تمتع بالطهو في مطبخ القطار

تعرف إلى سر الطبخ في أماكن محدودة

TT

كانت شون مورفي تواجه أسوأ كابوس يمكن أن تتعرض له طاهية: حجرة طعام مكتظة بالضيوف ولا يوجد طعام تقدمه لهم. ولم تكن فكرة أن تهرع إلى السوق المجاور لشراء شيء واردة على الإطلاق، حيث كانت مورفي تطهو الطعام على متن قطار عالق بين لوس انجليس وشيكاغو.

وكانت مورفي الطاهية ذات الباع الطويل تعمل في مطبخ خاص بإحدى عربات السكة الحديد التي تأخرت نحو 12 ساعة بعدما خرج القطار السابق عليه عن مساره في آيوا. وكان من المقرر أن يصل الركاب إلى وجهتهم في وقت الغداء ولكن مورفي لم تكن تتركهم يذهبون وهم جائعون.

وتتذكر مورفي: «لقد فتحت البراد وقلت: حسنا، لدي عجينة اللفائف، وقطع من الدجاج، وسبانخ متبقية من وجبة السبانخ بالقشدة التي أعددتها ليلة أمس».

وبذلك نشأت وجبة «لفائف الدجاج» التي تعرف كذلك بوجبة «خصيصا للقطار الخارج عن مساره».

وقد عملت مورفي، 45 عاما، التي تخرجت في أكاديمية المطاعم بنيويورك في المطاعم الراقية وشركات إعداد المأكولات قبل أن تنتقل إلى كاليفورنيا وتعمل في السكة الحديد قبل نحو 16 عاما. وتقضي شون معظم وقتها على متن قطار «سكوتيش ثيستل» في لوس أنجليس. وعندما لا تكون تعمل على متن القطار تلبي طلبات إعداد الطعام في الحفلات على متن القطارات الأخرى.

تقول ميرفي، التي لا يمكنها أن تتخيل الآن أن تطهو في مطبخ لا يتأرجح: «لا يوجد يوم يشبه الآخر، وأتمتع بقدر كبير من الاستقلالية. لذلك لا أشعر بالملل على الإطلاق».

لقد اشترى دين ماكروميك من كاليفورنيا سكوتش ثيستل منذ 16 عاما، بعد أن عمل طويلا في مجال وسائل المواصلات. وقد استعان بميرفي بناء على توصية من صديق، وهو يثني بشدة على مهاراتها في الطهي. ويقول: «إنها تعرف ما أحب أكثر مني».

وفي الصيف، تستخدم عربة القطار في رحلات شارتر صباحية من محطة يونين ستاشن في لوس أنجليس إلى ديل مارك، وتقدم وجبة ما بين الإفطار والغداء في الرحلة إلى الجنوب، ووجبة العشاء في رحلة العودة. وتتوفر العربة أيضا في رحلات تستمر لأيام أو حتى أسابيع. ولكن بغض النظر عن طول الرحلة، يقول ماكورميك إن الوجبات ذات أهمية في أية رحلة. ويضيف: «لمجرد أنك تجلس وتشاهد المناظر التي تمر بها، تصبح تجربة مختلفة عن تناول الطعام في مطعم».

وتوجد أكثر من 100 عربة قطار خاصة في الولايات المتحدة. ومعظم مالكيها من الأثرياء الذين يشترون العربات من أجل سفرياتهم الشخصية أو كمشروعات تجارية. وتنطبق على العربات معايير سلامة صارمة قبل ربطها بقطارات أمتراك، التي تجرها في طريقها.

ويمكن أن تقدم عربات القطار الخاصة إقامة فاخرة، تشمل غرف نوم وحمامات وغرف معيشة ومطابخ وحجرات مائدة رسمية. وربما يرتدي المسافرون ملابس مناسبة لتناول العشاء، ويجلسون على طاولات مزينة بأوان فخارية وبلورية وفضية، ويستمتعون بتناول وجبات رائعة وخدمة ممتازة. ويعيد الجو والطعام المسافرين إلى الأيام العظيمة في الماضي، عندما كان تناول الطعام في القطار تجربة جديرة بالتذكر.

