هضاب توسكانا معقل أجود المطاعم في إيطاليا

طعام وغرام على الطريقة الإيطالية

TT

ماذا يفضل الايطاليون في زمن الأزمة الاقتصادية؟ أظهر الاستبيان في الشهر الماضي أن الصلات الغرامية تحتل الموقع الأول، ويليها الطعام الجيد وعلى رأسه المعكرونة (أو الباستا) بنسبة 47 في المائة من الأجوبة. والمكان المناسب لإرضاء هذه الملذات يقع في قلب إيطاليا ومهد النهضة الأوروبية، وهو إقليم توسكانا وعاصمته فلورنسا الشهيرة بمتاحفها وفنانيها الكبار، وأشهر شعرائها دانتي ونهرها الأكثر التصاقا بإيطاليا، وهو نهر ارنو، فأينما مشيت على ضفافه فستحس انك فعلا في بلاد الرومان، وكيفما أدرت النظر إلى الهضاب المحيطة به في تلال كيانتي فستكتشف مناظر الطبيعة الخلابة وأشجار السرو، التي رسمها ليوناردو دا فنشي ومايكل انجلو وبوتيشيلي في لوحاتهم الخالدة.

هضاب توسكانا والقرى المحيطة بفلورنسا تغمرها الشمس الساطعة في الربيع، وتتخللها الغيوم المتفرقة، التي تحمي التربة الخصبة والأشجار الحرجية الوارفة، وزراعة الكرمة وأشجار الزيتون؛ لتجعل منها قطعة فنية لا ينقصها سوى وجود الجمال الأخاذ الساحر، الذي نراه في الأفلام منذ ظهور صوفيا لورين حتى عصر مونيكا بيلوتشي، فهي البقعة المثالية لرحلات الطعام الجيد على الطريقة الهادئة البطيئة، حيث يتم اختيار أجود أصناف اللحوم والطيور والمواد الأولية والأعشاب العطرية، وتجنب الصلصات القوية واستخدام التوابل. لعل البعض يذكر فيلم «تحت شمس توسكانا»، الذي أنتجته هوليوود قبل ست سنوات عن الكاتبة فرانسيس مايس، التي قامت بدورها الممثلة الناجحة ديان لين، إذ يبدأ بحفلة طعام وينتهي بحب جديد في حياتها. إذا تناولت وجبة من المطبخ المحلي في أحد المطاعم المنتشرة بين الهضاب والتلال بين أشجار الكستناء والصنوبر والزيتون، فستقع في غرام المأكل الطبيعي البسيط الطازج، وستستمتع بنكهة لحوم العجل والبقر والطرائد. يتساءل ريتشارد رانغهام أستاذ الانثروبولوجيا الحيوية بجامعة هارفارد الأميركية: لماذا يختلف الإنسان عن القرود؟ ثم يجيب قائلا: لأنه يعرف كيف يطبخ. تمتلئ تلك التلال والقرى المنتشرة فيها بالسياح الذين يبتعدون عن المدن وفنادقها ويختارون سياحة المزارع والحقول (أغرو توريزم)، فهي أرحم على الجيوب وأكثر متعة، إن كنت من أنصار الطبيعة والعيش مثل الفلاحين في الريف الراقي النظيف. مطبخ توسكانا يؤكد براعة الإنسان في الطهي وابتكار الأطباق اللذيذة من المكونات البسيطة، ويقارن بفن الرسم في فلورنسا وسيينا، والطهاة من سيدة البيت إلى الشيف المختص بعد الدراسة الجامعية في فنون الطعام والحلويات يعتبرون أنفسهم من كبار الفنانين والذواقة، وعلى استعداد للتوقيع على الأطباق التي يبتكرونها، فالأمر في منتهى الجد؛ لأن البطون مفاتيح القلوب، فصانع السجق في قرية غريفه أشهر من نار على علم، رغم أسعاره الملتهبة، والسيدة التي تطبخ لزبائنها في مطعمها الريفي الصغير في كارمنيانو تناشد طائر الحسون وهي تحضر الأطباق المفضلة، وكأنهما ثنائي موسيقي ينشدان معا. اكتشفت عائلة مديتشي التي حكمت فلورنسا خمسة قرون جمال الطبيعة ولذة الخضراوات والفواكه والعنب والأجبان الطازجة في القرى المجاورة للمدينة، التي أطلقت عصر النهضة، لذا بنت العديد من الفيلات التاريخية للإقامة فيها في الربيع والصيف، وفي يومنا هذا تكاد اللغة الانجليزية تطغى على الايطالية في تلك القرى؛ لكثرة المواطنين الانجليز والاميركان، الذين اشتروا قطعة أرض أو بستانا، وأصبحوا يقلدون الطليان في عاداتهم الطعامية والشرابية.

