لا تقل أصله وفصله .. إنما الطاهي ما قد طبخ

أشهر صانعي البيتزا من مصر.. وأفضل طاهي معكرونة تونسي

TT

يدق الأطفال وهم مقنعون في اوروبا واميركا أبواب جيرانهم في عيد " الهالوين" في آخر اكتوبر ( تشرين الأول ) عشية عيد جميع القديسين ويقولون: أتريد أن نخدعك أم ستعطيني قطعة حلوى؟ ثم يعودون إلى دورهم فرحين بغنائم السكاكر والشكولاته والحلويات. أصل هذا العيد المسيحي جاء من ايرلندا الوثنية ايام السلتيين التي كانت تقسم العام إلى قسمين ويسمونه " سمحين " ثم تحتفل بزيارة الموتى وتقديم الأطعمة لهم وارتداء الأقنعة المخيفة للسحرة والشياطين. أقام بهذه المناسبة الوجبات الخاصة بتلك الفرصة التي تقدمها المطاعم الايطالية والأجنبية مجلس الطعام الايرلندي حفلة غداء فريدة في وسط روما قرب مجلس الشيوخ الايطالي في أحد المطاعم الراقية الذي تملكه خبيرة الطعام الايطالي ايلده شيرولي المسمى " تراتوريا " Trattoria في محاولة لترويج المطبخ الايرلندي الشهير بالأسماك واللحوم خاصة أنك لا تجد الأكل الايرلندي الحقيقي سوى في الحانات الايرلندية الكثيرة الانتشار في العاصمة الايطالية والتي تسمح برؤية مباريات كرة القدم على التليفزيون خلال تناول الطعام.

الطهاة الأجانب

* لن تجد متعة كبيرة في أي من المطاعم الأجنبية في روما لأن مستوى الأكل فيها لا يتعدى المتوسط إلا في الحالات النادرة ولا تصل الى مستوى المطاعم الأجنبية في باريس أو لندن أو نيويورك، وبعضها يقدم الشاورما والفلافل أو الدجاج الصيني للعمال والمهاجرين الأجانب وهناك مطاعم صينية منتشرة بأسعار زهيدة نسبيا في كل حي من أحياء العاصمة ومن أفضلها مطعم "ياسمين" و "الحجر الأخضر" وكذلك المطاعم الهندية مثل "سوريا محل" و "قصر همالايا" والعربية مثل "الشام" و "ألف ليلة وليلة" التي تضيف الرقص الشرقي الى لائحة الطعام، والأميركية كمطعم "الدوق الأسود" والارجنتينية مثل مطعم "باريس" لا عاصمة فرنسا بل بيونس آيريس عاصمة الأرجنتين مختصرة بكلمة واحدة والتايلندية "جزيرة بوكيت" والمكسيكية "ايل بويبلو" أما المطعم الفرنسي الشهير فلا يوجد من يمثله حقا في روما رغم توأمتها مع مدينة باريس منذ سنوات عديدة.

