جيريمي فوكس.. طاهي أفضل الأطباق النباتية

آكل اللحوم أفضل من يصنع الأطعمة النباتية

طاه من محبي اللحوم يتقن التفنن بالاطباق النباتية
TT

نابا، كاليفورنيا، هو مواطن من كليفلاند، يقول إنه كان «أسوأ طاه في المطبخ» عندما بدأ مشواره المهني. وبعد عدة أعوام، في مطعم بالقرب من سان فرانسيسكو، أصبح مولعا بأطباق اللحوم، لدرجة أنه وضع قائمة للتذوق، مكونة من 14 نوعا من الطعام، احتفالا باللحم.

وحاليا في مطعم في كاليفورنيا، يضم معه في المكان صالة لممارسة اليوغا، ويحمل اسما بلغة الزولو، يقدم جيرمي فوكس قائمة أطعمة لا تحتوي على اللحم، تجذب اهتمام أشهر الأسماء في عالم الأطعمة، وتغير من نظرة زبائنه إلى لخضراوات.

أليس القرنبيط مثل «بيتي القبيحة» Ugly Betty بين منتجات الحدائق؟. في مطعم «أوبونتو»، أظهر فوكس الجمال الداخلي الذي يتميز به هذا النبات في طبق مكون من طبقات القرنبيط المشوي والمهروس في أوان معدنية فردية، يستمد مذاقه المغري من فادوفان، المزيج الإيطالي المتبل. وحتى إذا كنت تفكر في أنك لا تحب القرنبيط، فإن هذه الوصفة ستجعلك تغير رأيك.

يقول جان جورجز فونغريتشين، الذي تناول وجبة الغداء في «أوبونتو» في شهر يونيو (حزيران) الماضي، ويتذكر الوجبة كأنها أمامه في هذه اللحظة: «يا إلهي!، لقد كان أهم طبق في الوجبة». وذهل الطاهي الفرنسي، الذي يعد المطعم الذي يحمل اسمه في نيويورك واحدا من عدد قليل من المطاعم ذات النجوم الأربعة، أيضا من الطريقة التي قدم بها فوكس الفراولة، بدلا من الطماطم كمرق لبيتزا المارغريتا، و«حبات البسلة الصغيرة التي لم أرها من قبل طوال حياتي» في الحساء المكسو بمكسرات الماكاديما والشوكولاته بالنعناع. وأثنى فونغريتشين على الطعام قائلا «إنه الربيع في طبق طعام».

ويضيف الجزر المهروس، الذي يصنعه فوكس، مفعول السحر في طبق المعكرونة والجبنة متعدد الألوان، بينما يجفف لب البنجر، ويمزج بالفستق. وفي بداية الشهر الحالي، تم إعداد البصل الأخضر الكبير على الطريقة الكاتالونية، حيث يقطع على النار ويلف في ورق جرائد ليمتص البخار، ثم تنزع قشرته ويغمس في مرق روميسكو.

يقول فوكس (البالغ من العمر 32 عام): «أحب أن أثير الإعجاب تجاه الخضراوات اليومية». وما يميز «أوبونتو» عن العديد من المطاعم الأخرى الخالية من اللحوم هو الأطباق التي تعبر عن الخيال والمهارة، اعتمادا على مكونات خالية من العيوب. ولا تبدو أطباقه وكأنها ثانوية أو تالية لأطباق رئيسية، ولكنها وجبات ذات تركيبة كاملة. وآخر شيء يمكن أن تتوقع وجوده في هذا المكان هو السجق، ولكن يصنع فوكس صورة طبق الأصل منه، مكونة من أرز إيطالي أسود وتفاح وفجل وبصل وبهارات حلوة.

وفي دراسة نشرت العام الماضي، ذكرت مجلة «فيجيتيريان تايمز» أن 3.2 في المائة من البالغين في الولايات المتحدة قالوا إنهم اتبعوا حمية نباتية، وقال 10 في المائة إنهم التزموا بخطة غذائية «تميل إلى النباتية». وينتمي مطعم «أوبونتو» إلى فئة نادرة من المطاعم التي ترضي هذا النوع من السكان، بالإضافة إلى هؤلاء الذين لا يكرهون اللحم أيضا.

وبإلقاء نظرة على الموضع الذي يحفظ فيه الطاهي الأطعمة، يجب عليك أن تذهب إلى مكان على بعد ستة أميال من المطعم، حيث تجد مصدر الإلهام عبارة عن حديقة مساحتها فدان واحد تطل على جورج ماونت. ومع بيت زجاجي صغير، تقدم هذه الحديقة ما يقارب نصف ما يحتاج إليه مطعم «أوبوتو» من أجل قائمته من الأطعمة في الشهور الباردة، وحوالي 75 في المائة في أشهر الصيف. ويقول الطاهي إن هناك خطة تستدعي مضاعفة مساحة الحديقة في الصيف المقبل، في خطوة «من الممكن أن تجعلنا نقترب من زراعة كل شيء». وعندما زرت المكان في الخريف الماضي، كان مزدهرا، وكانت هناك رعاية واهتمام بمجموعة من الخضراوات ذات اللون الأحمر، وأنواع من الجرجير ذات اللون البرتقالي البراق. وكان هناك ما لا يقل عن 10 أنواع من الفجل.

