كبير طهاة المعجنات بالبيت الأبيض يجدد مفهوم الحلوى

تقليص ميشيل أوباما لأطباق الحلوى أشعره بأن وظيفته في خطر لكنه أحس بالإثارة

TT

كان أول اجتماع لميشيل أوباما مع طهاة البيت الأبيض مصدر قلق بالغ لبيل يوسيس، كبير طهاة المعجنات.

ووصف يوسيس، الذي جاء تعيينه في البيت الأبيض عام 2007 من جانب لورا بوش، هذا اليوم بقوله «كان أكثر أيام حياتي إثارة للدهشة». وأشار إلى أن ميشيل أوباما شددت على ضرورة أن تصبح الحلوى من العناصر النادرة، وليس المألوفة، في الوجبات التي تتناولها أسرة الرئيس، وأكدت على ضرورة تقليص أحجامها.

وعلق يوسيس على ذلك قائلا «ربما كان ينبغي أن يساورني القلق حيال وظيفتي، لكنني لم ينتبني سوى شعور بالإثارة».

خلال الشهور التالية، ونظرا للحملة التي قادتها ميشيل أوباما للتشجيع على تناول الأطعمة الصحية، اكتسبت الوجبات التي تتناولها أسرة الرئيس من يوم لآخر أهمية وطنية. ومع اتساع دائرة مسؤولياته لتشمل تدريب عاملين جدد شباب على المهنة والسعي للحصول على أفضل طبقة خارجية للفطائر، شعر يوسيس بنشاط يدب في أوصاله في خضم دوره الجديد.

في صباح أحد الأيام المشمسة، عكف يوسيس على الاعتناء بنباتات مثل النعناع والراوند في حديقة البيت الأبيض الجنوبية من المقرر الاستعانة بها في إعداد مأدبة عشاء رسمية في 19 مايو (أيار)، بينما تابعته أعين أحد أعضاء فريق الحراسة التابع للخدمات السرية.

بوجه عام، يعد يوسيس (57 عاما) شخصية من الشخصيات المرحة والبارزة على مستوى مطاعم نيويورك. وتتركز مهام وظيفته الحالية في إعداد أطباق الحلوى لأسرة الرئيس وضيوفهم الذين ربما يضمون أبطالا في دورات الألعاب الأوليمبية أو موسيقيين أو عمال مطافئ، وأحيانا تصل أعداد هؤلاء الضيوف إلى المئات. جدير بالذكر أن هذا المنصب استحدثته جاكلين كينيدي التي أثارت جدلا كبيرا باستقدامها طهاة مدربين على أيدي فرنسيين بهدف رفع مطبخ البيت الأبيض إلى مستوى المعايير العالمية.

خلال الفترة التي قضاها يوسيس بالبيت الأبيض، نما بداخله عشق وولع تجاه البيت الأبيض وتاريخه. وعن ذلك، قال بسعادة «عندما تعمل هنا، تسير على خطى توماس فيرغسون». ويعد فيرغسون والطاهي الخاص به، جيمس هيمنغز، الذي تلقى تدريبه في فرنسا وكان من العبيد في مونتيسيلو، من بين الشخصيات التاريخية المرتبطة بالطهي التي يولع بها يوسيس.

وأشار يوسيس إلى أنه «عثرت على وصفة إنجليزية قديمة بسبب صنع كعكة بازلاء محلاة، لكني لا أعتقد أن بمقدوري إقناع الرئيس بتناولها».

تقليديا، ركز كبير طهاة المعجنات داخل البيت الأبيض اهتمامه على فن النحت بالسكر والكعكات الكبيرة لخلق أشكال من الحلوى تزين البيت الأبيض وصورته. على صعيد الطهي، تكافئ هذه الوظيفة منصب نائب الرئيس، فرغم أهميتها فإنها تحمل طابعا ثانويا وشرفيا أكبر من المنصب الأكبر الخاص بالرئيس التنفيذي للطهاة الذي تتقلده كريستينا كومرفورد منذ عام 2005.

إلا أن ذلك لا يعني أنه لا يعمل بجد. في الواقع، يعج يوم العمل الخاص بيوسيس الممتد لـ12 ساعة بالنشاطات المعتادة لأي طاه، مثل إعداد المعجنات لاجتماعات الصباح في الجناح الغربي (والتي قال عنها «إن أحدا لا يتناولها قط»)، وتعديل قائمة الطعام اليومي بحيث تضم عناصر ينتجها مزارعون محليون (تغلف السرية هوياتهم لأسباب أمنية) والتخطيط لمناسبات واحتفاليات مثل عيد جميع القديسين (في محاولة للتوصل إلى حل وسط يجمع بين القيمة الغذائية واحترام التقاليد، تولى أوباما وزوجته توزيع مزيج من الكعك المحلى وحلويات «إم آند إم» خلال العيد العام الماضي).