وتقول أماندا هاتريك (20 عاما) والتي يمتلك والداها عربة القطار الكلاسيكية أوفرلاند تريل، ومقرها يونيون ستاشن، ويمكن حجزها في رحلات شارتر مخصصة: «يمكن أن يحيل الطعام السيئ الرحلة إلى مأساة. «وقد نشأت هاتريك في مطبخ القطار، حيث كانت تتعلم من ميرفي. وهي تعمل حاليا طاهية لبعض الوقت على ظهر عربة القطار الخاصة التي تمتلكها أسرتها بينما تدرس».

وتقول هاتريك: «إنه سريع، والاحتفاظ بالتوازن دائما ما يكون مهما. لقد تعلمت كل شيء من شوان. إنها تعرف ما يمكن وما لا يمكن فعله».

ومعظم الطهاة في القطارات مستقلون، وهم مطلوبون بفضل موهبتهم في إعداد وجبات بارعة مع التعامل مع سرعات القطار الكبيرة، وهو ما يجعلهم يتبعون جميع أنواع الخدع في طهي الطعام. ولتتخيل محاولة الطهي في جهاز محاكاة الزلزال، لتستوعب الفكرة.

يقول كيفين لانغتون، الذي يعمل طاهيا منذ أكثر من 20 عاما في عربات القطار الخاصة: «لقد كان ذلك تحديا في البداية».

في إحدى رحلاته، أعد لانغتون، الخبير في مطابخ المطاعم والأندية، وليمة عيد الفصح. وعندما حان الوقت ليخرج فطائر اليقطين من الفرن، وجد مفاجأة: كانت القشرة فارغة، لقد ذهب الحشو أثناء الرحلة كثيرة المطبات. وعلى الرغم من تلك البداية القاسية، ظل لانغتون مستمرا في طريقه ويعتبر الآن من أهم طهاة القطارات في الولايات المتحدة. ومن الغالب أن يوجد في مطابخ عربة جورجيا 300، ومقرها فلوريدا أو شابيل هيل، ومقرها سينسيناتي.

ويقول لانغتون (50 عاما) الذي يعيش في فلوريدا عدة أشهر في العام عندما لا يكون في أحد القطارات: «لقد دخلت في المجال وأقوم بهذا العمل منذ ذلك الحين. إني أستمتع بحرية السفر والطهي في عربة فاخرة. إنها حياة رائعة».

وحيث إن لانغتون يطهو في طريقه في جميع أنحاء البلاد، فإنه يحفظ أين يصبح الطريق سيئا ويضع مواقيت لصنع وجباته وفقا لذلك، فيقدم حساء القرع على سبيل المثال أثناء السير في طريق سلس. ولم ينس مطلقا فطائر اليقطين، ويقول لنغتون: «أقوم بالكثير من أعمال الخبز عندما نكون في فترة توقف».

وليست الحركة المستمرة هي التحدي الوحيد في هذه المهنة. ولكن توجد عقبات أخرى مثل مساحة الطهي الضيقة، وحقيقة أنك لا تستطيع أن تهرع إلى محل البقالة إذا سقط جميع البيض الذي لديك على الأرض في منتصف الطريق إلى ويومنغ. ويمكن أن يكون سكب سائل ساخن أمرا خطيرا. ويتطلب صب النبيذ على المائدة تحقيق التوازن واختيار التوقيت المناسب، حتى يجد طريقه إلى الكأس وليس على ركبتي الراكب.

وتقدم المطابخ الصغيرة خصائص مميزة مثل أدوات الخزانة للحفاظ على الأطباق والأواني الفخارية والبلورية في أماكنها. وتمنع الحواف الموجودة على سطح الموقد انزلاق الآنية من فوقه. ويتبع الطهاة قواعد سلامة أساسية، مثل عدم القلي في القطار.