وعندما يقول فوكس عن شيء ما إنه طازج، فهو صادق في ذلك؛ فما يجنيه من الحديقة في الصباح الباكر يذهب إلى المطعم بعد الظهيرة. ولا تمر رفاهية وجود حديقة توفر للمطعم معظم مكونات الطهي، دون مواجهة بعض التحديات. يقول فوكس، الذي يزور هذه الحديقة مرة في الأسبوع، إنها «تجبرني على أن أكون أكثر مرونة»، فمثلا قد لا يظهر البنجر الأحمر الطويل في وقت الحاجة إليه. وتنعكس استراتيجية الطاهي على قائمة أطعمته، فهي مختصرة ومكونة من حوالي عشرة أطباق. ولكن يعني حصر التركيز على الخضراوات فقط أن فوكس يحتاج إلى وقت للتعامل معها، لملاحظتها في مختلف مراحل النمو، ورؤية كيف يمكن استخدامها بطرق غير تقليدية، ولكن لذيذة المذاق. ويشير فوكس إلى أنه عندما يكون الجزر في مراحل نموه الأولى، يكون في حجم مسمار تثبيت الورق، ويكون مذاقه مثل الحلوى. وقبل النضج، قد يقطع فوكس رؤوس الجزر الخضراء التي لم تصبح مُرة المذاق بعد، ثم يضع الجزر في مرق بيستو. ويقول «نحاول أن نستخدم كل شيء». وتستخدم هذه الرؤوس المقطوعة بترتيبها حول السلطانية، لتفصل بينها وبين الأطباق، لمنع الأطباق من الانزلاق، وتوفير أوراق الكتان.

وتبدو قاعة تناول الطعام في «أوبونتو»، (وهي كلمة معناها «الإنسانية مع الآخرين» في لغة الزولو)، صديقة للبيئة مثل الحديقة. ويتكون معظم تصميمها من قطع أعيد استخدامها، أو إنقاذها، وتغطَى الأرضية بما كان يستخدم في الماضي كأقفاص شحن، وجاءت معظم المقاعد والطاولات من مواقع تصوير الأفلام. وتمتد الطاولة الجماعية الطويلة تقريبا بطول قاعة تناول الطعام ذات الحوائط الحجرية. إنها جزء من شجرة ذات خشب أحمر سقطت، وأعاد تصميمها مُناصر لحماية البيئة من سكان الولاية. ويكتمل التصميم الداخلي بأربعة تماثيل من الخزف، تبدو مثل الأشباح، موضوعة جنبا إلى جنب. ويقف واحد من تلك التماثيل على رأسه في وضع مميز لليوغا. ومن المناسب أنه يطلق على هذه المجموعة اسم «المنظور البديل».

أما بالنسبة لصالة اليوغا، فهي موجودة خلف الزجاج المدخن في الطابق الثاني من «أوبونتو». وعلى الرغم من أن وجودها في البداية كان يسبب قلقا لفوكس، إلا أنه يعتقد أن المشروعين جاران جيدان. ومن المعتاد أن ترى طلاب اليوغا يدخلون إلى «أوبونتو» حاملين سجاد التدريب، ولكن يقول فوكس «إنهم لا يزعجون رواد المطعم».

وبالمناسبة، لا تُطلق على مطعمه صفة «نباتي». وتشرح مالكة «أوبونتو»، ساندي لورانس، أنها تفضل أن يكون التركيز على «الاحتفال بالحديقة»، بدلا من التركيز على حقيقة أن المطعم لا يقدم اللحوم. ويعتقد فوكس أن ما يفعله «نوعا آخر من أسلوب الطهي، مثل الصيني أو الفرنسي».

وإذا بدا كل ذلك متكلفا، أو يحمل طابع كاليفورنيا، هناك بعض الأشياء التي يجب أن تعرفها عن فوكس وفلسفته. لقد أوضح عندما بدأ في العمل في «أوبونتو» منذ عامين، أن مطعمه لن يستخدم التوفو أو سيتان، أو سيمتنع عن استخدام الزبد والقشدة. وهو يعرف جيدا أن موقعه في كاليفورنيا، بلد الخمور، حيث تشهد جميع المواسم إقبالا، سيجعل من الأسهل استمرار المكان عن أي مكان آخر في البلاد. يقول «لا يمكنني أن أتخيل وجود مكان مثل هذا في مينيسوتا».

وهناك أيضا شيء آخر.. ما زال فوكس يحب تناول اللحوم. وعلى الرغم من أنه تخلى عن ولعه الشديد بلحم الخنزير، إلا أنه يميل إلى طلب شريحة من اللحم البقري إذا تناول عشاءه بعيدا عن المنزل. ويقول فوكس «نحاول ألا نكون شديدي الجدية»، ولهذا السبب يحب تقديم الخبز المسطح في مطعمه. وهو يحب أن يرى الناس وهي «تقطع الخبز وتمسك به». بصورة أخرى، يشجع فوكس على تناول الطعام باليد. وبالنظر إلى شخصيته، تجده هادئا وخجولا بعض الشيء، ولكن عندما تراه يصنع أي شيء حتى السلطة، وهو يضع زهيرات البروكولي بالملقاط الصغير، ستجد أمامك فنيا ماهرا يمارس عمله.