قال فيديريكو فازولي، منتج الأفلام الوثائقية المعروف في التلفزيون الحكومي الايطالي، وابن المنطقة في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، إنه «حوّل الأرض التي ورثها عن عائلته إلى منتجع سياحي وترك عمله في التلفزيون، إن أكثر ما يهم زبائنه هو الحصول على طاه محلي يطبخ لهم أصناف الأكل الايطالي أثناء إجازتهم». ويضيف «مآكل توسكانا لها طعم خاص، إذا تم طهيها في المزرعة في نفس مكان إنتاجها، خاصة زيت الزيتون البكر فهو من أفضل أنواع الزيت في العالم». أما إذا كنت تفضل المطاعم الريفية فأنصحك ـ بعد التجربة الشخصية ـ بهذه اللائحة في البلدات والقرى التالية، وأعتقد أنك ستطيل إقامتك في توسكانا بعد زيارتك لها:

* فييسوليه Fiesole

* إذا أحب نجوم السينما العالمية زيارة فلورنسا والتخفي فيها بعيدا عن عيون المعجبين يمكنهم العشاء في مطعم «فيلا سان ميكيليه» في ضاحية فييسوليه الجبلية، التي تبعد 8 كيلومترات عن المدينة، ويختص المطعم بلحم الغنم المشوي مع الأعشاب العطرية كالريحان والصعتر والمريمية والأسماك مع الشمر. Gaiole in Chianti

* غايوليه إن كيانتي

* تجد على بعد 50 كيلومترا من فلورنسا مطعما راقيا يقدم وجباته في الحديقة تحت المظلات وهو «باديا كولتي بونو» حسب خيال الشيف في ذلك اليوم وتفننه أو ما يسمونه «فن السليقة»، ومن أشهر أطباقه الدجاج الحبشي أو الغرغر المهروس مع الكستناء والكريمة الحامضة. Greve in Chianti

* غريفه إن كيانتي

* يقع مطعم «تشرناكيه» في قلب المنطقة الريفية، لكنه يمتاز بالأناقة والذوق الجيد في مأكله ومفروشاته وروائح المطبخ القروي الزكية التي تنطلق منه، ومن أشهر حلوياته كعكة بجبنة الغورغونزولا ذات اللون العاجي والعروق الخضراء الزرقاء المجبولة بالأجاص (أو السفرجل) المخلوط بالسكر المغلي، حتى يغدو لونه اسمر ذهبيا (كراميل).

* كورتونا Cortona

* مطعم «تجمع صيادي الصقور ومدربي البزاة» تجد فيه أطباقا مميزة من طراز خاص مثل سمك الحبار، ويسمونه «كالاماري» (وفيه وسادة من سائل يشبه الحبر الأسود) المحشو بالفول الأخضر والطماطم الطازجة ونوع من القمح القاسي يسمى «فيرو»، كان الغذاء الأساسي لجيوش الرومان، أما الطبق الرئيسي، فهو لحم الغنم المهروس بشكل كرات (كفتة) مغطاة بالسمسم أو طير الطرغل المشوي على الفحم بعد غمسه في مزيج من زيت الزيتون والثوم والحبق أو الريحان. رأينا في فيلم «تحت شمس توسكانا» الفيلا المعروضة للبيع في كورتونا قرب هذا المطعم.

* كارمينيانو

* تناول وجبة الغداء في الشرفة الرائعة لمطعم «دلفينا» متعة لا تنسى، حيث ستستمتع بالمنظر الخلاب أمام ناظريك. San Casciano in Val di Pesa

* سان كاشيانو ان فال دي بيزا

* تبعد 18 كيلومترا عن فلورنسا، وفيها مطعم تقليدي للضيعة يسمى «قهوة الشعب»، تحس فيه بالود واللهفة المعهودة لدى القرويين وتتلذذ بالمعجنات المحلية مع الجبن الفاخر واللحم البقري بشتى أصنافه.

Vicchio di Mugello

* فيكيو دي موجيللو

* تبعد القرية 24 كيلومترا عن فلورنسا ويمتاز مطعمها المفضل «بيت الصيد» ( كازا دي كاتشيا) بأطباقه التقليدية مثل الحمام والأرنب المطبوخ مع الكمأة.

San Vincezo

* سان فينشنزو

* إذا لم تعجبك هذه المطاعم الصغيرة الريفية بسحرها الخاص، يمكنك أن تزور هذه البلدة الجميلة في غرب توسكانا، التي تبعد 60 كيلومترا عن ميناء ليفورنو، وتستمتع بأحد أشهر المطاعم في ايطاليا وهو «غامبيرو روسو»، وتدفع أربعة أو خمسة أضعاف ثمن الوجبات في المطاعم البسيطة، لكن لائحة الطعام هنا فريدة من نوعها وطهي الشيف فولفيو بييرانجيليني سيجعلك تحلق في السماء السابعة، فهو أحد أباطرة المطبخ الايطالي من دون نزاع، وأطباقه المميزة تحتوي على سلطة سمك السلطان إبراهيم (تريليا) والمعكرونة مع الحمص والأصداف البحرية ومعجنات الرافيولي (الوسائد المحشية بالسمك) مع صلصة فواكه البحر والطبق الاسطوري المسمى «الحمام المشوي على ثلاث طرق». هذا المطعم لا مثيل له في العالم، ويؤكد نظرية عشق الايطاليين للطعام اللذيذ، إنما عليك ألا تدقق كثيرا في الفاتورة بعد تناول وجبة رائعة.. انظر فقط إلى مجموع الحساب.