موضة المطابخ المفتوحة في المطاعم تجتاح الهند

شاهد وتعلم ثم تذوق

TT

تحت تأثير الاتجاهات الغربية، شهد تناول الطعام خارج المنزل في الهند تغيرا كبيرا. كان تناول الطعام خارج المنزل يعني يوما ما التحرر من عناء إعداد وجبة الطعام، أما الآن فتتألم بينما يقلب الطاهي الطعام على النار. لم يكن يجرؤ على الصياح في وجه زملائه أو ذرف الدموع بفعل البصل أو العطس في طبقك. في الواقع ترتسم ابتسامة على وجهه وهو يرفع قطعة العجين الدائرية إلى أعلى ويغمز لك أثناء رحلة عودتها سالمة. إضافة إلى ذلك الطاهي على أتمم استعداد لإشراك طفلك الفضولي الذي يريد فرد عجين البيتزا أو خبز «الروتي» الهندي.

هذا هو التوجه الجديد في الكثير من المطاعم في أنحاء الهند، حيث يختفي الجدار الفاصل بين رواد المطعم والطاهي. ويمكن لرواد المطعم سؤال الطاهي عن الوصفة أو الثناء عليه من خلال رفع الإبهام، أو حتى حثه على الانتهاء من إعداد الطعام سريعا.

ويقدم مطعم «بخارى دلهي»، الذي يعد من أفضل المطاعم في آسيا، أكلات معقدة وإن كانت هندية وسط ديكور ريفي بسيط. يوجد في المطعم، الذي استحوذ على الكثير من الجوائز، مطبخ مفتوح وهو ما لا ينبغي تفويته. وجدران المطعم من الحجر ويضم أعمدة خشبية وكراسي عليها وسادات أمام مناضد مرتفعة في مواجهة المطبخ المفتوح حيث تصطف الخضراوات واللحم في الأسياخ. ويقدم المطعم أطباقا من شمال غربي باكستان تعد في فرن الفخار الهندي التقليدي الذي يحافظ على السوائل والنكهة، وبخاصة في طبق الكباب.

يقود الشيف جي بي سينغ إن فريق مكون من 16 طاهيا يشوون الكباب في مطبخ «بخارى» المفتوح. ويتلقى كافة الطهاة تدريبا مكثفا على فن التخليل، والطهي في الفرن الهندي التقليدي. وفي محاولة لتشجيع رواد المطعم على تذوق الكباب الذي يقدمونه بأنفسهم، مُنعت أدوات المائدة وتم توفير مرايل المطبخ. يقدم المطعم مجموعة متنوعة من الأطباق وهي: «طبق هيلاري» و«الطبق الرئاسي» و«طبق تشيلسي».. وقد تم ذلك عقب زيارة لأسرة كلينتون عام 2009.

مع تزايد عدد المطاعم كل يوم، أصيب أصحاب المطاعم بحمى تقديم الجديد إلى زبائنهم حتى يحتفظوا بهم. ويبدو أن المطابخ المفتوحة من تلك الوسائل لتحقيق ذلك، حيث اختفت لافتة «ممنوع الدخول» من فوق أبواب المطابخ، بل إن أبواب بعضها قد اختفت تماما.

لكن يظل كل ذلك نتائج جيدة لما يعرف بـ«المطبخ المفتوح» أو «عرض الطهي». ويقول ساهيل، المسؤول التنفيذي في «كورت يارد ماريوت» في غوراغون بالعاصمة: «لا يقتصر وجود رواد المطعم على تناول الطعام، بل مشاهدة أداء الطهاة وفن الطهي».

ويوجد في «تشينغاري»، المطعم الهندي الذي في فندق «ميريديان دلهي» مطعم مفتوح. وصرح ريشي تشوبرا، مدير الأغذية والمشروبات في المطعم، لصحيفة «الشرق الأوسط» قائلا: «يسعد الرواد بوجود مطبخ مفتوح حيث يحلو شكل الطعام في أعينهم. يعد المطبخ المفتوح مصدر تسلية دائمة بالنسبة إلى رواد المطعم أثناء انتظارهم الطعام. لكنه لا يلقى قبولا لدى النباتيين لعدم رغبتهم في رؤية اللحم المعلق في الوقت الذي يعد فيه الكباب الوجبة الرئيسية التي يقدمها مطعمنا، لذا ابتكرنا تصميما يسمح بعدم عرض اللحوم بشكل رأسي، بل يعرضه بشكل أفقي. ومن جانبنا نحرص على الالتزام بمعايير الصحة والنظافة، حيث يرتدي الطهاة زيا رسميا ويتم تنظيف المساحة المخصصة للطهي والأرض جيدا».