وعلى الرغم من طبيعته المتحفظة، تحلى فوكس بروح مبادرة جعلته يشارك في مهرجان «ساوث بيتش للأطعمة والمشروبات» في ميامي، الذي حضره المشاهير في الأسبوع الماضي، واستمر لمدة أربعة أيام، أقيمت فيها مسابقة لصنع الهامبرغر، شارك فيها بعض من أشهر الطهاة في البلاد. وقيل له إن مشاركته، بالبرغر النباتي المصنوع من السجق المزيف والمقدم مع الكرنب المخلل، قد تجعله يفوز بجائزة الجمهور، ولكن ليس جائزة الرعاة. ويقع مطعم «أوبونتو» بعيدا عن نشأة فوكس في أوهايو، حيث يقول إنه نشأ على تناول «برغر كينغ»، ووجبات سريعة. وكان أمامه فصلان ليتخرج في جامعة جونسون أند ويلز في تشالستون في كارولينا الجنوبية عام 1998، ولكنه كان يعمل بالفعل في مطعم «أنسون» كأحد الطهاة، حيث كان «يلقى الكثير من التعنيف»، ولكن أيضا «تفتحت عيناه على ماهية المكونات الجيدة لأول مرة». ومن هناك، انتقل إلى العمل في مطاعم في أتلانتا وبلجيكا وسان فرانسيسكو ولوس غاتوس في كاليفورنيا، حيث عمل في «مانريسا» الشهير تحت رئاسة كبير الطهاة ديفيد كينش، الذي يقول فوكس إنه أكبر مصدر إلهام له. ويتذكر فوكس «لم يكن راضيا أبدا» بما توصل إلى معرفته بالفعل، «وحتى في الأربعينات من عمره» كان كينش شغوفا بالتعلم والتطوير. وعلى الرغم من أن فوكس كانت لديه خبرة ستة أعوام في التخصص، إلا أنه انضم إلى العمل في «مانريسا» كطاهٍ عادي عام 2003، ليصل إلى منصب كبير الطهاة بعد ذلك بعامين.

ويقول فوكس إنه لا يفتقد طهو اللحوم، على الرغم من أنه يتمنى في بعض الأحيان أن يستطيع إضافة مذاق الأنشوجة إلى طعامه. ويقول فوكس «أحب باغنا كودا»، المرق الإيطالي الساخن. وقد توصل إلى كيفية تقليد كثافة اللحم المهروس بمزج الميسو بالليمون والثوم.

وقد عثرت لورنس على فوكس عبر شركة بحث. وتقول «إنه يركز على كل طبق على حدة». وقد ساعده أن زوجته دياني تصنع الحلوى على سبيل التجربة. وأصبحت كبيرة طهاة الحلوى في «أوبونتو»، حيث تلجأ إلى خلية النحل في الحديقة من أجل التحلية. ومثل فوكس، تحب لورنس تناول اللحوم، على الرغم من أن أبنائها متزوجون من نباتيات، وأنها معلمة يوغا تستقبل حلقات دراسية تؤكد فيها على أهمية التخلص من سموم اللحوم في الوجبات، إلا أنها وجدت صعوبة في العثور على مطعم يلبي اختيارات الجميع. وقد حل «أوبونتو» لها هذه المشكلة.

ولم يمر وقت طويل بعد افتتاح «أوبونتو» منذ عامين، حيث توالى الإطراء وتوالت الجوائز. وفي العام الماضي، نصبت مجلة «فوود أند واين» فوكس واحدا من أفضل الطهاة الجدد في أميركا. واختارته «سان فرانسيسكو كرونيكل»، التي منحت المطعم ثلاثة نجمات بعد أقل من ثلاثة أشهر على افتتاحه، ليكون «نجما صاعدا». واعتبر أن «أوبونتو» أكثر المناطق الخالية من اللحوم إثارة للفضول في البلاد.

وقد أصبح المطعم الذي يحتوي على 85 مقعدا مكانا أنيقا معقول التكلفة على نحو مفاجئ. ويصل متوسط فاتورة العشاء إلى 45 دولارا، أما بالنسبة إلى رواده، فيقول فوكس إن غالبية عملائه من آكلي اللحوم. وهو يعرف ذلك، لأنهم يقتربون منه بعد تناول الطعام الذي يطهوه، أحيانا، ليعترفوا له. وقد أخبره بعض المتشككين أنهم سعدوا بوجود مطعم يقدم شرائح اللحم بجوار «أوبونتو»، في حالة لم يعجبهم طعامه. ولكنه كان دائما يشعر بالراحة لسماعه يقولون بعد ذلك «ولكننا لا نحتاج إلى اللحم».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ («الشرق الأوسط»)