طارق معلوف.. حول «الكاب كيك» إلى ثقافة جديدة في بريطانيا

«هامينغبورد» من وحي الاقتصاد ورحم الأدب

قهوة «نسبرسو» ظاهرة انتشرت في العالم بأسره («الشرق الأوسط»)
TT

في مكتبه الصغير الملاصق لمطبخ أحد محلاته في منطقة «ساوث كينزيغتون» في لندن، وبهندام عصري ووجه طفولي، استقبلنا طارق معلوف (34 عاما) ابن المتن الشمالي في لبنان صاحب محلات «هامينغبورد» في لندن وبدا الحماس واضحا على وجهه عندما بدأ يخبرنا قصة إمبراطوريته الصغيرة، فهو لم يدرس مهنة الطهو ولم يدخل المطبخ في حياته، بل إنه حائز على شهادة في علم الاقتصاد، وعمل لفترة طويلة في قناة «إيه بي سي» الأميركية، فهو ترعرع في بيت ملؤه الأدب والثقافة، إنه ابن الكاتبة والمفكرة اللبنانية حنان الشيخ، انتقل من لبنان إلى العيش في لندن مع عائلته عندما كان في الثانية من عمره، وكان يزور الولايات المتحدة الأميركية باستمرار لرؤية شقيقته المقيمة في مدينة نيويورك، وفي كل مر ة تواجد بها في أميركا كان يلفت انتباهه انتشار ثقافة حلوى «الكاب كيك» وهي عبارة عن قوالب من الحلوى صغيرة الحجم مزينة بالسكر والكريما والفانيليا وغيرها من النكهات اللذيذة، ومن أشهرها في نيويورك محلات ماغنوليا، وعندما عاد إلى بريطانيا حمل في جعبته عدة أفكار أراد ترجمتها في لندن. وهكذا كانت البداية، ففي عام 2004 افتتح أول فرع لمحلات «هامينغبورد» في منطقة «نوتينغ هيل» وبعدها افتتح فرعا آخر في منطقة «كنزينغتون» وأراد من خلال محلاته نشر ثقافة جديدة للحلوى في لندن، ووقع اختياره على اسم «هامينغبورد» بعد الاستعانة بعدة آراء، و «هامينغبورد» يعني «الطائر الطنان» وهذا الطائر يتمتع بشكل جميل وصغير ويحب الحلوى.

ويقول معلوف إن هذا النوع من الحلوى يبعث الفرح في النفوس، فطعمه لذيذ وشكله جميل وسعر القطعة يتناسب مع أصحاب الميزانيات المتواضعة، وأضاف مبتسما أن هذا النوع من الحلوى يتلاءم حاليا مع الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم أجمع، لذا قرر افتتاح فرع جديد في منطقة سوهو في لندن، ولديه فكرة لافتتاح محلات في لبنان في المستقبل.

«الكاب كيك» تعتبر نوعا ما جديدة بالنسبة للبريطانيين، ففي السابق كان من الصعب إيجاد «كاب كيك» طازجة، فكل ما كان متوفرا كان يقتصر على الحلوى المشابهة لـ«الكاب كيك» التي تباع في محلات السوبر ماركت، إنما اليوم أصبح هناك محلات خاصة ببيع «الكاب الكيك»، التي أصبحت بالتالي ملتقى للأصدقاء ومتنفسا للعائلات مع الأطفال.

وعن المنافسة يقول معلوف، إن المضاربة والمنافسة في لندن قوية، إنما استطاع «هامينغبور» أن يضع نفسه على رأس قائمة محلات «الكاب كيك» نسبة للنكهة الفريدة، لا سيما نكهة المخمل الأحمر «ريد فيلفت» التي تعتبر الأكثر شهرة ومبيعا، وتأتي بعدها نكهة الفانيليا الشيكولاته، بالإضافة إلى أصناف تقدم في مواسم معينة، وفي كل يوم جمعة يقوم بتحضير نوع يعرف باسم «بلاك بوتوم» ويشهد إقبالا كبيرا. وتحدث طارق لـ«الشرق الأوسط» عن سر نجاح الحلوى لديه، وعزا ذلك إلى نوعية المكونات التي يستعملها في خلطة «الكاب الكيك» البسيطة، فكل المواد محلية تستحضر من مزارع في بريطانيا، في حين يتم استيراد الشيكولاته من بلجيكا، أما الديكورات الصغيرة وكل ما له علاقة بالتزيين مثل الكوكيز والألوان، فكلها مستوردة من الولايات المتحدة الأميركية، وشدد معلوف أيضا على أهمية المكون الطازج، فهو يعتمد في محلاته على وصفات تقليدية تعتمد على البيض والدقيق والزبدة والسكر، لكن طريقة التحضير تلعب دورا مهمّا في إنجاح الوصفة، فيجب دائما التأني في مزج الخليط، فلا يجوز خلط الدقيق بسرعة مع باقي المواد حتى لا يتسبب ذلك في خلق فقاقيع هواء، على عكس طريقة خلط كريما التزيين أو ما يعرف بالـ« I cing» فيجب هنا خلطها بسرعة فائقة لتكون هشة وناعمة وخفيفة، ومدة الخبز عادة ما تكون في حدود العشرين دقيقة، ولكن يجب دائما تفحص الكيك في الفرن أكثر من مرة، فحرارة الفرن تختلف من نوع إلى آخر. يملك طارق الشركة بنفسه من دون أي شريك ويعمل لديه حاليا حوالي 50 موظفا من مختلف الجنسيات، وهو بصدد درس مشاريع مستقبلية خارج بريطانيا، وهناك إقبال خليجي كبير على شراء حقوق الشركة ونشر ثقافة «هامينغبورد» في دول خليجية، ويقول معلوف إن هناك نسبة عالية من الزبائن الخليجيين الذين يأتون إلى محلاته خلال موسم الصيف، ويضيف أن العرب بشكل خاص يتمتعون بمستوى عال من الذوق في الأكل، لذا يختارون الأفضل.

