المأكولات والحلويات «البيتية».. أطباق تحت الطلب

لبنانيات يمتهن تحضيرها.. وأمهات عاملات يجدن فيها حلا سهلا

TT

في عصر تتسابق فيه السيدات مع الوقت لتأمين متطلبات منازلهن وعائلاتهن، لا سيما المأكولات الصحية أو «البيتية» منها في ظل سيطرة الطعام السريع الذي يفتقد إلى أهم الشروط الغذائية، يبدو أن عقارب ساعات المطبخ البيتي اللبناني تعود رويدا رويدا إلى الوراء، ليبحث هؤلاء النسوة عن كل ما قد يمكن تقديمه لأفراد العائلة بعيدا عن ذلك الذي لا يعرف «أصل مكوناته وفصلها». وفي هذا السياق ينتشر في لبنان في الآونة الأخيرة ما يمكن تسميته بالمؤسسات الصغيرة، أو حتى الأفراد الذين يبدعون في صنع أنواع معينة من الحلويات والأطباق اللبنانية التي تتطلب جهدا ووقتا لصنعها. وقد دخلت على هذا الخط وبشكل ملحوظ سيدات المنازل اللواتي يحترفن فن الطبخ للقيام بالمهمة والعمل على تسويق منتجاتهن المصنوعة يدويا والمحضرة في المنزل لتكون تحت طلب سيدات المنازل وفق الشروط البيتية التي يحرصن عليها.

وانسجاما مع هذا التوجه سلكت السيدة آشا نهرا طريق ابتكار الحلويات الصحية اللذيذة التي اعتادت تحضيرها لأفراد عائلتها، لتخرج منها إلى محيطها ثم إلى المجتمع الأوسع، حيث بات الناس يلهثون للحصول على كل ما يمكن أن يعرف بالصحي بعيدا عن المواد الرخيصة التي وإن منحت الأطباق شكلا جميلا فإنما تأتي دائما مفتقدة إلى النكهة الطيبة. لكن حرص نهرا على الجمع بين المكونات الصحية والشكل الجميل هو الذي جعل من حلوياتها تلقى هذا الرواج، إذ يمكن اختصار حلوياتها بمقولة «العين تشتهي قبل اللسان»، وذلك نظرا إلى اللمسة الفنية التي تضفيها نهرا على حلوياتها التي تتطلب جهدا ووقتا لتنتج في النهاية تحفة فنية من الحلوى، وذلك باعتمادها على الأشكال التي تتقن صناعتها لوضعها كزينة على قالب الحلوى. ولا تنحصر هذه الزينة في شكل معين، بل إن الباب مفتوح أمام كل الاحتمالات وفقا للمناسبة التي يصنع لها قالب الحلوى، أو ما يتوافق مع هوايات صاحب هذه المناسبة أو عيد الميلاد. فليس غريبا مثلا أن نجد سيارة تزين قالب حلوى لأنه أعد في مناسبة افتتاح محل لإيجار السيارات، أو أن يتم تزيين أحد القوالب بسترات لاعبي كرة القدم أو قبعة أو حقيبة يد أو باخرة.. وغيرها من الأشكال الجميلة التي لن تبقى أشكالا جامدة، إنما ستمتد إليها الأيادي وتلتهما الأفواه لأن طعمها لا يقل لذة عن شكلها، وهي مصنوعة بدقة وتقنية من مدة الجيلاتين الملونة التي تحولها نهرا إلى ما يشبه المعجون وتتفنن في صنع الأشكال، وحتى الشوكولاته التي تدخل في صنعها تعمد إلى الحصول عليها من محل خاص، وأن تكون ذات نوعية جيدة. ولا تقتصر حلويات نهرا على تلك التقليدية، فهي تجرب وتبتكر وزوجها يتذوق، لتهتدي في النهاية إلى تسجيل هذا الابتكار وتعديل ما يمكن تعديله لتتم إضافته إلى لائحة الحلويات التي يختار منها الزبون ما يشاء. فهي مثلا استعاضت عن الكريمة العادية التي توضع في قالب الحلوى الإسفنجي بذلك الذي يسمى «Rice Creme» أو «كريما الأرز» التي تضفي نكهة مميزة على الطعم، وهي مكونة من الأرز المطحون وجوز الهند والحليب والسكر والشوكولاته البيضاء، إضافة إلى كريمة «شانتيه». وتعمد نهرا إلى إدخال نكهات عدة من الفاكهة إلى حلوياتها كالـ«مرصبان» والفريز والكرز. ورغم تأكيد نهرا على أن ممارسة هوايتها بدأتها منذ أيام الدراسة وصقلتها عندما تزوجت وصار لديها أولاد تتفنن لتحضر لهم ما لذ وطاب، وتوسعت اليوم لتشمل المقربين الذين أحبوا عملها، فإنها تلفت إلى أنها لا تبغي الربح المادي بقدر ما هي تمارس هواية تأمل أن يأتي يوم وتستطيع أن تفتتح محلا خاصا بها تقدم فيه الحلويات الصحية اللذيذة و«الجميلة».

