القهوة ملهمة العلماء والشعراء .. حرمتها تركيا العثمانية

ارتبط اسمها بالمتمردين على السياسة وأصحاب الأفكار الحرة

TT

لطالما ارتبط اسم القهوة وعالم المقاهي بالشعراء والمفكرين والعلماء والمتمردين على النظام والمعارضين للأمر الواقع، وأحيانا في أوروبا بالأكاديميين وأصحاب الأفكار الحرة والخاصة أهل اليسار والطلاب الثائرين على العالم ويريدون تغييره أحيانا.

والمقاهي بالفعل كانت بداياتها في أوروبا بشكل خاص مرتعا للكثير من الناشطين في عالم الفكر والفن، وكان أحد رواد مقاهي لندن العالم الفلكي إدموند هيلي الباحث عن معادلة رياضية لدوران القمر حول الأرض، ليربح مقامرة بقيمة جنيهين إسترلينيين في المقهى الذي يتردد عليه، ووجد أن العالم نيوتن قد وضع هذه المعادلة منذ فترة. ومن تساؤل هيلي اكتملت نظرية الجاذبية رياضيا بعد سقوط التفاحة أمام العبقري نيوتن، وتم إغلاق النقاش حول حقيقة دوران القمر حول الأرض، وطبيعة مداره، ودوران الأقمار بشكل عام حول كواكبها أو شمسها الأم لأول مرة في التاريخ البشري.

فالقهوة كما يبدو ليست محفزة للذاكرة والذهن فحسب، بل للأفكار والأشعار. وعلى أي حال، فإن القهوة كمحصول ونبات من أهم المحاصيل التجارية في العالم منذ سنوات طويلة، ولا عجب أن تهتم بزراعته أكثر من سبعين دولة. وإلى جانب ذلك، يعتبر مشروب القهوة أو فنجان القهوة أكثر المشروبات شعبية حول العالم. ولذا تحولت المقاهي التقليدية من المقاهي المحلية الرخيصة التي تقدم القهوة والشاي، وأحيانا النرجيلة وبعض الحلوى والسندوتشات أو المقبلات، إلى المقاهي الحديثة سريعة التعامل، المناسبة للعالم الجديد الذي نعيش فيه، وهو عالم الكومبيوتر والإنترنت. وقد ارتبط حاليا عالم الإنترنت بالمقاهي بشكل يصعب فصله؛ إذ أصبح لهذه المقاهي أيضا ماركات وأسماء وشركات لامعة تنتشر في جميع أنحاء المعمورة، مثل «نيرو» الإيطالية، و«ستارباكس» الأميركية. وبهذا تتحول مهمة المقاهي بالطبع من أماكن للتكاسل والترفيه الخفيف ولعب «الورق» والتدخين، إلى أماكن ومحطات سريعة ومؤقتة للاسترخاء والعمل وإقامة بعض الاجتماعات.

كما أن القهوة نفسها تحولت من قهوة تركية عادية «وسط» أو «سادة» أو «حلوة» إلى أنواع شتى، على رأسها بالطبع الاسبرسو الإيطالي الذي يسيطر على الساحة حاليا.

وقد لعبت القهوة كمشروب عبر التاريخ دورا مهما في الكثير من المجتمعات القديمة والحديثة، إذ كانت القهوة جزءا لا يتجزأ من بعض التقاليد والاحتفالات الدينية. ويقال إن الكنيسة الإثيوبية منعت استخدامها وحرمتها قبل نهاية القرن التاسع عشر، أي قبل وجود الملك مانليك الثاني. وقبل ذلك حرمت في تركيا العثمانية قبل القرن السابع عشر لأسباب سياسية. وكانت المقاهي الأولى التي افتتحت في أوروبا في القرن السابع عشر أيضا واجهت معارضة قوية من بعض السكان المحليين، وكان يُنظَر إليها بريبة على أنها غريبة وتركية. وخرجت بعض التظاهرات ضد افتتاح بعضها، وأغلق بعضها الآخر في العاصمة لندن من قبل النساء المطالبات بعودة أزواجهن إلى البيوت.

وقد حاول الملك البريطاني تشارلز الثاني تحريم وإغلاق المقاهي في البلاد عام 1676 بسبب الشائعات بأنها كانت وراء القلائل السياسية والثورات في أوروبا آنذاك. لكن رضخ للضغوط بعد يومين، وتراجع عن قراره. كما حرم الملك فريدريك الكبير القهوة في ألمانيا عام 1777 لأسباب اقتصادية بحتة. إذ كان يصعب عليه أن يرى الألمان يستهلكون مشروبا لا ينتجونه، وحاول دفعهم باتجاه الجعة، لأن استيرادها من الخارج مكلف، وخصوصا أن ألمانيا لم تكن تملك مستعمرات تزرع القهوة أيامها.

