عصير قصب السكر.. من المشرق إلى المغرب

يباع طازجا ويمزج بالليمون

سمير الخورصي بائع عصير قصب السكر الوحيد في الرباط (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

قبل عامين لم يكن سكان العاصمة المغربية الرباط قد تذوقوا طعم عصير قصب السكر، إلا من زار منهم مدنا مغربية أخرى مثل مراكش، وإن كانت هي الأخرى حديثة العهد بهذا العصير الطبيعي حيث لم يظهر بها إلا قبل ست سنوات.

سمير الخورصي، شاب مغربي، من بلدة مشرع بلقصيري، أصبح مشهورا ويعرفه الجميع، خصوصا انه اختار مكانا «استراتيجيا» لينصب آلة تعصير قصب السكر المصنوعة من معدن الانوكس، وذلك بمدخل شارع «الجزا» الشعبي المعروف وسط حي السويقة بالمدينة العتيقة، التي تزدحم أزقتها وشوارعها بالمارة في كل وقت، حيث تتجاور وتتآلف محلات بيع التوابل، والمطاعم الشعبية، مع متاجر الألبسة والأحذية، وسيديهات (أقراص) الأغاني والأفلام المقرصنة، في انسجام غريب يغري بالفضول والاكتشاف.

وهناك سبب آخر لشهرة هذا الشاب، هو انه الوحيد الذي يبيع عصير قصب السكر، في المدينة كلها ولا يوجد منافس له، أطلق مشروعه في البداية من مدينة سلا المجاورة للرباط، ثم انتقل الى أصيلة في الشمال المغربي، قبل ان يقرر الاستقرار في الرباط.

يقول الخورصي لـ«الشرق الأوسط» ان فكرة مشروعه الصغير جاءته عن طريق صديق مصري كان يدرس معه اللغة الانجليزية في احد المعاهد الخاصة بالرباط، حيث جرهما الحديث عن اهتمامهما المشترك بالزراعة الى الحديث عن العصير المستخرج من قصب السكر، ومن هنا، يقول الخورصي، انطلق في مشروعه، ولم يكمل دراسته حيث كان ينوي التخصص في مجال هندسة المعلوميات، إلا أنه غير نادم على المسار الذي اختاره لنفسه، لانه راض على المكسب الذي يحققه من وراء هذه التجارة البسيطة.

أما الخطوة الأولية لتنفيذ المشروع فتمثلت في استيراد الآلة المخصصة لهذا الغرض وهي «اختراع عربي مصري»، على حد تعبيره، كلفته نحو 5 آلاف دولار. ولم يكن بحاجة الى استيراد قصب السكر لانه يزرع بكثرة في المغرب حيث يستخرج منه سكر البودرة الأبيض المعروف باسم «سنيدة».

ويزرع الخورصي بنفسه قصب السكر في بلدته «مشرع بلقصيري»، حيث يتوفر هناك على نحو 7 هكتارات من الأراضي يخصص جلها لهذا المنتوج الذي يحتاج الى طقس معتدل، لا هو بالبارد ولا هو بالحار، كما يتطلب مياها وافرة للسقي. وينضج قصب السكر ابتداء من شهر مارس (آذار) إلى يونيو (حزيران).

ويبيع الخورصي كأس العصير بمبلغ 5 دراهم (0.80 دولار)، وينتظر الزبون بضع ثوان فقط ليحصل على هذا العصير الطازج واللذيذ، حيث يدخل الخورصي قصبة أو اثنتين مع قطعة من الليمون الحامض، في فتحة دائرية في أعلى الآلة، فتختفي كليا ثم ينزل العصير من فتحة في الأسفل داخل إناء معدني به مصفاة تمنع اختلاط العصير بشوائب القصب، ثم يسكب العصير المصفى في كوب من البلاستيك، ويقدمه للزبون الذي يشربه واقفا ويمضي لحال سبيله، مقتنعا بالفوائد الصحية لهذا المشروب التي كتبها الخورصي بخط يده بشكل بارز على ورقة بيضاء وألصقها على الوجه الأمامي للآلة، وعلى جانبها الأيسر حتى تكون في متناول نظر الزبائن، مؤكدا أنها فوائد مثبتة علميا وهي: «تخفيض نسبة الكولسترول السيئ في الدم، وقاية فعالة ضد أمراض القلب الوعائية، مضاد ناجع ضد الحساسية وأمراض الصدر، يساعد على تكسير الحصى في الكليتين، يخفف من آلام الأرجل أثناء المشي، مصدر فوري للطاقة، غني بفيتامين «أ» و«سي»، يحتوي على نسبة هامة من الألياف الغذائية، وأخيرا فهو يتوفر على نسب مختلفة من الكالسيوم والفوسفور، والحديد، والبروتينات».

ويضيف الخورصي، أن هذا المشروب مفيد حتى للأطفال الرضع لأنه يساعدهم على النمو، كما انه لا يسبب أي مضاعفات، فبالرغم من توفره على فيتامين «سي» فإنه لا يسبب الأرق اذا ما شرب ليلا.

ويرى الخورصي ان 5 دراهم ثمن مناسب مقابل كأس من العصير الطازج والمفيد، مقارنة مع أنواع أخرى من العصائر مثل الافوكادو، او عصير الفواكه المشكلة التي تباع بثمن مضاعف والأقل فائدة، والدليل هو الإقبال الكبير عليه، حتى إن الراغبين فيه يضطرون أحيانا لانتظار دورهم في طابور حتى يفوزوا بكأس من هذا المشروب السحري.

وجوابا على سؤال حول ما إذا كان الإقبال يتزايد في الصيف أكثر من الشتاء بسبب حرارة الجو، قال الخورصي إن إقبال الناس على شرب هذا العصير يستمر صيفا وشتاء، منبها الى انه مفيد اكثر في فصل الشتاء لانه ينشط الدورة الدموية، اما في فصل الصيف فيقدم مع قطع الثلج لاطفاء العطش.

لا يباع عصير قصب السكر معلبا مثل باقي العصائر الأخرى، والسبب، حسب الخورصي، هو ان به كمية كبيرة من الألياف، وحتى ان تم تعليبه فسيضاف اليه مواد حافظة ومنكهات صناعية، وبالتالي سيفقد قيمته الغذائية، بينما هو الآن شراب طبيعي خالص، ويعد من أفضل العصائر في الشرق، كما يوجد في بلدان أخرى مثل أفغانستان، وكوبا، والبرازيل لان زراعة قصب السكر منتشرة في تلك البلدان، وحتى البلدان التي لا يزرع فيها، يتم استيراده إليها، مثل السعودية، التي تستورد القصب من مصر.

ويقول احد الزبائن انه تذوق هذا العصير للمرة الأولى بمدينة مراكش، ومنذ ذلك الحين وهو يواظب على شربه، ليس بدافع الفضول وإنما اقتناعا بفوائده الصحية. زبون آخر أكد نفس الشيء أي انه سبق له شرب هذا العصير في إحدى زياراته للمدينة الحمراء، مضيفا أنه أيام الطفولة ومثل باقي الأطفال، كان يتناول القصب مباشر، ويقضمه بأسنانه لاستخراج عصيره، الذي يتميز بحلاوته الشديدة.