يقول الشيف أجيت، الذي يعمل في مطعم «فلاجز» الذي يضم مطبخا مفتوحا: «نولي أهمية كبيرة للنظافة، وليس لدينا أي مشكلة في مشاهدة أي من رواد المطعم لتحضير الطعام بل يشجعهم الطهاة على ذلك. يمكن رؤية مطبخنا حاليا فقط بشكل جزئي، لكن نود في المستقبل أن نجعله مفتوحا بشكل كامل».

كذلك يضم مطعمان في فندق تم افتتاحه حديثا، وهما «كافي مومو» و«ريد زين نودل»، مطبخا مفتوحا. ويتم تشجيع رواد المطعمين على ارتداء مرايل المطبخ ومحاولة الطهي من خلال الاستعانة بكتاب طهي لجيمي أوليفر يوضع على المنضدة وطلب ما يتمنوه.

كثيرا ما يذهب الزوجان راجيش وسوغاتا شارما، وهم طبيبان في الأربعينات من العمر، إلى «ريد زينن» بناء على طلب أطفالهما الذين يعشقون مشاركة الطهاة في طهي الوصفات المختلفة للشعيرية سريعة التحضير التي يجربونها في المنزل.

ويقول رام فيتال راو، مستشار في فندق قام بتصميم عدد كبير من المطابخ المفتوحة التفاعلية في الهند: «يمكنني القول إن هناك عددا كبيرا من المطابخ المفتوحة. أحيانا تكون مطابخ كثيرة مفتوحة أمام الزبائن الذين يطلبون أو يتناولون الطعام. بينما تتراوح نسبة الطعام الذي في طور الإعداد أو في المرحلة الأخيرة ويعرض أمام الرواد ما بين 60 إلى 80 في المائة من أجل دعم الغذاء الطازج وشهية رواد المطعم». ويضيف: «الطعام ساحة يجلس فيها الجمهور ينتظرون الطاهي».

ويقول لاينيل مينيزيس، مدير مطعم «مراكش» المغربي في زين مومباي، البالغ من العمر 25 عاما، إن الجانب الإيجابي يحدث من خلال التفاعل بين رواد المطعم والطهاة. تثير الأطباق اللبنانية التي تعد أمام المغاربة إعجابهم. ومن تلك الأطباق «داجا شاورمة» المكون من دجاج يطهى بالأشعة تحت الحمراء باستخدام ماكينة «روتاري» رأسية. ويعرف مينيزيس، بصفته أحد الموردين للمعدات التي تستخدم في المطبخ، أن مطابخ المطاعم هي «أسوأ أماكن للتخزين، حيث قطع البصل والصراخ والفوضى». لذا؛ ألا يعني السماح لأي من رواد المطعم برؤية ما يجري وراء الجدران الساخنة فقدان سحر الطهي؟ ألن نأنف من تناول الجبن البراميزان إذا شاهدنا الطاهي وهو يبشرها؟ لكن يؤكد أصحاب المطاعم أنك لن ترى أي قذارة، لأن المطابخ المفتوحة تعني عادة الالتزام بأعلى معايير الجودة.

وصرح أنيرد سنغال، مدير الأغذية والمشروبات في «زيست»، لصحيفة «الشرق الأوسط» قائلا: «الملابس مكوية، والأيدي في قفازات، ويتم استخدام المنظفات بكثرة، والطهاة يتصرفون بشكل لائق». ويوجد في مطعم «زيست» في فاسنت كونغ بدلهي 7 مطابخ مفتوحة، ويمكن لرواد المطعم مشاهدة فناني فريق الطهي، الذي يبلغ عددهم 20 طاهيا، وهم يعدون الطعام الشهي من أي مكان في المطعم.

وفي يوم من الأيام التي يقدم فيها وجبات الأحد الخفيفة بمطعم «زيست»، قام أحد رواد المطعم بدور الطاهي وبدأ في الشي. ويروي سنغال قائلا: «في مرة أخرى خلال حفلة خاصة تبادلت سيدة عجوز وصفة الصلصة الخاصة بها مع وصفتنا». لا يمكن رؤية المطعم من خلال نافذة زجاجية فحسب، بل يمكن أيضا لرواد المطعم دخوله. ويوضح سنغال قائلا: «كثيرا ما يحب الزبائن الوقوف ومشاهدة إعداد الطعام. ومن مميزات ذلك معرفة كيف يبدو الطهي في ظل الروائح التي تحيط بك».

ترجع أم نيا ذات العشرين ربيعا فضل حب ابنتها للطهي إلى مطعم «زيست». وتقول نيلام، الأم البالغة من العمر 50 عاما: «لقد فشلت طوال هذه السنوات أن أقنع ابنتي بالطهي، لكن بعد بضع زيارات إلى المطعم أصبحت تستمتع بالطهي وتجرب الكثير من الوصفات في المنزل وتطرح الأسئلة على الطهاة الذين يظهرون قدرا كبيرا من التعاون. لقد تلقت أول دروس في الطهي هنا».