الحمص اللبناني.. قصة حبة من بدايتها إلى نهايتها على موائد العالم

الطبق الذي يشغل العالم

حرب إثبات من ابتدع اطباق الحمص والتبولة والفلافل لا تزال قائمة (رويترز)
TT

استأثر صحن الحمص بالطحينة في الأسابيع والأشهر القليلة الماضية باهتمام اللبنانيين على كل المستويات من صناعيين ورسميين وهيئات مدنية بسبب تعرضه لما وصف بـ«القرصنة الإسرائيلية». وقد ووجهت هذه القرصنة بإعداد أكبر صحن حمص بطحينة - فضلاً عن أكبر صحن تبولة - يفترض ادراجه في كتاب «غينيس».

وللوصول إلى هذه الوجبة المكملة للمائدة والشهية تبدأ حبة الحمص رحلة طويلة ولا تنتهي في صحن الحمص بطحينة فحسب، بل تسلك طريقها إلى العديد من الوجبات. وتزرع حبوب الحمص بعد أن تبل بالماء، أو تزرع جافة في أرض رطبة وفي أوائل الربيع، ولا تحتاج شتولها الى سقي، وعندما تصبح الحبوب «بالغة»، أي ناضجة، تباع بالرزمة لتؤكل الحبوب الخضراء، وأطيبها ما كان ذا مذاق مالح. ويطلق عليها عامة اللبنانيين عند ذاك «أم قليبانة» ويروج لها باعتها بتكرار عبارة «ام قليبانة خضرا ومليانة» وعندما تيبس الشتول يتم حصدها، ثم فرز الحبوب وتعريضها للشمس حتى تجف بصورة كاملة وعندها يحفظ في المخازن، ويوضب في أكياس صغيرة ليباع في محال البقالة والسوبر ماركت وهو «ضيق النفس»، كما تقول عامة اللبنانيين لأنه، اذا بقي فترة طويلة، طاوله التسوس وعندها لا يعود يصلح الا علفاً».

وإذا انتقلنا إلى استعمالات الحمص لوجدنا أنفسنا أمام سلسلة طويلة يأتي في مقدمتها الحمص بطحينة الذي تقدمه كل المطاعم اللبنانية ويشكل جزءاً أساسياً من «المازة اللبنانية»، التي تعمر بها موائد المطاعم، وتتميز بتعدد وتنوع الصحون فيها.

أما كيف يحضر صحن الحمص بطحينة فيقول الشيف رمزي الشويري، الذي أشرف على إعداد أكبر صحن حمص بطحينة: «ينقع الحمص عدة ساعات ثم يسلق على النار مع قليل من الكربونات لتسريع انضاجه. وفي الماضي كان الحمص المسلوق يطحن يدوياً بواسطة مطحنة العدس، أما اليوم فصار الطحن آلياً وأسرع، بل وأنعم، ثم يضاف إليه الحامض والملح والطحينة وقليل من الثوم، ثم يقدم في المطاعم في صحون فخارية خاصة أو في آنية ستانلس مستطيلة، ويزين وجهه بمسحوق الفلفل الأحمر الحلو أو الحاد، وبالبقدونس، ويغمر بزيت الزيتون، ويؤكل مع الفلفل الأخضر والفجل وأوراق النعناع ومع الكبيس على أنواعه».

ومع ازدياد الطلب على صحن الحمص بطحينة تحول هذا الصحن اللبناني التراثي من اعداد منزلي أو تقليدي في المطاعم إلى صناعة قائمة بذاتها، وكان أول من علب هذه الوجبة هو معمل «قرطاس» في البقاع اللبناني عام 1959، ولا يزال يضخ انتاجه حتى الآن في السوق المحلية ومختلف الأسواق العالمية والعربية شرقاً وغرباً، على حد قول مدير معمل قرطاس فادي صندقلي لـ «الشرق الأوسط» الذي يضيف: «وما عزز انتشار الحمص بطحينة في الخارج أمران اثنان أولهما نوعية الانتاج، وثانيهما وجود جاليات لبنانية في مختلف أنحاء العالم. وقد طورنا نحن هذه الوجبة فأعددنا منها ما هو مع الفلفل، ومنها ما هو مع الزيتون، أو مع دبس الرمان، أو مع البقدونس، أو مع البندورة. ولم نبقِ على حجم العلبة كما هو، بل نوّعنا حجم العلب فمنها ما يتسع لـ180 غراماً و 380 غراماً، ومنها ما يتسع لكيلوغرام واحد، ونحضر لعلبة تتسع لثلاثة كيلوغرامات، وصلاحية المحتوى تستمر لثلاث سنوات على الأقل».

ويأتي بعد صحن الحمص بطحينة صحن الحمص «المسبّح» الذي يسلق بعد نقعه مع قليل من الكربونات، وبدلاً من طحنه يحضر المسلوق منه بإضافة الحامض إليه والملح وقليل من الثوم، والكمون «ويسبّح» بزيت الزيتون. ويعتبر هذا الصحن مكملاً للمائدة على غرار شقيقه صحن الحمص بطحينة.

ويمكن أن يكون الحمص إضافة إلى العديد من الوجبات المعدة بالزيت أو باللحم. وهو يعتبر مكوناً من مكونات وجبة «المخلوطة» اللبنانية التي هي كناية عن سلق مجموعة من الحبوب كالارز والفاصولياء العريضة والعادية والعدس ويضاف إليها قليل من الملح والزيت والكمون، ومنهم من يأكلها مع الخبز المحمص.

ويضاف الحمص المسلوق والمقشور إلى محشي السلق ومحشي الباذنجان وحشوة «الغمة»، كما تضاف بعض الحبوب المسلوقة الى صحن الفول «المدمّس»، أو المتبّل.