TT

جميعنا نتصرف كنقاد بصورة أو أخرى، ومن الواضح أن هذا الأمر يبدأ من سن بالغة الصغر. وهذا ما دفع دافيد فيشمان، المقيم بمنطقة أبر ويست سايد، الذي أتم عامه الثاني عشر الشهر السابق، للإقدام على الخروج وتناول العشاء خارج المنزل أحد أيام الأسبوع السابق، بعد أن اتصل به والداه وأخبراه أنهما سيتأخران في العودة. وفكر دافيد في تناول الطعام بالخارج، وتذكر أنه مر أخيراً بمطعم سالومراي روزي، الذي تم افتتاحه قريباً على مسافة قريبة من منزله. وشعر دافيد بالانجذاب إلى المطعم بسبب الحائط الخلفي الأسود العاكس له، والآنية الصغيرة التي تضم الزيتون المملح والخرشوف التي تزدان بها الحوائط. وراودت دافيد الرغبة في الدخول إلى المطعم وتناول الطعام به. ويطمح دافيد إلى أن يصبح ناقداً بمجال الطعام ـ وأن يسهم بمقالات في موقع زاغات (zagat) المعني بتقييم الأطعمة والمطاعم. وعليه، وجد أن المطعم الإيطالي الجديد الذي تم افتتاحه في أمستردام أفنيو بالقرب من شارع 73 جدير بالتفحص عن قرب. واتضح أنه في تلك الليلة، الثلاثاء، التي ذهب فيها دافيد إلى المطعم كانت واحدة من أوائل الأيام التي فتح فيها المطعم أبوابه أمام الجمهور. داخل المطعم، طلب دافيد قائمة الطعام، وقدمتها إليه النادلة، وقرر أن أسعار الأطعمة بها في النطاق الذي تسمح به ميزانيته (25 دولارا). ثم طلب الجلوس الى مائدة مخصصة لشخص واحد، وانتظر يراقب . يذكر أنه منذ عام سبق، رفض أحد المطاعم بمنطقة موناتوك استقباله، رغم وجود الكثير من الطاولات الشاغرة، وأخبره المسؤولون به أنهم لا يسمحون بدخول أطفال من دون مرافقين بالغين. وعن هذه الحادثة قال دافيد: «شعرت بالغضب، لكنني لم أُظهر ذلك. ماذا كان عساي أن أفعل؟». سواء بالغين أو أطفالا، كان من الصعب الحصول على طاولة في هذا المساء ـ حيث كانت جميع المقاعد محجوزة، في معظم الحالات من جانب أصدقاء الطاهي وصاحب المطعم، سيزار كاسيلا، الإيطالي الذي ينتمي إلى مدينة توسكانا. وقررت النادلة توفير طاولة إلى أول عميل للمطعم ليس برفقته أحد، لكن بعدما وعد بالرحيل بحلول الثامنة مساءً، وكان ذلك بمثابة اتفاق بينهما. أما باقي رواد المطعم فحاولوا تجنب تحديق النظر في دافيد، لكنهم فشلوا. وبدت على وجوههم تساؤلات مثل أين والداه؟ وهل يستمتع بطعامه؟ وهل سيسدد الحساب نقداً أم باستخدام بطاقة ائتمانية؟ في العادة، يميل دافيد بشدة للمأكولات البحرية. داخل المطعم، طلب الحصول على الطبق الخاص والذي يحمل اسم بروسكيوتو، إلى جانب وجبة أشارت إليها القائمة بأونا إنسالاتا دي روكولا إي بارميجيانو. وفي تعليقه على الوجبة، كتب دافيد في مذكرة صغيرة حملها معه «تنوع جيد»، وذلك في نبرة تشبه تلك الخاصة بنقاد المطاعم. وبدأ زوجان أستراليان يجلسان بالقرب منه في محادثة حول الأزمة المالية، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يعلم فيها دافيد أن الانهيار المالي داخل الولايات المتحدة أثر بالسلب على الدولار الأسترالي. وأصر زوجان شابان كانا يجلسان على الجانب الآخر من طاولته على أن يشتريا له موس الشوكولاته، رغم محاولات مهذبة للرفض. في المقابل، نصحهما دافيد بأن يتناولا سلطة الجرجير. وشعر عمال المطبخ باهتمام بالغ تجاه المغامر الصغير لدرجة جعلتهم يبعثون إليه بطبق هدية عبارة عن أمعاء تم طهيها بالغلي البطيء. وقد تمتع دافيد بتناوله إياه، لكنه أشار إلى أنه: «ليس طبقي المفضل». وبدا مندهشاً عندما علم لاحقاً بأن الطبق تم إعداده بأمعاء حيوان، واستفسر عن أي الحيوانات تحديداً تم طهي أمعائها. بصورة عامة، يشكل الطعام محور حياة دافيد، إلى جانب السباحة والعمل التطوعي والمشاركة في مجلس الطلاب وعشقه للأسطح الخضراء للمباني. لكن من الواضح أنه يعشق الطعام بحق، فعندما كان في السادسة، فاز في مسابقة أجراها محل كرامبس بيكري للمخبوزات لأفضل فكرة جديدة لصنع الكعك. وكانت جائزته الحصول على كعكة مجانية كل أربعاء لمدة عام ـ ثم حصل على الجائزة ذاتها لمدة عام آخر، رغم أنه كان من المفترض ألا يحصل عليها. لكن للأسف، تم تغيير كل أعضاء فريق العمل هناك. وقال دافيد عن الفريق الجديد: «إنهم الآن لا يعلمون أي شيء بهذا الشأن». لكن عاشق الطعام الصغير نجح في كسب معجب جديد هو الطاهي كاسيلا، وهو رجل ضخم البنية، عادة ما يتجول في المطاعم التي يملكها حاملاً في جيبه قطعة صغيرة من العشب العطري. وفي الليلة التي توجه فيها دافيد إلى سالومراي روزي، خرج كاسيلا لتحية دافيد ومنحه هدية عبارة عن مفرش للمائدة يحمل صوراً لثمرة البندق. ورغم شعور دافيد بالإحباط لعدم تقديم المطعم الآيس كريم الإيطالي، فإنه نجح في التعرف على المزيد من المعلومات بشأن الطعام الإيطالي من خلال كاسيلا. وعن دافيد، قال كاسيلا، الذي تجول بمختلف الدول الأوروبية في محاولة للتعرف على أفضل المطاعم: «لقد ذكرني بنفسي عندما كنت صغيراً. إنه لطيف للغاية، لكنه يبدي ثقة أكبر في نفسه مني عندما كنت أخرج لتناول الطعام بمفردي».