وأوضح يوسيس أن الضغوط المرتبطة بوظيفته يمكن إدارتها تماما - بما في ذلك صنع قرية من الشوكولاته لاحتفال عيد الفصح، أو التوصل إلى مزيد من السبل لاستبدال السكر الأبيض بالعسل وشراب القيقب - مقارنة بالفوضى وحالة الهستيريا التي يعج بها مطبخ أي من المطاعم الكبرى في نيويورك.

من ناحية أخرى، أكد ديفيد بولي، الذي عمل إلى جانب يوسيس على مدار 20 عاما تقريبا في مطاعم بينها «مونراشيه» و«بولي»: «بيل قادر على التكيف تماما مع الجنون الذي يسيطر على المطابخ، ولم يشعر بالانزعاج بسببه».

وفي حديثه عن الوجبات التي يقدمها في مطعمه، قال بولي «إن ما نحاول عمله من خلال إعداد وجبات فرنسية متنوعة واستخدام مكونات رائعة والاستعانة بفريق عمل غير مدرب كان بمثابة أمر جديد تماما وأقرب إلى المستحيل. وتمتع بيل دوما بالقدرة على كسر حالة التوتر في المطبخ، لذا أحبه الجميع».

جدير بالذكر أن يوسيس كان واحدا من أوائل طهاة المعجنات الأميركيين الذين ينجحون في بناء سمعة دولية لهم في عصر لا يزال الفرنسيون يهيمنون فيه على مجال الطهي، مثل جاك توريس وفرنسوا بايارد وبيير إرميه. في نيويورك حيث تولى أيضا إدارة مطبخ لصنع المعجنات بمطعم «تافيرن أون ذي غرين»، يشتهر يوسيس ويعشقه الجميع لقدرته على الإدارة في الظروف العصيبة، وقناعته بأن التعليم، وليس التعذيب، هو دور الطاهي الأول، وروح المرح وإشراقة وجهه في ظل الضغوط الشديدة.

إلا أن يوسيس، مثلما الحال مع كثير من الطهاة، انهار في النهاية تحت وطأة الضغوط. وعن عمله في المطاعم، قال «ليس هناك ما أفتقده كثيرا من هذه الفترة».

لكنه استطرد بأن الاستثناء الوحيد هنا هو افتقاده رفاهية العيش في المدينة ذاتها مع رفيقه تشارلي فابيلا. ورغم أن كون طاه ما من المثليين لم يعد بالأمر الذي يثير جلبة كبيرة، فإنه من النادر أن يتحدث أحد العاملين في البيت الأبيض علانية عن علاقاته المثلية.

وقال يوسيس «الأشخاص الذين أعمل معهم باتوا أكثر احتراما بكثير منذ أن قدم مسؤولو مكتب التحقيقات الفيدرالي لتفحص سجلي»، في إشارة إلى عملية الفحص التي حولت يوسيس من طاه في نيويورك إلى الرجل الذي يطلق عليه أوباما «أستاذ القرمشة».

ونجح الانفتاح الذي يتميز به يوسيس وجاذبيته الشخصية في مساعدته على تحقيق نقلة كبرى من توليدو في أوهايو، حيث عملت والدته طاهية وتخصصت في إعداد الفطائر والكعك المقلوب والكعك بالجبن من وصفات تخص مامي أيزنهاور. وكانت أول وظيفة ليوسيس في مدينة نيويورك في شركة «الخطوط الجوية الفرنسية» حيث تولى مسؤولية الرد على الاتصالات الهاتفية. عبر هذه الوظيفة، تمكن من التنقل بمختلف أرجاء العالم في أواخر سبعينات القرن الماضي، ثم حصل على التدريب داخل فندق «لو مولان دي مورغان» بالقرب من كان. كما عمل في «بولو»، وهو أحد المطاعم الرائجة في مطلع ثمانينات القرن الماضي في «أبر إيست سايد»، حيث عمل جنبا إلى جنب مع نجوم أمثال توماس كيلر ودانييل بولود وألفريد بورتال.

اكتسب يوسيس شهرته الأولى خلال عمله في «مونراشيه» لإعداده كعكتين سوفليه، إحداهما بالشوكولاته والكمثرى، بينما صنع الأخرى من الليمون والتوت. وتتميز الكعكتان بأطراف لزجة ملساء، بينما يحمل المنتصف طبقة هشة خشنة محلاة. في ذلك الوقت، كان يجري النظر إلى كعك سوفليه باعتباره كعكة قديمة جامدة، لكن يوسيس نجح في تقديمها في صورة طازجة بنكهات متوازنة. وكانت كعكة الفانيليا المسبوكة التي ابتكرها صورة مصنوعة بذكاء وبطعم لذيذ من كعكة الشوكولاته (وقد جرى تجميع وصفات بعض هذه الحلويات اللذيذة في كتاب طهي جديد بعنوان «اللمسة الأخيرة الممتازة»، من تأليف ميليسا كلارك، كاتبة عمود في «نيويورك تايمز» يعنى بالطهي).

