المفتَّقة.. حلوى «صبر أيوب»

الطبق البيروتي التقليدي الصعب

TT

ما من «بيروتي» إلا تزخر ذاكرته بروايات عن التقاليد التي كانت تطبع أيامه في الماضي الجميل، ولا يغيب عن هذه الذكريات طبق «المفتقة»، وهو من الحلويات اللبنانية التي يتميز بها أهل بيروت عن سكان المدن الأخرى، التي تشتهر بصنع الحلوى كطرابلس وصيدا. فقد اعتاد أهل العاصمة اللبنانية إعداد طبق المفتقة خلال الاحتفال بـ«أربعاء أيوب» من آخر أسبوع من أبريل (نيسان) كل عام. ومع أن هذه الاحتفالات قد توقفت منذ الستينات، فإن البعض ما زال يواظب على إحيائها كتقليد جميل.

سر «المفتقة» ذات اللون الأصفر الداكن، يكمن في أن التكنولوجيا لم تدخل طريقة إعدادها، لذا استمرت الطقوس الاجتماعية التي وضعتها في خانة الحلويات التي تحتاج إلى «مغامرة» لإعدادها، إذ على عكس المقولة السائدة «عندما يكثر عدد الطباخين تحترق الطبخة»، فإن هذا النوع من الحلويات لا يقدم إلا باجتماع من تيسّر من شباب الحي والجيران للمساعدة في عملية التحريك، التي لا بد أن تشرف عليها إحدى كبيرات السن اللواتي احترفن صنعها، ذلك أن طهيها يستوجب التحريك الدائم، لذا يتناوب أفراد العائلة على هذه المهمة. وأحيانا تتم الاستعانة بالجيران الذين يواظبون على تحريك الخليط على النار حتى «يفقس السارج» الذي ينشأ عن فقاقيع صفراء تظهر على سطح الوعاء عندما تنضج الطبخة. الإعداد يستغرق وقتا طويلا، يتراوح بين خمس وست ساعات. هذه الخصوصية أسهمت في ندرة الإقبال على إعدادها من جهة، وباعتبارها مناسبة لجمع شمل العائلة من جهة ثانية.

وفي العودة إلى ارتباط «المفتقة» بما يسمى «أربعاء أيوب» الذي يشكّل محطة سنوية لجلسة «المفتقة»، فإن الغاية من هذه المناسبة هو تحمُّل العناء الذي تتطلبه صناعة هذا الطبق. والذي يرمز إلى صبر النبي أيوب سنوات طويلة على معاناته جراء المرض. طقوس هذه الاحتفالات كانت تقام على شاطئ البحر في بيروت، وتحديدا في منطقة الأوزاعي البعيدة عن السكن، قبل تحولها إلى حزام بؤس في ضاحية العاصمة اللبنانية. آنذاك كان البيروتيون ينصبون الخيام ويمضون يومهم في ظلها احتفالا بشفاء النبي أيوب الذي يحكى أن حكماء ذلك الزمن نصحوه بطمر نفسه في الرمال. أما الأطفال الصغار فكانوا يحتفلون على طريقتهم الخاصة بشفاء أيوب، حين كانوا يرافقون أهلهم إلى الشاطئ فيلجأون إلى صنع طائرات من ورق ويلهون بها على الرمال.

كما في الفرح، كان لـ«المفتقة» في الحزن موقعها في مناسبة الوفاة، فهي التي يتكون منها «رغيف الله يرحمو»، ذلك الخبز الصغير الحجم الذي يملؤه أهل الفقيد بكمية من حلو المفتقة لتوزع عن روحه على الفقراء والمساكين الذين لم يكن بإمكانهم الحصول عليه في الأيام العادية، على اعتبار أنه كان يعتبر طبق الأغنياء.

وفي حين بدأت احتفالات «المفتقة» بالانحسار شيئا فشيئا في المجتمعات البيروتية من عشرات السنين، فإننا في ما ندر، نجد أن اللبنانيين لم يستغنوا عن متعة التلذذ بهذا الطبق الذي لم يعد صنعه محصورا في وقت أو مناسبة محددة، كما أن «المفتقة» لم تعد محصورة في أبناء بيروت، ولم يعد تناولها مرهونا بيوم «أربعاء أيوب» بعد أن أصبح العديد من أهل المناطق اللبنانية يزينون بها موائدهم واحتفالاتهم، كما أنها أصبحت تعد في مناسبات عدة. وقد أصبح هذا الطبق كغيره من الحلويات العربية تعمل سيدات المنازل على صنعه في بيوتهن أو شرائه جاهزا من محلات الحلويات حيث يباع في الصحون التي يتراوح حجمها بين الصغير والكبير. وعلى رغم المعاناة التي يستوجبها إعدادها فإنها تعتبر من الحلويات الشعبية، فبقي سعرها في متناول الجميع، الأمر الذي ساعد في رواجها، لا سيما أن اللبنانيين يقبلون عليها أيا كانت أعمارهم، بعدما ذاع صيتها في مختلف المناطق ولم تعد تقتصر على جمهورها البيروتي.

وميزة جمع الشمل يعكسها هذا الطبق بامتياز، فإذا اتخذت إحدى النساء قرار تحمّل «صبر المفتقة»، فذلك يعني أن عليها أن لا تبخل على الأقارب والجيران بما تيسر من «الصحون» التي يتولى مهمة توزيعها على البيوت أحد الأبناء، وليس غريبا أن يفتح قرار طهيها «باب الصراع» بين الأبناء والأهل، وتحديدا إذا كانوا كبارا في السن ولا يملكون الإرادة لمقاومة التهامها. فيضطر الأبناء حينها إلى ردع ذويهم ومنعهم من تناولها نظرا إلى احتوائها على الكثير من الوحدات الحرارية وتسببها بعسر الهضم ومشكلات في الضغط، ما يحظر على الذين يعانون داء السكري تناولها، إلا أنها في الوقت عينه، توصف دواء مهما لمن يريد زيادة وزنه.

المفتقة:

* (الكمية تكفي لنحو 25 شخصا)

* المقادير:

- كيلوغرام أرز مصري.

- كيلوغرام طحينة.

- كيلوغراما سكر.

- كوب من الصنوبر.

- نصف كوب من العقدة الصفراء (كركم).

- نصف ملعقة قرفة ناعمة.

- عشرة أكواب من الماء لغلي الأرز.

* - الطريقة:

* بعد غسل الأرز ونقعه في الماء، يصفى ويوضع في طنجرة مع العقدة الصفراء والماء، ويترك المزيج على نار هادئة لمدة ساعة تقريبا حتى ينضج الأرز، بعد ذلك تضاف الطحينة والسكر والقرفة، ثم يحرك الخليط بملعقة خشبية خاصة يفترض أن لا تلتصق بالطنجرة، إلى أن يصبح المزيج كتلة متجانسة، وعندما يبدأ المزيج في الغليان يظهر على سطحه ما يسمى بـ«السيرج». هنا تبدأ عملية التحريك التي تستغرق خمس ساعات تقريبا، ليصبح المزيج متماسكا ولزجا. بعد ذلك يضاف الصنوبر النيئ إليه، أو يسكب في صحون، ويزين كل صحن بالصنوبر ليقدَّم باردا.