ميشال رو.. طاهٍ مخضرم وقصة نجاح بدأت ولم تنتهِ

ملحمة في تاريخ الطهي وثورة في المطبخ البريطاني

من اليمين الى اليسار البير رو ميشال رو وميشال رو والصغير وألين رو أثناء جلسة تحكيم إحدى مسابقات الطهي التي تنظمها مؤسسة رو لتعليم الطهي (أ. ب)
TT

* «رب صدفة خير من ألف ميعاد»، هذا المثال ينطبق على لقاء «الشرق الأوسط» بالطاهي الفرنسي المخضرم ميشال رو الذي التقيناه خلال فعاليات «نكهة لندن» أو Taste of London التي شهدتها العاصمة البريطانية الأسبوع الماضي وكانت أشبه بعرس لمذاقات مختلف المطابخ العالمية وفرصة للقاء أشهر الأسماء في عالم الطهي وتذوق ألذ أطباق أهم وأغلى مطاعم لندن، ولكن ما لم يخطر على البال هو لقاء الطاهي ميشال رو في جناح الخطوط الجوية البريطانية وهو يرتدي زي المطبخ الأبيض كُتب عليه اسمه مع شعار شركة الطيران، وكان يتحدث إلى الزوار ويلتقط الصور معهم ويشرح لهم عن أطباقهم، فلهذا الطاهي باع طويل في عالم وتاريخ المطبخ في بريطانيا، وهو من أحدث ثورة حقيقية في لندن عندما انتقل للعيش فيها برفقه أخيه الأكبر ألبير وكانا أول من حصل على نجوم ميشلين للتميز وافتتحا ما كان ولا يزال عنوان الأكل الحقيقي بالنسبة إلى الذواقة.

على الرغم من انشغال رو بالحديث مع الزوار والمهتمين بمأكولاته فإنه لم يبخل علينا بحديث خاص لصحيفة «الشرق الأوسط»، فأخذنا ركنا في إحدى زوايا الجناح وأخذنا رو إلى بداياته وتاريخه وعائلته، وكلمنا بكل صراحة عن رأيه في الطهاة العالميين الشباب وعن ابنه الطاهي ألبير وابن أخيه الطاهي ميشال الصغير، وعن هواياته وعلاقة العمل التي تربطه مع الخطوط البريطانية وانتقاله للعيش في سويسرا بشكل شبه دائم.

ميشال رو وُلد في مدينة شارول الفرنسية في التاسع عشر من أبريل (نيسان) عام 1941، وكانت مهنة الطهي تجري في عروقه، وكان يتسلل إلى المطبخ وهو سن الثامنة ليراقب أمه وهي تقوم بتحضير الأطباق الفرنسية التقليدية، وكان يساعدها في المطبخ ولم يُخفِ شغفه لممارسة هذه المهنة، وبدأ عمله الفعلي في سن الـ14، ولم يكن الفرد الوحيد في العائلة الذي يعشق مهنة الطهي إنما كان أخوه الأكبر ألبير يشاطره نفس التوجه، فأسس معه أولا محلا لبيع المنتجات الموسمية واللحوم في فرنسا، وفي تلك السن المبكرة بدأ يظهر إبداع ميشال رو في تحضير المعجنات والحلويات، وبعد انتهاء الحرب انتقل رو إلى باريس للعمل إلى جانب أخيه كطاهٍ محترف، وكان ميشال رو أشبه بظل أخيه الأكبر، فبعد انتقال ألبير إلى لندن للعمل فيها لحقه ميشال في عام 1967 وافتتحا أول مطعم لهما سمّياه «لو غافروش» ليصبح بعدها المطعم الأول في بريطانيا الذي يحصل على 3 نجوم ميشلين للتميز، وفي عام 1972 افتتحا مطعما آخر في مدينة براي في مقاطعة باركشير البريطانية، بمحاذاة نهر التيمز أطلقا عليه اسم «ووتر سايد إن»، ولا يزال المطعمان من بين أكثر المطاعم في لندن وبريطانيا شهرة و«لو غافروش» هو المطعم الوحيد الذي حافظ على نجومه الثلاث لمدة 19 عاما على التوالي دون خسارة أي منها.