من جانبها، قالت أنيتا لو، الطاهية وصاحبة مطعم «أنيسا ريستورانت» التي سبق لها العمل مع يوسيس في مطعم «بولي» عام 1989 «لا يهتم يوسيس بإتقان ما يقوم به فحسب، وإنما يتميز أيضا بالصبر، وهما خصلتان نادرا ما تجدهما داخل أي مطبخ». وأضافت «غير أنه في ذلك الحين كانت ثقافة مطابخ المطاعم لا تزال تنافسية للغاية ويهيمن عليها الطابع الذكوري، وكان من النادر العثور على الانفتاح الذي أبداه يوسيس تجاه المثليين». وقالت «الآن، وحتى آنذاك، لم يكن وجود طاه بارز من المثليين بالأمر المثير للدهشة. ومع ذلك، يبقى من الجيد إبداء أي شخصية معروفة تسامحا حيال هذه القضية».

من ناحية أخرى، الاعتزاز بالنفس الذي يبديه يوسيس دوما يجعله مناسبا على نحو خاص للعمل داخل البيت الأبيض، ودوره الحساس على صعيد البروتوكول. على سبيل المثال، في مارس (آذار)، أعاد يوسيس ابتكار كعكة تيراميسو الإيطالية، حيث أضفى عليها طابعا فرنسيا، وذلك كرسالة ترحيب بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وزوجته إيطالية المولد كارلا بروني.

ورغم أن عمله في البيت الأبيض كثير ومتقلب، فإن يوسيس يعارض بصرامة استخدام عناصر للتزيين من دون أن تكون لها ضرورة، مثل استخدام أوراق نعناع طازجة على «كريمة بوليه». وعن ذلك، يشدد يوسيس على أن «التزيين ينبغي أن ينبع على نحو طبيعي من الطعام ذاته» (النعناع الذي زرعه في حديقة البيت الأبيض من المقرر استخدامه في تزيين صوص). ورغم أنه قد يلجأ أحيانا إلى بلورات فيتامين سي، فإنه حرص في العادة على الالتزام بنكهة فرنسية قوية في طعامه. وفي الحلوى التي يعدها، يحرص دوما على مزج الشوكولاته بالبندق، والأناناس بالليمون.

من جانبه، أوضح جوناثان هايس، الكاتب السابق بمجال الطعام وهو صديق يوسيس منذ ثمانينات القرن الماضي وأحد معجبيه، أن يوسيس «لا يوافق على أنواع حلويات مثل مثلج الطماطم بشراب نبات حصى البان».

كان هايس واحدا من مئات المشاهدين الذي حضروا مهرجان «سالون دون شوكولا» في باريس عام 2004، الذي شهد توجيه الدعوة للمرة الأولى إلى طهاة معجنات أميركيين لعرض مواهبهم بجانب الأسماء الأوروبية اللامعة بمجال صناعة حلوى الشوكولاته مثل بيير إرميه وروبرت لينكس.

من بين أقدم أصدقاء يوسيس، روبرت سيرلز، المعروف بين سكان نيويورك باسم «الطاهي بوبو»، ويتولى إعداد وجبات غداء رائعة لـ600 طفل يوميا في مدرسة كالهون الخاصة، في أبر ويست سايد، ويشرف على زراعة أعشاب على سطح المدرسة. وقد سار سيرلز على خطوات يوسيس بمجال الطهي الحرفي، وتشارك الاثنان منذ أمد بعيد في قناعة مفادها أن أي تغيير في العادات الغذائية للأميركيين يجب أن يبدأ في الطفولة. في مدرسة كالهون، لا يجري تقديم أي أطباق بجانب الغداء باستثناء السلطة والفاكهة. ويجري تقديم الحلوى مرة واحدة أسبوعيا. وعن هذا، أكد سيرلز أن «الأطفال لا يجدون مشكلة في ذلك. إن الصعوبة الأكبر في تدريس الطعام الصحي نواجهها مع الآباء والأمهات».

على مدار يومين من المقابلات، لم تبد البهجة واضحة على وجه يوسيس سوى مرة واحدة، لدى ذكر الكريسماس والحفلات الجديدة التي يقيمها البيت الأبيض احتفالا به. وقال «إعداد 20.000 قطعة حلوة مهمة كبرى».

هذا الأسبوع، ينهمك يوسيس في الاستعداد لمأدبة العشاء الرسمية التي ستقام على شرف الرئيس المكسيكي، فيليب كالديرون.

وعند الضغط عليه للإفصاح عن تفاصيل الطعام الذي سيجري تقديمه، أجاب يوسيس «هذا منزل ميشيل أوباما، وليس من حقي الكشف عن الحلوى التي ربما ترغب في تقديمها».

* خدمة «نيويورك تايمز»