.. وأصبح للأكل قناة فضائية خاصة

المطبخ يدخل عالم الفضائيات في فرنسا

TT

ليست صدفة، ليست مفاجأة، ليست أمراً مستغرباً أو مستهجناً. فوجود قناة فضائية خاصة، فقط، بالمطبخ وعوالمه وأسراره، نكهاته وأطباقه، خضرواته ولحومه، نوعياته ومستوياته، الفرنسية والعالمية. ربما مفاجأة مفرحة وأثيرة لكافة الناطقين باللغة الفرنسية. وهي بالتأكيد فرصة جميلة لكافة متابعي شبكة canal SAT التلفزيونية المعروفة. أو حتى للباحثين في عالم الطبخ ووصفاته من كافة أنحاء العالم. بدأ العمل في هذه القناة، بداية صيف عام 2001، وكونها قناة فرنسية، تبث برامجها باللغة الفرنسية، فإن أكثرية مشاهديها، المشتركين البالغ عددهم مليوني ومائتي ألف مشترك، يتحدثون الفرنسية. وهذا الأمر، ربما، يساهم في حصرها فقط بالعالم الناطق بالفرنسية لكن مع ذلك، فإن برامجها، لا تتوقف فقط على المطبخ الفرنسي، بل تمنح مشاهديها التعرف على مطابخ العالم أجمع. اذ أن نسبة 40% من برامجها للمطابخ العالمية على كافة تنوعاتها. في حين أنه توجد عدة برامج خاصة بالدول الأوروبية المجاورة لفرنسا، وما تبقى من البرامج فإنها مخصصة للمطبخ الفرنسي المتنوع جداً والكبير والمفتوح على تنوعات ونكهات مختلفة وتتباعد عن بعضها البعض كلما تباعدت المسافات بينها، بين الشمال الضبابي والبارد المقيم في وسط أوروبا والجنوب الدافىء الجالس على شرفة البحر المتوسط والموصول بقارة أفريقيا والشرق الأوسط ومطبخ الحوض المتوسط كله، في حين أن الشرق، وهو الأكثر شهرة في المطبخ الفرنسي يحظى بالكثير من الاهتمام في كافة البرامج الفرنسية. أما الغرب الفرنسي المطل على المحيط الأطلسي، والذي تقع في جنوبه أهم وأكبر مزارع كبد الأوز foie gras في العالم، فهو كذلك يحظى باهتمام. تحتوي هذه القناة على كمية برامج يندر أن توجد في قناة أخرى، حتى لو كانت قناة منوعات. فهي تبث حوالي 161 برنامجاً على مدار السنة، وتختلف نوعية البرامج عن بعضها البعض من خلال نوعيتها وطريقة عرضها. بحيث أن ثمة برامج تبث يومياً، أي بمعدل 5 حلقات جديدة أسبوعياً، في حين أن ما تبقى من البرامج فإنها تبث مرة أو مرتين أسبوعياً. لتصل الى حلقة واحدة في الأسبوع. وهذا الأمر يتطلب قدرات كبيرة مالية ولوجستية محترفة جداً، حتى لو كان الأمر يتعلق وفقط بالمطبخ. فالفرنسيون بغالبيتهم يحبون المائدة العامرة، لكن الكلاسيكية الأقرب الى الرومانسية منها الى المائدة العادية المليئة بالأطعمة. هنا يصبح الأكل ليس لمجرد الأكل، بل لخلق مناخات إنسانية مرهفة. وعلى هذا، فإن مروحة البرامج لا تنحصر فقط في كيفية تحضير الأطباق، ولو كان الأمر كذلك لما كان ضرورياً، على الأرجح تخصيص قناة في عالم المطبخ.