أمام ثراء المطبخ الايطالي وشعبيته الدولية وتعلق الايطاليين به تفتحت الموهبة الأجنبية في ايطاليا على أيدي الطهاة القادمين إليها من شتى أرجاء العالم والذين يتحدثون الايطالية إنما بلكنة أجنبية، فأشهر طباخ جديد شق طريقه إلى الصعود هو التونسي نبيل الحاج حسن الذي بز نظراءه من أهل البلد في طريقة تحضير السباغيتي على طريقة كاربونارا وهي من أولى المعجنات التقليدية في روما، واختارته أهم مجلة ايطالية عن شؤون الأكل والشراب والمطاعم "غامبيرو روسو" كأحد أنجح الطباخين الأجانب في روما بعد أن لفتت جريدة النيويورك تايمز التي خصصت مقالا عن الموضوع انتباه النقاد والذواقة الايطاليين، أما الطهاة المصريون فيصنعون أشهى أنواع البيتزا النابوليتانية ورمز المطبخ الايطالي طاه ألماني مخضرم هو هاينز بيك يعمل في مطعم "لا بيرغولا" الفخم بفندق الهيلتون بروما. فهل يبقى المطبخ ايطاليا اذا كان الشيف أجنبيا؟ يقول نبيل الحاج حسن (43 سنة) في حديث خاص مع "الشرق الأوسط" إنه جاء عام 1981 الى جزيرة صقلية قادما من مدينة الموناستير بتونس وتعلم أصول الطهي الايطالي هناك كما تعاون مع طهاة كبار من فرنسا وتكونت لديه خبرة طويلة. وأضاف "الطهي متعة وهناك حرية في العمل والابتكار فالأكل الايطالي بسيط وتحضيره ليس معقدا لكنه يستوجب استخدام المكونات الصحيحة الطازجة". ثم أردف قائلا " لقد كتبت عني الصحف الانكليزية والفرنسية والايطالية وتحدثت على شاشة التلفزيون الايطالي وهذه أول مناسبة مع صحيفة عربية فأنا لا اتقن فقط السباغيتي التقليدية في روما من نوع كاربونارا بالبيض واللحم التي تحدثت عنها النيويورك تايمز بل كافة أطباق السمك أو اللحم، وقد تعرضت في البداية للنقد لكنني أقنعت الايطاليين بأنه لا فرق بين شيف أجنبي يبرع في المطبخ الايطالي أو أي طاه ايطالي يتقن تحضير المآكل العربية فالمهم هو النتيجة والمذاق والطعم الجيد ".

يقول الشيف نامق موساييف وأصله من أذربيجان من قرية تطل على بحر قزوين ثم انتقل حاليا الى مطعم معروف اسمه " مطعم الخليج " في جزيرة صقلية قرب مدينة تراباني إنه تدرب كعامل ميكانيكي أيام الاتحاد السوفيتي لكنه لجأ الى موسكو عام 1994 بعد انتهاء الحقبة السوفيتية طالبا الشغل فتعرف على صديق كان يعمل كعازف بيانو في مطعم ايطالي صغير في العاصمة الروسية تؤمه الطبقة الثرية الناشئة التي كانت تتحفظ على التبجح بغناها في تلك الفترة وتمكن من العمل كغاسل للصحون وبهذه الوسيلة تعرف على طرق طهي المآكل الايطالية، ويضيف قائلا "لم أكن أعرف أي شيء عن فن الطبخ وكنت أظنه من اختصاص النساء". ولما سمع أن الطباخ في موسكو انتقل الى ايطاليا اتصل به ثم لحقه الى جزيرة صقلية الشهيرة بمآكلها اللذيذة وزيت الزيتون المستخدم في كافة الوجبات تقريبا. يقول موساييف أثناء زيارة لروما لتحسين معلوماته عن طهي سمك التونة الذي يتقنه الطهاة اليابانيون " نجحت في التأقلم مع زيت الزيتون الذي لا نعرفه إلا قليلا في أذربيجان واستلمت العمل كطاه رئيسي ونجحت في الصلصات الصقلية مثل البستو ( وهو مزيج من ورق الحبق أو الريحان مع الزيت والصنوبر والثوم لكنهم يضيفون له الطماطم والقليل من الفلفل الأحمر الحار في صقلية خلافا للبستو الكلاسيكي القادم من مدينة جنوى في الشمال) لأن تلك الصلصة تشبه ما كنا نستعمله مع الكباب المشوي في أذربيجان وابتكرت صلصة جديدة لمزجها مع سمك التونة الجيد في صقلية وشيه بالفرن بعد تقسيمه الى شرائح على الطريقة اليابانية بدل الطريقة المحلية التي تفسد طعمه وتحتوي بالاضافة لمكونات البستو الصقلي على الزبيب والنعناع الأخضر والبقدونس " آيرلندا: سمك وغنم