وبعيدا عن العمل في مطابخ المطاعم، يعمل رو حاليا مع «بريتش إيروايز» على ابتكار أطباق الدرجتين الأولى ودرجة رجال الأعمال، وعن هذا المشروع يقول رو إن العمل على أطباق مخصصة للتقديم على متن الرحلات الجوية يختلف تماما عن العمل في المطبخ العادي، لكنه يعشق هذا العمل لأنه يعشق التحدي، فتحضير أطباق تتناسب مع درجات الحرارة داخل المقصورات وتتماشى مع جميع قوانين سلامة الغذاء في الأجواء هو بمثابة تحدٍّ حقيقي، فليس من السهل تحضير أطباق تتمتع بمذاق كامل دون استعمال الملح على سبيل المثال، فالمأكولات على متن الطائرات تكون شبه خالية من الملح لأن الجسم من شأنه المعاناة من مشكلة الجفاف، فكان من الضروري استبدال مواد أخرى بالملح، تمنح الأكل النكهة الجيدة دون إحداث أي ضرر للمسافر. ويقوم بتصميم لائحة الطعام بحسب المواسم ويحرص على استخدام المكونات في موسمها الأصلي وغالبها من بريطانيا ومن اسكتلندا، ويحب العمل الجماعي ومشاركة الطهاة من مختلف الجنسيات في ابتكار الأطباق، فيعمل معه على تحضير أطباق الخطوط البريطانية طهاة من كل من أيرلندا وجنوب إفريقيا يقدم كل منهم أفكاره وخبرته، ويضيف رو: «الإنسان يتعلم شيئا جديدا في كل يوم من حياته مهما كان تاريخه طويلا في المهنة».

يتميز رو بشخصية دافئة جدا، فهو يتحدث الإنجليزية بطلاقة إلا أن كلماته مطعَّمة باللهجة الفرنسية على الرغم من السنوات الطويلة التي عاشها في بريطانيا، يفضّل الوصفات البسيطة البعيدة عن التعقيد ولا يحبذ مبدأ تحضير الطعام الذي يستغرق ساعات طويلة، وطبقه المفضل هو الدجاج في الفرن مع الخضراوات المشوية شرط أن تكون الدجاجة عضوية وكانت تتمتع بحرية التنقل في الحقل Free Range، فهو ضد استعمال الدجاج الذي يربى في المزارع التي لا توفر المساحة اللازمة للحيوان للمشي بحرية، وشدد رو على شراء الدجاج الكامل غير المقطع مسبقا، كما شدد على أهمية طهي كل نوع من اللحوم بطريقة تتناسب مع صنفه، فلا يجب طهي جميع الأسماك بنفس الطريقة، لأن هناك أسماكا مدهنة وأخرى جافة، فهنا تختلف طريقة الطهي ما بين طريقة الشواء أو السلق أو الطهي بواسطة البخار.

يقوم رو بالطهي في المنزل، ويتنقل ما بين لندن وسويسرا ويعشق السفر، وفي كل مرة يزور بها بلادا جديدة يحرص على تعلم تقنية جديدة ويختبر ذوقه من خلال مكونات كل طبق.