والحق أن عددا من البرامج، ينسحب من عالم الوصفات الى عالم الديكور، الواسع جداً، حيث تتحكم المخيلة الى جانب العلم والمعرفة، في توجيه هذا الجانب، تماماً كما المادة الأساسية للقناة التي هي المطبخ والطبخ والوصفات الفرنسية والعالمية. ورغم أن موضوع الديكور يبقى موضوعاً أقرب الى الأحلام، فإن برنامج تبثه m6.fr بعنوان un diner procque parfait وهو برنامج من خلال اختصاصي الى المشاهدين. بل يتم اختيار سيدة أو رجل قدم دعوة الى خمسة أصدقاء له ويقوم هو بتحضير عشاء لضيوفه بحسب قدراته ومعرفته في صناعة أو تحضير طاولة تجتمع فيها كافة مقومات العشاء الذي يمكن أن يقدم في مطعم فخم. أي الخلط الحقيقي بين فن الترفيه وتزيين المأكولات وتحضيرها على اختلاف أنواعها وجنسياتها. وبين المواهب الحقيقية للناس الذين لا يملكون قدرات علمية أو تخييلية لتحقيق ذلك. والبرنامج لا يقف عن ذلك، بل إنه أشبه بمسابقة من يقدم أفضل عشاء. فيتناوب الأشخاص الخمسة على دعوة بعضهم بعضا بمعدل كل يوم دعوة وفي النهاية هم من يقرر أيهم كان عشاؤه الأفضل ليفوز بألف يورو.