أما دافيد، فرأى أن كاسيلا: «يبدو كرجل محب فعلاً للحوم. إنه يبدو كجزار يهوى تناول الكثير من اللحوم». ورغم الاستقلالية الكبيرة التي تتميز بها شخصية دافيد، لا يسمح له أبواه بالبقاء خارج المنزل بعد حلول الظلام. لذا، توجهت والدته إلى المطعم لتوصله إلى المنزل بعدما اتصل بها هاتفياً. وبمجرد عودته إلى المنزل، شرع في كتابة مقال نقدي في مذكراته الخاصة عن المطعم على غرار ما يتم نشره بموقع زاغات، ومنح المطعم 24 من إجمالي 25 درجة بالنسبة لجودة الطعام، و23 من 25 درجة بالنسبة للديكورات والتصميم. وكتب يقول: «أثناء مغادرتي المطعم، تولدت لدي قناعة بأن هذا المكان سوف يصبح أحد أشهر الأماكن بالمدينة». أما نقطة الضعف في المطعم، من وجهة نظر دافيد، فكان مستوى الخدمة الذي منحه 21 من 25 درجة. وأشار بمقاله إلى أن تقديم الخبز كان بطيئاً. وعندما اطلع الطاهي كاسيلا على المقال قال: «أتفق معه في الرأي. ونحن نعمل على حل هذا الأمر».

* خدمة «نيويورك تايمز»