مهما يكن فإن الموسوعة الحرة تقول في هذا الإطار إن القهوة والمقاهي غزت تركيا في القرن الخامس عشر، لكن لا توجد وثائق تثبت ذلك. كما تضيف الموسوعة الحرة أن المقاهي افتتحت في العاصمة السورية دمشق في بداية القرن السادس عشر، في عام 1530، أي بعد افتتاحها في القاهرة. وكما سبق وذكرنا عرفت القهوة خارج الإمبراطورية العثمانية في أوروبا في القرن السابع عشر. وكانت أول المقاهي الأوروبية في العاصمة النمساوية فيينا التي كانت محطة للتعامل مع الأتراك آنذاك. وفي حين افتتح أول مقهى في فيينا عام 1645، افتتحت أكسفورد أول مقهى في إنجلترا وبريطانيا بعد خمس سنوات من ذلك. وقد تحول المقهى الذي افتتحته إحدى الشخصيات اليهودية المعروفة في المدينة، وهو جاكوب، حاليا إلى حانة للكوكتيل، ويحمل المبنى اسم «غراند كافيه» أو «المقهى الكبير». وتشير المعلومات المتوفرة أن عدد المقاهي في إنجلترا في عام 1675 أي بعد خمس وعشرين سنة على افتتاح الـ«غراند كافيه» في أكسفورد، وصل إلى ثلاثة آلاف مقهى. وفي عام 1672 حمل شخص أرميني الأصل يدعى باسكال المقهى معه إلى العاصمة الفرنسية باريس، لكن المدينة لم تعرف المقاهي التقليدية إلا في عام 1689 مع تأسيس الصقلي الأصل فرانسيسكو بروكوبيو كوتو أول مقهى تحت اسم «مقهى بريكوبي». ولا يزال المقهى موجودا حتى الآن في باريس تحت اسم مطعم «لي بروكوبي» في شارع « rue des Fossés-Saint-Germain-des-Prés». ولا يزال المقهى الجميل والطويل من الخارج من أهم مقاهي باريس وأوروبا حتى الآن، كما هو مقهى «برازيليرا» في العاصمة البرتغالية لشبونة. وهذه المقاهي تضم المواصفات التقليدية الداخلية للمقاهي الأوروبية في تلك الفترة، مثل المرايا والثريات وغيرها من المعالم الفاخرة والجميلة. وكان الـ«غراند كافيه» أيضا مكانا مهما جدا في الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية في العاصمة الفرنسية؛ إذ كان يجذب النخب على أنواعها، وقد أمه الكثير من المفكرين والشخصيات التاريخية، مثل فولتير وجان جاك روسو، والفيلسوف دنيس ديدرو الذي كان يعتبر من قادة عصر التنوير في فرنسا. وقد وضع أول موسوعة حديثة في العالم. ولم تعرف أميركا أو العالم الجديد كما كان يطلق عليها المقاهي إلا في بوسطن في عام 1676، مخلوطة مع المطعم. وفي مقهى الـ«غرين دراغون» المعروف في بوسطن، خطط كل من جون أدامس وبول ريفيري وجيمس أوتيس للتمرد على التاج البريطاني ونيل استقلال أميركا عن الإمبراطورية البريطانية، أو ما يعرف بالثورة الأميركية. وربما تكون العاصمة البريطانية لندن المدينة الوحيدة التي تضم متحفا خاصا بالقهوة والشاي في شرق المدينة، اسمه متحف «براما» الذي يحمل اسم مؤسسة.

تاريخيا تشير المعلومات المتوفرة إلى أن القهوة انتشرت من إثيوبيا في اتجاه اليمن، حيث كانت أول مرة يتم فيها إنتاج مشروب القهوة، ومن اليمن وصلت القهوة إلى القاهرة ومصر بشكل عام، ولا توجد أي وثائق عن استغلال شجرة القهوة لإنتاج المشروب قبل القرن الخامس عشر. ويقال أيضا إن أصل كلمة «قهوة» العربية يعود إلى اسم مملكة كافا في إثيوبيا، وأخذ الأتراك الاسم لاحقا وأخذوا يلفظونه بـ«كافيه» (Coffee) قبل أن تتسلل إلى الألمانية «كوفي» ويأخذها الإنجليز، وتأخذها اللغات الأوروبية الأخرى.