لا تختلف مسيرة السيدة ليلى عن تلك التي بدأتها نهرا، لكنها استعاضت عن الفن الذي تدخله نهرا إلى الحلويات ب«تفنن» من نوع آخر، وهو الاحتراف في صنع أصعب المأكولات اللبنانية، فليلى التي لا تعمل خارج المنزل، تعرف في أوساط العائلة باحترافها تحضير المأكولات اللبنانية على أنواعها، لا سيما الصعبة منها كالتي تعرف في لبنان بالـ«غمة» وورق العنب والكبة المقلية، وحتى الحلويات العربية التقليدية التي تحتاج أيضا إلى جهد ووقت كحلوى «المفتقة» والمعمول وغيرها من الأصناف. يوما بعد يوم ذاع صيت ليلى «المهني»، وصارت تتلقى طلبات بتحضير أنواع معينة، إلى أن توسعت الدائرة وقررت ليلى التي لم تكن تعمل في أي وظيفة أن تسلك «طريق المطبخ اللبناني». وعن أهم زبوناتها تقول «معظمهن من العاملات اللواتي ليس لديهن الوقت الكافي لتحضير الأطباق الصحية لأولادهن، ويفضلن عدم الاستعانة دائما بالمأكولات الجاهزة، كذلك هناك الكثير من السيدات اللواتي لم يعدن قادرات على تحضير أنواع محددة نظرا إلى أوضاعهن الصحية، فيلجأن إلى الاستعانة بي، إضافة إلى أنهن صرن على ثقة في نوعية المأكولات التي أحضرها. وبعض هؤلاء يطلبن مني إضافة أنواع محددة مثلا من المكونات أو الاستغناء عن أنواع أخرى بما يتناسب مع متطلبات العائلة أو أحد أفرادها الصحية، لا سيما إذا كان هناك أحد منها يعاني من السمنة أو السكري أو الكولسترول...». وتلفت إلى أن بعض الأطباق يكثر الطلب عليها في المناسبات كالأعياد، الأمر الذي يتطلب تحضيرها قبل فترة كالـ«غمة» والمعمول مثلا، فيما تبقى الأصناف الأخرى كالتبولة وورق العنب والمعجنات والكبة مرتبطة بالأفراح وأعياد الميلاد وبالدعوات اليومية.

وفي حين تقول ليلى إن «ظاهرة جديدة جعلت استعانة النساء اللبنانيات بنا تتراجع قليلا بعدما عمدن إلى تعليم الخادمات كيفية تحضير هذه الأنواع رغم صعوبتها، وصرن يعتمدن عليهن في إعدادها»، فإنها تلفت إلى أن بعض النساء، لا سيما إذا كن يحضرن مائدة لدعوة على العشاء أو الغداء، يفضّلن شراء المكونات بأنفسهن ويتركن مهمة التحضير والطبخ لهؤلاء النسوة المحترفات، فيدعونهن إلى المنزل ويتم إتمام المهمة تحت مراقبتهن.