يعشق العمل إلى جانب ابنه ألين في مطعم «ووتر سايد إن» ويقول إن مهنة الطهي تجري في عروق أغلب أفراد عائلة رو، فابن أخيه ميشال الصغير يتولى حاليا إدارة مطعم «لو غافروش» واستطاع أن يصنع لنفسه اسما عالميا، ولم ينسَقْ وراء نجومية المهنة، ملمحا إلى نجوم المطبخ غوردن رامسي وجيمي أوليفر، وعلّق رو على أنه ضد الألفاظ النابية في المطبخ، فمهنة الطهي أشبه بالفن، لا يجوز أن يكون الفنان عصبيا في أثناء تأديته عمله، لذا لا يجوز أن يتحول الطاهي إلى دكتاتور في المطبخ، ولا يرى رو داعيا للصراخ واستخدام الألفاظ السيئة، ولو أن هذا النوع قد يساعد على انتشار اسم الطاهي ويساعد على نجاح برامج الطهي التلفزيونية، وتابع رو: «يجب التنبه إلى مسألة أعمار المشاهدين، فهناك أطفال يحبون مهنة الطهي ويتابعون برامج الطهي التلفزيونية، واستخدام هذا النوع من الألفاظ قد يؤثر عليهم سلبا».

وعن سر النجاح في هذه المهنة يقول رو إن السر يكمن في الأسلوب الشخصي، فالأسلوب لا تستطيع تعلمه أو تعليمه، إنما الشيء الوحيد الذي تتعلمه هو التقنية، والأهم هو أن يبتعد الشخص مهما كان مجاله المهني عن التصنع والتقليد والتظاهر كأنه شخص آخر.

ويقول رو إن ثورة حقيقية حدثت في عالم الطهي وطريقة الأكل في العالم، وبريطانيا تحديدا، والتغيير حصل في المكونات المستعملة والأطباق التي فقدت الكثير من حجمها، كما أن هناك من يعتقد أن المأكولات المعقدة والصلصات الدسمة التي تضم الكثير من المكونات هي المفتاح لخلق النكهة، إنما في الواقع فهي خطوة ناقصة، إذ يجب احترام المكون من خلال معاملته بالطريقة التي تليق به، ففي مهنة الطهي لا يُسمح باستعمال الطرق المختصرة، بل يجب التعامل مع الأكل بكل حب وعناية، مضيفا: «تماما مثلما كانت تفعل أمي».

وبالحديث عن مطبخ الانصهار Fusion Cuisine اكتفى رو بالقول: « البساطة ثم البساطة».

ويقوم رو أيضا بتحكيم عدد من مسابقات الطهي حول العالم بما في ذلك سنغافورة وباقي الدول الآسيوية، ويعشق تناول المأكولات العالمية ويحب أكل الأسماك ويتمتع بتناول الأطباق الإيطالية والهندية واللبنانية، وهو في أوقاته الخاصة يزاول هواية رياضة الغولف والصيد، فهو يحب صيد الطيور ويحرص كل عام على القيام بمشروع صيد مع رفاقه.

* مطعم «ووتر سايد إن» هو المطعم الوحيد في بريطانيا التابع للواء «روليه إيه شاتو» العالمية ويتميز بتقديم أجود أنواع الحلويات، وهذا التميز يبدو أنه يسري في عائلة رو، فتحضير الحلويات من أهم ما يقدمه ميشال رو، وهذا النوع من التمرس انتقل إلى ابنه ألين الذي أصبح عضوا في جمعية «روليه ديسير» العالمية، ومن أهم الطهاة المتخصصين في تقديم أطباق الحلوى في بريطانيا والعالم.

حاز ميشال رو على جائزة «العامل الأفضل» Le Meilleur Ouvrier الفرنسية في عام 1972، وحصل أيضا على وسام الإمبراطورية من الملكة إليزابيث الثانية، وحصل على جائزة المركز الدولي في نيويورك للتميز.

وفي استطلاع للرأي شارك فيه طهاة بريطانيا ونظمته مجلة «كايترير إند هوتيل كيبر ماغازين» المتخصصة، تم انتخاب ميشال رو وأخيه ألبير أكثر الطهاة تأثيرا في البلاد. وحاز الكتاب الذي أصدره ميشال رو تحت عنوان «بايستري سايفوري إند سويت» على جائزة الثناء الخاصة التي تقدمها جائزة أندريه سيمون لأفضل الكتب المتخصصة في مجال الأكل والشرب حول العالم.