عرانيس.. باليلة وفول.. في دمشق كل شيء ساخن لذيذ

الباعة المتجولون يغيرون لائحة طعامهم بحسب الفصول

TT

في فصل الصيف يتعود من يزور دمشق على رؤية الباعة المتجولين وهم ينادون على مشروب التمر الهندي والعرقسوس الباردين للوقوف بوجه حرارة الطقس، وما إن يطل فصل الشتاء حتى ترى نفس الباعة بلباسهم التقليدي وهم يقدمون الأطباق الساخنة مثل العرانيس (الباليلة) المشوية والمسلوقة والفول المسلوق الساخن مع البهارات.

فإذا صادفت وزرت دمشق ستشاهد لوحة فنية عناصرها الباعة الفنانون الذين ينجحون في تحويل عرباتهم إلى لوحة فنية تراثية يعرضون عليها الوجبات الدمشقية السريعة التي تبعث الدفء بمنظرها الجميل بمجرد النظر إليها. فعلى الأرصفة وفي الأسواق الرئيسية والحدائق والساحات العامة ينتشر باعة الباليلة مع عرباتهم ومستلزمات تحضيرها مسلوقة أو مشوية حيث موقد النار والوعاء (الحلّة) الواسعة وفيها عرانيس الذرة الصفراء وهي تسلق بالماء المغلي لتقدم ساخنة لذيذة المذاق للزبائن مع رشة ملح، ومنقل معدني يضم عرانيس الذرة النيئة، التي تشوى في المنقل على نار الحطب والفحم أو على موقد موصول بمصدر حراري من غاز البوتان لتقدم للزبائن بلونها المائل للسواد مشوية ذات مذاق لذيذ، ففي سوق الشعلان وسط دمشق يمكث بائع الباليلة، أبو جاسم الجزائري، مع عربته، ويروي لـ«الشرق الأوسط» حكاية تحضير الباليلة مشوية ومسلوقة، والتي يمارسها منذ 30 عاما قائلا: «نأتي بعرانيس الذرة من سوق الهال ونقوم بتنظيفها من أوراقها ونغسلها ومن ثم نضعها في الحلة مع الماء حتى تطهى تماما وتسلق، وتحتاج لذلك إلى نحو الساعتين حسب نوع العرانيس بيضاء أو صفراء قاسية قليلا، أما في ما يتعلق بالعرانيس المشوية فتشوى بشكل مباشر ونحرص على شيّها أمام الزبون، حيث لا يستغرق شيّها سوى بضع دقائق ليتناولها مباشرة ساخنة لذيذة الطعم والمذاق».

على الطرف الآخر من الشارع في سوق الشعلان يقف بائع الفول، أبو عدنان، مع عربته التي تشد انتباه العابرين من خلال تزيينها بثمار الليمون الصفراء. ويشرح أبو عدنان عمله في تقديم الفول الساخن المسلوق قائلا: «الكثير من الزبائن يسألون عن سبب وضع عدد من ثمار الليمون على عربتنا وبشكل مرتفع، وجوابنا هو أننا من خلالها يعرف العابر أن هذه العربات متخصصة ببيع الفول المسلوق حيث لا يمكننا عرض حبات فول مثلا ليراها الناس». يضحك أبو عدنان، الذي يؤكد أن تناول صحن فول مسلوق ساخن مع المرقة المؤلفة من الكمون وعصير الليمون متعة ليس بعدها متعة، خصوصا في المساء والليل مع اشتداد برودة الطقس، إذ إن الفول هنا يثير شعور الدفء لدى من يتناوله، إضافة إلى مذاقه اللذيذ.

