الأطباق الماليزية.. شهية وحلال ومحلاة بالسكر

مطبخ أشبه بخلطة ثقافية ممتازة

«الساتيه» من أشهر أطباق ماليزيا
TT

تجربة تناول الطعام الماليزي بأطباقه المتعددة ومذاقاتها الشهية، تجعلك لا تملك غير الاتفاق مع القول الشائع بأن زيارة هذا البلد «إثارة لكل حواس الإنسان» بل هي استثارة أيضا لكل الحواس بما فيها الحاسة السادسة، لذا تبقى حاسة الذوق ببعديها المادي والمعنوي على موعد مع نوع خاص من الإثارة التي يوفرها المطبخ الماليزي بتجربته الفريدة التي تختزل بذكاء إرث وتاريخ وثقافة المطبخ الآسيوي، وتزاوج بحنكة بين إرث الطبخ لدى المجموعات الرئيسية الثلاث المكونة لسكان ماليزيا (الملايو، الصينيون، الهنود) إلى جانب ما أضيف لثقافة الطبخ الماليزي وتجربته الممتدة من تأثيرات وافدة من ثقافات أخرى.

وفي بلد تمزج ثقافته بكل هذه البراعة بين الألوان والمذاقات والروائح، فإن تجربة تناول الأطباق الماليزية والاستمتاع بمذاقاتها «الحراقة» المستمدة من حرارة المناخ الاستوائي، تبقى سببا إضافيا لزيارة ماليزيا بطبيعتها الخلابة وإرثها الثقافي المتنوع وأطعمتها بأطباقها التي لا تحصى.

ثراء المطبخ الماليزي كان سببا كافيا لدفع القائمين على السياحة في هذا البلد إلى إطلاق عام 2006 عاما للطعام والأطباق الماليزية، وشعارا للترويج لزيارة ماليزيا للاستمتاع بأطعمتها الفريدة المتنوعة، ونجحت هذه الحملة بالفعل في لفت أنظار العالم إلى الطعام الماليزي، وساهمت في إدراجه في قائمة أهم المنتجات السياحية التي تفخر ماليزيا بتقديمها إلى زوارها اليوم، وتراهن على ذلك في جذب مزيد من الزوار خلال الأعوام المقبلة.

ولعل الملمح الأبرز في الأطباق الماليزية هو كونها مزيجا مدهشا للطبخ المالاوي والصيني والهندي، بجانب تأثيرات أخرى تعود إلى المطبخ الإندونيسي والتايلندي وحتى العربي، هذه التأثيرات والمشارب الثقافية المتعددة، هي التي أنتجت هذا الكم المتنوع من الأطعمة والأطباق التي تقدم اليوم بوصفها فضاء يختزل بخصوصية ثقافة الطبخ الآسيوي بشكل عام، ليقدم ما يمكن أن نسميه المطبخ الماليزي.

وأول ما يسترعي انتباه الزائر لكوالالمبور وغيرها من المدن، هو الكم الهائل من المطاعم والمقاهي بمختلف المستويات والتصنيفات، فأينما وليت وجهك فثمة مطعم أو مقهى، يضاف إلى ذلك كم من المطاعم على عربات متحركة، تحتل تقاطعات الطرق في الأحياء والأسواق الشعبية، لعل ذلك يفسر إقبال الناس هنا على تناول وجبات متعددة تصل إلى خمس وجبات خلال اليوم ما بين وجبة أساسية وأخرى خفيفة، وهو ما يشير أيضا إلى شيوع عادة تناول الطعام خارج البيوت، فالماليزي، كما تقول الطرفة: «إما أنه يأكل، أو هو ذاهب لتناول الأكل، أو أنه فرغ لتوه من ذلك».

ويأتي طبق «الساتيه» على رأس قائمة الأطباق الماليزية الأكثر شهرة، بمكوناته من شرائح اللحم أو الدجاج، المتبلة لفترة طويلة قبل أن تشوى على الفحم مع زبد الفول السوداني لتقدم مع الأرز والخضراوات.

لكن طبق الأرز يبقى سيد المائدة الماليزية كما هي الحال لدى معظم شعوب جنوب شرقي آسيا، وتكاد تجده في كل الوجبات، لذا تتعدد طرق طبخه وإعداده بإضافة الخضراوات والتوابل والمكسرات واللحوم والبهارات وأنواع الصلصة المختلفة، كما يدخل الفلفل الأحمر الحار في معظم الأطباق كأحد لوازم الطبخ الماليزي، إلى جانب حليب جوز الهند والتمر هندي وكم هائل ومتعدد من التوابل والبهارات.