بأي حال فإن عملية تحميص حبوب القهوة وغليها بدأت في الجزيرة العربية، وانتشرت من هناك، ووصلت بعدها إلى تركيا وإيران بالطبع، وإلى أفريقيا الشمالية والمغرب العربي وأوروبا الجنوبية، وخصوصا إيطاليا واليونان وإسبانيا والبرتغال ثم إندونيسيا والولايات المتحدة. وقد جاء ذكر القهوة في نهاية القرن السادس عشر في أحد كتب الفيزيائي الألماني ريونالد وولف، بعد زيارته إلى الشرق الأقصى. وكانت القهوة من أهم القطاعات التجارية بين إيطاليا والعالم الإسلامي، وخصوصا بين شمال أفريقيا والبندقية في أيام عزها، التي يقال إنها هي التي نشرت القهوة في أوروبا عبر مرفئها التاريخي. وكان أول مقهى يفتتح في إيطاليا في عام 1645، لكن الهولنديين كانوا أول من بدأ باستيراد القهوة على نطاق واسع وبكميات كبيرة.

صحيح أن هناك الكثير من الدول التي تزرع القهوة، وفي جميع القارات، من فيتنام إلى البرازيل ومدغشقر، لكن هناك أيضا الكثير من الدول التي لا يمكن أن تتخلى عنها وتستهلكها وتشتريها بكميات كبيرة، مثل الدول العربية والدول الأوروبية الجنوبية وألمانيا والبرازيل. لكن حسب ترتيب استهلاك الفرد في السنة لعام 2006، تعتبر الدول الإسكندنافية الشمالية والباردة أكثر الدول استهلاكا للقهوة في العالم حتى الآن. وتأتي فنلندا في شمال المعمورة على رأس لائحة الدول المستهلكة لها، حيث يصل معدل الفرد فيها من القهوة سنويا بـ12 كيلوغراما، أي كيلوغرام كل شهر تقريبا. تأتي بعدها جارتها النرويج بـ9 كيلوغرامات للفرد، ثم أيسلندا بالكمية نفسها، وبعدها الدنمارك وهولندا والسويد، ثم سويسرا وبلجيكا ولوكسمبورغ وكندا وألمانيا وإيطاليا في المرتبة العاشرة بـ5.9 كيلوغرام للفرد، والبرازيل في المرتبة السابعة عشر بـ5.8 كيلوغرام، ثم اليونان وفرنسا وكرواتيا وقبرص ولبنان بـ4.8 كيلوغرام للفرد، تأتي بعدها إسبانيا، وقطر بعدها في المرتبة الثانية والخمسين بـ2.2 كيلوغرام للفرد سنويا. أما سورية فتأتي في المرتبة الخامسة والتسعين، وتركيا في المرتبة المائة وسبعة بـ0.4 كيلوغرام للفرد.

وليس غريبا أن نعثر في ذيل اللائحة على دول مثل بنغلاديش وأذربيجان وكمبوديا وتشاد وشمال كوريا ومالي وغيرها.

أهم الدول المنتجة للقهوة في العالم / بالطن المتري.

- البرازيل - 2.249 مليون طن.

- فيتنام - 961.2 ألف طن.

- كولومبيا - 697 ألف طن.

- إندونيسيا - 676 ألف طن. - إثيوبيا - 325 ألف طن.

- الهند - 288 ألف طن.

- المكسيك - 268.5 ألف طن.

- غواتيمالا - 252 ألف طن.

- بيرو - 225.9 ألف طن.

- هندوراس - 217.9 ألف طن.

- ساحل العاج - 170.8 ألف طن.

- أوغندا - 168 ألف طن.

- كوستاريكا - 124 ألف طن.

- الفلبين - 97.8 ألف طن.

- السلفادور - 95 ألف طن.

- نيكاراغوا - 90 ألف طن.

- بابوا نيو غينيا- 75 ألف طن.

- فنزويلا - 70 ألف طن.

- مدغشقر - 62 ألف طن.

- تايلاند- 55.6 ألف طن.

* المجموع : 7.7 مليون طن متري.

وتختلف نسب المواد الكيميائية والطبيعية الموجود في القهوة من نوع إلى آخر، وما إذا كانت محمصة أو خضراء حية، لكن القهوة تحتوي بشكل عام على المعادن والكافيين والتريغونيلين (Trigonelline) الذي يعتبر من مشتقات فيتامين «بي 3» والليبدس (Lipids) أو ما يعرف بالدهون والشحميات وأحماض الكلوروجانيك الدهنية أيضا (Chlorogenic Acids) والسكريات القليلة التعدد (Oligosaccharides) وكثير من السكاريد المعقد (polysaccharides) والأحماض الأمينية المهمة لبناء البروتين والخلايا والمواد المضادة للفيروسات والبكتيريا في الجسم، حمض الدبال (Hunic Acids) والبروتينات.