ويضيف أبو عدنان: «تحضير الفول على عرباتنا يشبه طريقة تحضيره في المطاعم، والذي يقدم كوجبة فطور، ولكنه هناك في المطاعم يحضر بطريقتين وهما: الفول المدمس حيث يحضر الفول المسلوق مع البندورة الخضراء والبقدونس مع عصير الليمون وكمون وملح، وهناك الفول باللبن حيث يحضر الفول المسلوق مع خلطة لبن وطحينة ويؤكل بحانبه البصل الأخضر أو اليابس، ويتم تناول النوعين من الفول مع الخبز، بينما لدينا هنا على البسطات والعربات نقدم الفول مسلوقا في صحون خاصة (زبادي) تشبه الصحون التي يوضع فيها الآيس كريم، ويتم وضع حبات الفول المسلوقة دون مرقتها، ونرش الكمون وقليلا من عصير الليمون عليها حيث تؤكل من قبل الزبون مباشرة حبة حبة بعد نزع غلافها المسلوق، الذي يزال بسهولة كون الحبات مسلوقة وساخنة. وهناك من الزبائن من يتحلق حول العربة حيث يوجد صحن صغير يضم ملح الطعام مخلوطا بالكمون فيقوم الزبون وبعد نزع غلاف حبة الفول بتغطيس الحبة بالملح والكمون من طرفها العلوي ويتناولها، ويعتبر البعض تناول الفول بهذه الطريقة متعة وتقليدا جميلا، كما أن البعض من الزبائن وبعد أن ينتهي من تناول حبات الفول المسلوق يطلب منا وضع ماء الفول الساخن (المرقة) في صحنه مع عصرة ليمون وكمون، فيشربها لتكتمل لذة مذاق الفول مع الزبون، وهذا أيضا تقليد اعتاد عليه الكثير من الناس حيث يشعرون بطعم لذيذ وهم يشربون مرقة الفول الساخنة التي نقدمها لهم مجانا».

وليس بعيدا عن أبو عدنان وأبو جاسم وقف أحد البائعين على عربته في شارع الحمراء الملاصق لسوق الشعلان، وقد كتب على العربة وبخط عريض «يوجد لدينا ترمس»، نقترب منه ليعرفنا على نفسه: أبو مازن دوماني. وليبرر لنا سبب الإعلان عما يبيع على عربته بعكس زملائه الآخرين من أصحاب العربات الجوالة والبسطات قائلا: «أنا متخصص ومنذ سنوات ببيع الترمس الذي أحضره على عربتي مسلوقا ساخنا، وبسبب قلة بائعي الترمس على الأرصفة بدمشق أقوم بالإعلان عن وجوده لدي، خصوصا أن له زبائنه».

الترمس ينتمي إلى الفصيلة البقولية، يشبه حب الحمّص ولكنه مفلطح شبه دائري وليس مرتفعا كرويا كالحمص. «ونقوم بسلقه على النار وفي وعاء كبير لنقدمه بعد أن تنخفض حرارته في أكياس صغيرة مع الملح والسماق والكمون للزبائن الذين يتناولونه وهم يسيرون في الشارع، وليس بالضرورة أن يبقوا بجانب العربة، وللترمس فوائد كثيرة رغم أن شعبيته أقل من شعبية الفول المسلوق والباليلة رغم أننا نعمل على تحليته، فهو ذو طعم مر، فمن فوائده الصحية والغذائية (كما قرأ وسمع عنها من زبائنه) أنه ومن كونه غنيا جدا بالألياف فهو مفيد للجهاز الهضمي وللجلد ومناسب لمرضى السكر ومخفض للكولسترول».

في جانب آخر من رصيف شارع الحمراء الدمشقي يتوقف بائع الكستناء، تلك الثمار اللذيذة الطعم والمذاق والتي تظهر في فصل الشتاء فقط ويطلق عليها فاكهة الشتاء، يضع البائع على عربته صحونا بلورية اكتظت بثمار الكستناء المتفتح غلافها بسبب شيّها على النار، يتحدث البائع الشاب فراس سليم قائلا: «الكثير من الناس يرغبون في تناول الكستناء المشوية ولكن ليس لديهم الوقت لشيّها في منازلهم على المدفأة رغم أنها في هذه الحالة تشكل متعة وتقليدا جميلا، فنقوم نحن بشيها على منقل خاص موصول بمصدر حراري من الغاز أو على نار الفحم، ونشويها بشكل متقن حيث نقلبها لعدة مرات حتى تشوى تماما ويتفتح غلافها القاسي، ونقوم بعرضها مرتفعة على عربتنا ليشاهدها الناس فيشترونها بأوزان مختلفة».