وعن ثقافة «الكاب كيك» يقول معلوف، إنها آخذة في الانتشار أكثر فأكثر، لذا نلاحظ أن هذا النوع من الحلوى أصبح أساسيا في بعض المجتمعات، بما فيها بلاد الطعام إيطاليا، التي تبنت هذا النوع من الصناعة لأسباب عديدة بعضها اقتصادية، كما أنها صناعة تفتح المجال للابتكار والتفنن، فـ«الكاب كيك» اقتحم أهم الموائد الرسمية، لا بل احتل محل قالب الحلوى المتعارف عليه في الأفراح، وأصبح العرسان يطلبون «الكاب كيك» للفرح، لذا يكون موسم الأفراح في الصيف من أكثر المواسم إقبالا.

وقال معلوف إنه يتطلع إلى تاريخ 12 من مارس (آذار) المقبل، موعد إطلاق كتابه الجديد الذي يضم 62 وصفة لـ«الكاب كيك»، ساهمت في تحضيرها إحدى الطهاة البريطانيات في مطبخه، وبحسب الناشر، فإن هذا الكتاب سيتصدر نسبة مبيعات كتب الطبخ المتوفرة حاليا، فمنذ الإعلان عن الكتاب على موقع «أمازون» الإلكتروني، ولم يتوقف الموقع عن تلقي الحجوزات للكتاب، وهذه علامة جيدة تدل على نجاح اسم «هامينغبورد»، وسيكون الكتاب متوفرا على موقع «أمازون» وفي مكتبات كبرى مثل «ووترستون» وداخل مجمعات تجارية مثل «جون لويس» وغيرها من المتاجر الكبرى الأخرى.

الوصفات التي يتضمنها الكتاب كلها تقليدية، مثل وصفة الجزر ووصفة الشيكولاته والفانيليا، وبعضها خاصة بمحلات «هامينغبورد» وتباع فيها، وبعضها ابتكر خصيصا للكتاب وليست متوفرة في أي مكان آخر. من الناحية الاقتصادية لم تتأثر محلات «هامينغبورد» بالأزمة الحالية، لا بل ارتفعت نسبة المبيعات منذ ستة أشهر، وقد يكون السبب هو توجه الزبائن إلى المأكولات الرخيصة نسبيا، وهذا هو الحال في الفترة الراهنة مع محلات بيع المأكولات السريعة مثل «ماكدونالد» و«كي إف سي»، فهذا النوع من الأكل يستقطب كل شرائح المجتمع بما فيها رجال الأعمال.

وعن موضوع الحساسية في الطعام مثل الغلوتين والفستق، يقول طارق إنه قام بتجربة متواضعة، ولكن لم تكن نتائجها مرضية، فقام بتحضير وصفات خاصة خالية من الغلوتين، «لكن النتيجة لم تكن جيدة، فكان فقدان عنصر الغلوتين من الوصفة من شأنه التأثير سلبا على النكهة، لذا قررنا الاستغناء عن الفكرة، أما بالنسبة للذين يعانون من مرض السكري، فنحن نقوم بتلبية طلبات خاصة يتم حجزها مسبقا، وبالنسبة لهؤلاء الذين يعانون من حساسية الفستق، فتوجد عدة وصفات خالية من الفستق، إنما لا يمكن ضمان عدم وجود أي أثر لها، لأنه يتم استعمال المعدات نفسها في المطبخ». وعن الفرق ما بين «المافين» و«الكاب كيك» يقول طارق إن هناك فرقا في المكونات بالطبع، كما أن حجم «الكاب كيك» أصغر وتغلفه طبقة من السكر أو الــ« Icing». للمزيد من المعلومات يمكنكم زيارة الموقع التالي: www.hummingbirdbakery.com