ويعد «الاوام» أهم أطباق المقبلات التي تسبق تناول الطعام ويعد من نوع خاص من أوراق الأشجار الممزوجة مع الفلفل الأحمر مضافا إليه الروبيان المفروم، وهناك أيضا طبق «الاكسا» المحتفظ بخصائصه الهندية كحساء يعد من اللحوم أو الأسماك أو الدجاج المسلوق في حليب جوز الهند والتوابل وصلصة الفلفل الأحمر.

أما أشهر أطباق الإفطار فهو طبق «نانسي ليما» ويتكون من الأرز البخاري بحليب جوز الهند مضافا إليه اللحم أو الأسماك الصغيرة المجففة، ويقدم عادة على ورق أشجار الموز. وأيضا طبق «نانسي باندانج» ويتكون من الأرز الأبيض مع تشكيلة من اللحوم المتبلة، ومن أطباق المعكرونة طبق «مى جاوا» وهو عبارة عن المعكرونة المسلوقة مضافا إليها الفلفل الأحمر مع الروبيان وشرائح البطاطا وحليب الصويا.

ومن المهم أن لا يفوت الزائر لماليزيا فرصة تناول طبق الحساء «سوى ايكور» الذي يعد من لحم ذيل البقر مسلوقا مع الفلفل الحار. وتشكل زيارة ماليزيا خلال شهر مايو (أيار) من كل عام فرصة أخرى أمام الزائر لتذوق الأطباق المشار إليها وغيرها خلال مهرجان الحصاد في ولاية سارواك حيث يحتفل الناس هناك بقدوم العام الجديد مطلع يونيو (حزيران)، ويعد هذا الاحتفال مناسبة لتحضير أكبر عدد من الأطباق المتنوعة، فالطعام يبقى أحد محددات إحياء هذه المناسبة والاحتفاء بها.

وتحرص معظم المطاعم الماليزية على التأكيد لزبائنها أن اللحوم المقدمة إليهم في مختلف الأطباق لحوم «حلال» أي مذبوحة على الطريقة الإسلامية وذلك لاعتبارات كثيرة منها أن المسلمين يشكلون 45 في المائة من سكان ماليزيا، بالإضافة إلى ازدياد أعداد الزوار من البلدان الإسلامية الذين يزيد عددهم على ثلاثة ملايين سنويا، خاصة من منطقة الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون الخليجي، لذا يحرص الماليزيون على طمأنة زوارهم على أن ما يقدم لهم من أطعمة لا يتعارض مع معتقداتهم، هذا بجانب حرص آخر على التأكيد على إسلامية هذا البلد، الذي يسعى لتقديم نفسه بوصفه نموذجا للبلد الإسلامي المتطور الحديث.

ويبقى المهم، وربما المدهش أيضا، في تجربة تذوق الطعام الماليزي، هو إضافة السكر إلى بعض الأطباق كجزء من ثقافة الطبخ التقليدي «المالاوي» ويجد الزائر صعوبة بلا شك في تذوق طبق يجمع بين الطعم المالح والحلو في الوقت ذاته، والمثير والغريب أن السكر يضاف إلى أطباق اللحم والحساء لتقليل حرارة البهارات والتوابل، لكن الأطباق المحلاة بالسكر تبدو غير مستساغة للزوار من خارج قارة آسيا، لذا تعمل المطاعم على تقديم أطباقها بالمواصفات المعتادة إلى جانب الأطباق التقليدية المحلاة بالسكر للراغبين.

وما قد يدهش الزائر لماليزيا أيضا أن كل هذا التنوع في الأطباق، لم يحل دون انتشار مطاعم الوجبات السريعة مثل «ماكدونالد» و«كنتاكي» وغيرها، التي تقدم ساندويتشات الهامبورغر والبروست مع الشبس والكاتشاب مع الكوكولا، ويجد هذا النوع من الوجبات إقبالا من الأجيال الماليزية الشابة.

غير أن المطبخ الماليزي أخذ بعدا جديدا ويعد عالميا، بعد توقيع كلية «برجايا» الجامعية للإدارة والضيافة ومقرها كوالالمبور، مذكرة تفاهم مع مؤسسة اللحوم الأسترالية، تتضمن توقيع عقد مع 28 من أشهر الطهاة في ماليزيا وسنغافورة، ليكونوا فريقا واحدا هدفه الإبداع في المطبخ الصيني من خلال دمج خبراتهم وتجاربهم لتقديم أطباق جديدة، عبر ما يعرف ببرنامج «الشيف الملكي الأحمر» وهو برنامج يجمع بين تقنيات الطبخ المعاصر والطرق التقليدية، باستخدام لحوم الأبقار والأغنام الأسترالية بجانب لحوم الأسماك والدجاج لتوفير خيارات إضافية تناسب المطبخ الماليزي في الألفية الجديدة من خلال إبداع ألوان جديدة من الأطعمة والأطباق غير المسبوقة، الأمر الذي سيضفي على المطبخ الماليزي بخصوصيته وخصائصه المتفردة بعدا عالميا.