وتحتوي معظم المطابخ على مخزون من الطعام يكفي لعدة أيام. وتوجد أسواق مفضلة لدى الطهاة في جميع أنحاء البلاد، وهم يعدون وجباتهم وفقا لما يجدونه طازجا وموسميا، ويعيدون ملء المخزون عندما يتوقف القطار.

ومن أجل التعامل مع صغر حجم حجرة المخزون، تحاول ميرفي الالتزام بما تسميه قاعدة «سبعة مكونات أو أقل» لمعظم الوجبات. وفي بعض الأحيان على الرغم من تخطيطها الجيد، تقول إن القطار يتطلب منها مرونة ومسايرة الأجواء.

وفي بعض الأحيان من الممكن أن يتسبب تغير الارتفاعات في حدوث مشاكل. فبعد أن صنعت العجين في سان فرانسيسكو، دهشت ميرفي لأن كعكتها لم ترتفع عند خبزها. وتقول: «ثم نظرت عبر النافذة لأرى مرتفعات دونر باس الثلجية».

وقد قام كل من ميرفي ولانغتون بالطهي لمشاهير وسياسيين. وتقول ميرفي إن عربة القطار الخاصة وسيلة للمشاهير في السفر بدون أن يتعرض لهم أحد من مصوري الباباراتزي. وتضيف: «كثير من الناس لا يعرفون أننا موجودون. فنحن سر محفوظ جيدا».

وفي أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2004، أعد لانغتون وجبة عشاء مكونة من لحم ديك رومي، وهو ما شجع المرشح الديمقراطي جون كيري على تشمير أكمامه والتهامها.

وعندما ركب المغني باري غيب وأسرته القطار من ميامي إلى نيويورك من أجل حضور حفل جوائز غرامي، كان لانغتون مستعدا لإعداد عشاء فاخر. ثم فاجأه غيب بقوله إن ما يريده حقا هو برغر وبطاطس محمرة.

ويتذكر لانغتون: «كان علي أن أفرم شريحة اللحم الرقيق لأصنع البرغر».

في معظم عربات القطار، يعد المطبخ هو عرين الطاهي، ولكن الوضع ليس دائما كذلك.

تقول إيميلي برادلي (29عاما)، الطاهية ومنسقة حفلات في عربة باترون تيكويلا إكسبريس الخاصة، التي يتسع مطبخها لعدد ممن يردن أن يقلدن راشيل راي في القطار: «بعد عدد من حفلات الكوكتيل، يشعر البعض بالرغبة في مساعدتي في المطبخ». وتقول برادلي إن أسلوب الطهي في عربة القطار تلك، والتي تستخدم في مناسبات تتعلق بالشركات ومجال الترفيه، غير رسمي بصورة أكبر من الخدمة الفاخرة التي تقدم في عربات أخرى. وهي تحاول تقديم أطباق ذات مذاق محلي وتضع قائمة أطعمتها بصورة تجسد فيها المدن التي يمر عليها القطار.

وتستخدم برادلي وطهاة القطارات الآخرين كلمات مثل «متعة» و«مغامرة» عندما يتحدثون عن عملهم. وبمجرد أن يصعدوا إلى القطار، يمكنهم أن يسترخوا ويستمتعوا بالمناظر الخلابة من مؤخرة القطار.

وتقول ميرفي: «لو كنت أعمل في مطعم، لظللت موجودة في المطبخ وأتعامل مع الطعام فقط. ولكن في القطار، لدي فرصة كبيرة للتواصل مع الضيوف. وقد أصبحت قريبة من عدد منهم وأعتبرهم أصدقاء. ويصل إلينا جميع الركاب تقريبا وهم مستعدون لأن يبتهجوا. كما أنني استطعت أن أذهب إلى أماكن لم أكن لأذهب إليها مطلقا على نحو عادي».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ «الشرق الأوسط»