هذا النوع من البرامج لم تصل إليه بعد قناة المطبخ، إذ أن برامجها كافة، تقدم من خلال طهاة محترفين محليا وعالمياً. ما يجعل من هذه البرامج، المستوردة، نافذة القناة على أكبر مروحة من المشاهدين في العالم. ومن هذه البرامج تم اختيار الطاهية المغربية شميشة لتقدم برنامجها الشهير جداً في المغرب (شهيوات شميشة)، لكن هذه المرة باللغة الفرنسية مباشرة ودون دبلجة. كما تم اختيار الطاهي الكندي نيكولا ببرنامجه الشهير في بلده أيضاً Nicolas et moi الذي يقدم برنامجه أيضا بالفرنسية مباشرة، وهو يقدم أطباقاً خاصة بمدينته كيبيك تبتعد قليلاً عن رفاهية المطبخ الفرنسي، وذلك بسبب أنه دائماً، يسعى الى تقديم البرنامج من خلال شيف من مشاهديه، ما يخلق نوعاً من المواءمة بين الثقافة التقليدية في تحضير الأطباق التي يتم تقديمها وبين المعرفة العلمية والفطرية التي يتمتع بها الطاهي نفسه. وفي إطار التنوع نفسه يقدم الطاهي اللبناني كريم حيدر برنامجاً خاصة عن المطبخ اللبناني وفنه وأطباقه. لكن المستغرب في هذا الأمر أنه رغم وجود طاه لبناني في القناة، فإن القناة تقدم وصفة لتحضير (صحن الحمص) الشهير جداً في لبنان. لكن مع تغيير في المكونات إذ بدل الطحينة التي هي مكون أساسي في تكوين مذاق هذا الطبق يضاف اللبن ما يعني تغيير طعم الطبق كلياً وابتعاده عن الطريقة التقليدية اللبنانية. في جانب آخر تسافر الطاهية تونيا بوكستون الى اليونان لاكتشاف المطبخ المتوسطي الأوروبي، فنتعرف من خلالها على المطبخ اليوناني من خلال أطباق ربما تكون متوسطية، لكنها غير مسجلة بهوية وثقافة بلد معين. ففي تقديم هذا البرنامج تقدم البقلاوة باعتبارها صنفاً من الحلويات اليونانية، كما يقدم طبق (المسقعة) باعتباره كذلك ذات خاصية يونانية وليس لبنانية وفلسطينية. الى جانب ذلك تقدم الطاهية الهندية بينا بارادان مع والدتها أطباقاً هندية تقليدية تبتعد عن الاحتراف الفعلي، بل تعتمد الوصفات التقليدية من كافة مناطق الهند. أما مع الطاهية الإيطالية ألبا بيزون فإن تقديم برنامج خاص بالمطبخ لا يعني الابتعاد عن الفكاهة وروح الدعابة. فهي تسافر بين المدن الإيطالية لتقدم مزيجاً من الروح الشعبية الايطالية الأقرب الى روح النكتة والوصفات التقليدية بين نابولي وميلانو وروما والجزر المحيطة بإيطاليا تقدم ألبا بيزون أشهى الوصفات الخاصة ببلدها. من تونس أيضاً تقدم لورانس تويتو من كتاب والدتها أوديت وصفات تقليدية تونسية لا تشترك كثيراً مع المطبخ المغربي عامة سوى بطبق الكسكسي الذي يقدم في تونس والجزائر والمغرب على أنه طبق رسمي. على رغم بعض الملاحظات البسيطة، وتلك الجوهرية التي تخص المطبخ اللبناني وأيضاً نسب بعض الوصفات الى المطبخ اليوناني في حين أنها تتمتع بهوية شرق متوسطية (لبنان، فلسطين، سورية)، فإن الملاحظات التي يمكن أن تضاف الى المطابخ العالمية تتعلق بكل مطبخ على حدة لا أن تكون ملاحظات عامة. في أن البرامج الأخرى تضيع المتابع لدرجة أنه وبسبب كثرة البرامج التي تبثها القناة تجعل من الصعب معرفة البرامج التي تنتجها القناة نفسها. والسؤال هل تنتج القناة برامج أم فقط تعمل على قاعدة شراء برامج من محطات تلفزة أخرى. وإذا كان كذلك فلم فقط تقتصر برامجها على هذه الدول، مستثنية بذلك، أوروبياً، المطبخ الألماني ومطبخ الشمال الأوروبي (الدانمارك، السويد، هولندا، النرويج، فنلندا). واستطراداً المطبخ الروسي. بعيداً عن الوصفات العالمية، فإن القناة تقدم عدداً من البرامج التي تختص بكونها فرنسية، تجمع بين تمكين المشاهد من معرفة فن الطبخ الفرنسي وطرق تحضير الأطباق. وهي برامج مبتكرة في فكرتها وطريقة عرضها. منها على سبيل المثال ما يقدمه البرنامج الذي تقدمه الصحافية المتخصصة في الأكل كورين كوست بعنوان (ماما، أنا جائع!!) تسافر من خلاله في كافة المدن والقرى الفرنسية للبحث عن الأطباق التي تحضرها الأمهات وتكون سهلة ولذيذة ومرغوبة من قبل الأطفال. أما البرنامج الآخر الذي يقدمه لوران ماريوت بعنوان ( طبق في أربع وعشرين دقيقة فقط ) وهو برنامج يعتمد على تحضير أي طبق يتم اختياره بأربع وعشرين دقيقة فقط، أي هو برنامج يتناسب مع نمط الحياة الأوروبية التي وإن كانت تتسم بالهدوء إلا أنها تتسم أيضا بالسرعة وقلة الوقت مع احترامه بالطبع. فهو في أربع وعشرين دقيقة يقشر الخضروات ويحضر اللحوم ويقوم باستعراضات سريعة وهادفة وممتعة والأهم من هذا كله أن أطباقه سهلة التحضير ودائما تستهدف على الأكثر أربعة أشخاص. الى برامج أخرى مثل (مطبخ اليوم) أو (يوموسيمو) أو (مطبخ الجنوب) أو (اليوم أنا اعمل)... إلخ. يصعب فعلياً الإحاطة بكافة البرامج التي تقدمها القناة في هذه العجالة. إلا أن التعرف على هذه القناة من خلال مشاهدتها أو من خلال الولوج الى موقعها على الإنترنت www.cuisine.tv يعني اكتساب العديد من الخبرات والتعرف على أطباق علمية وفرنسية لا تعد ولا تحصى.