* الغذاء الخاص في مطعم " تراتوريا " فاز بإعجاب الجميع من المختصين بالطهي والنقاد والصحافيين الايطاليين والأجانب المتخصصين بالكتابة عن الطعام والمعتمدين في ايطاليا، كما وضع المنتجات الايرلندية على رأس المواد الجيدة المستوردة الى ايطاليا، وقال جون كين مدير المركز الايرلندي للطعام في ميلانو إن اللحوم والأسماك كانت تصدر الى بلاد الخليج وبقية البدان العربية حين كانت تتلقى دعم الاتحاد الاوروبي كي تبقى أسعارها في متناول المستهلكين العرب لكنها الآن تركز جهودها على السوق الأوروبي، وأضاف "جامعات الطعام في ايطاليا كجامعة الدراسات الغذائية العلمية تبعث بطلابها الى ايرلندا لدراسة المطبخ الايرلندي والرخويات البحرية وأسماك السلمون والقد والاسقمري المتوفرة في البحر المحيط بايرلندا أما اللحوم البقرية والغنم، فكلها تسرح في المراعي وتأكل الأعشاب الطازجة التي تعطيها نكهة خاصة بعد الطهي ولا تبقى في الحظائر كما هي الحال في ايطاليا". قدم الطباخون الايطاليون وجبة بإشراف خبيرة ايرلندية احتوت على مقبلات سمك الاسقمري البحري ثم السلمون المهروس بالقشطة الايطالية (ماسكاربوني) والقليل من البصل الأخضر وتبعه السلمون المشوي بالفرن ثم لحم الغنم المشوي مع صلصة النعناع الأخضر واللحم البقري المشوي على الفحم واختتمت المناسبة بالحلوى الايرلندية الخاصة بعيد «الهالويين» المسماة « بيرين برياك» التي تحتوي على الدقيق والزبد والزبيب والحليب والقرفة وجوزة الطيب أما القهوة فكانت ايطالية مائة بالمائة من أفخر أنواع أرابيكا (أي القهوة ذات الأصل العربي). لا شك أن هذه الوجبة الحديثة تختلف عن الصحون التقليدية المألوفة في دبلن كالبطاطس المهروسة مع الثوم البري واللحم المطهي مع الملفوف بالغلي البطيء وتفتح المجال لتعاون البطون وتنشيط التجارة بين البلدين.

روما تحاول الانفتاح على العالم كله وتستورد المكونات من كل مكان وقد تحولت في السنوات الأخيرة الى عاصمة الأكل البحري في ايطاليا، أما مدينة بارما في الشمال الشهيرة بإنتاج جبن البارميزان ( بارميجانو ريجانو) فقد افتتحت منذ سنوات جامعة دولية لتدريس فن الطبخ الايطالي يتخرج فيها سنويا عدد من المتخصصين الذين يزودون المطاعم الايطالية في الكرة الأرضية بالطهاة المهرة والذين يصلون الى درجة الشيف أي الطاهي الرئيسي الذي يبتكر الأطباق ويعطي التعليمات لمعاونيه ففي مدينة سان دييغو بالولايات المتحدة يملك العراقيون عددا وافرا من المطاعم الايطالية والطهاة يأتون من المكسيك، وسيبدأ خريجو تلك الجامعة في العمل هناك لتحسين مستوى الطهي وتقريبه من المستلزمات الايطالية، ولعل بعض المغاربة أو الهنود سيبقون في ايطاليا، لينافسوا زملاءهم الطليان في طهي المآكل الايطالية في عقر الدار فهم ورثة تقاليد طعامية راقية من المغرب أو الهند، وهل سيدرك أو سيهتم الزبون الايطالي بمن طبخ الأكلة وبجنسيته إذا كانت لذيذة وأصلية ومشهية تبعث على البهجة والرضا وتداعب حاسة التذوق لدى المتأنق في الطعام والشراب؟