النودلز.. فن بحد ذاته

أنواع وأشكال عدة لكل منها استخدام

TT

يعمل شابان في أحد المطابخ المفتوحة في منطقة «نوليتا» بهدوء وصمت لأكثر من 16 ساعة حيث يرتبط مصيرهما بصناعة المعكرونة.

«مايكل هودجكنز» شيف جديد وشغوف من نيويورك مولع بالمكونات المحلية والعضوية. أما «هوكان شين» فهو صاحب أعمال واعد من منطقة فوجوا بجنوب الصين ويتمتع بمهارة عالية في التسويق في نيويورك هذه الأيام تتمثل بقدرته على سحب خيوط طويلة من المعكرونة بشكل سلس ومرن بالاعتماد فقط على يديه وطاولة المطبخ.

يقدم مطعم «هونغ ري» الذي افتتح في أكتوبر (تشرين الأول) حساء المعكرونة الذي يجمع بين معكرونة السيد شين ومرق السيد هودجكنز الذي يحتوي على لحم البقر المخمر، ولحم البط، والقرع المدخن واليانسون والزنجبيل والتمر الهندي والفلفل المجفف والفطر. وتمثل هذه الوصفة تعبيرا عن حوار الشرق والغرب منتجة واحدا من أكثر أطباق نيويورك الحديثة شهرة.

وتمثل مهارات السيد شين تعبيرا احترافيا عن فنون صناعة المعكرونة التقليدية في الصين. وحتى قبل آلاف السنين، كانت هناك محال ليلية لبيع المعكرونة في العديد من المدن الصينية، واليوم تمثل معكرونة «نيو ريو لامينا» المسحوبة يدويا مع حساء اللحم البقري في غرب الصين طبقا واسع الانتشار. هناك مجموعة مذهلة من المعكرونة الطازجة التي تقدم في جميع أنحاء الصين - بالإضافة إلى معكرونة «لو مين» و«تشاو فن» المألوفة - والتي بدأت بالانتشار هنا.

يوجد العديد من الأطباق المميزة في الحي الصيني مثل نودلز «ماونت كي» القادمة من منطقة شانغزي في غرب الصين وهو مرق حار يتكون من اللحم والنودلز العريضة المرنة المعروفة بـ«بيانغ بيانغ ميان» نسبة إلى صوت العجين عندما يتم فرده على الرخام.

في مطعم «شنغ وانغ» الكائن في شارع «إلدرج» يقوم الشيف «جين شنغ زهو» بعمل معكرونة «داو زياو ميان» المقشرة بالسكين ذات الحواف المختلفة حيث يقوم بقطع العجينة بسكين فولاذي بحجم قبضة يده. ويقوم بمهنية عالية بضرب العجينة بقوة كبيرة ترسل القطع الصغيرة عاليا في الهواء لتهبط في إناء يحتوي على ماء مغلي. (في الصين، يقوم باعة المعكرونة الذين يحبون الظهور والاستعراض بتعلم هذه العملية من خلال وضع قطع العجين فوق رؤوسهم). يتم بعد ذلك وضع المعكرونة المغلية في مرق اللحم الموضوع في مقلاة لتتشرب كل قطرة من النكهة.

تعتبر أطباق المعكرونة أو النودلز من الوجبات الخفيفة في جنوب الصين لكن تعتبر المعكرونة المصنوعة في الشمال أكثر سماكة وتغني عن وجبة كاملة. ويتوافر النوعان في العديد من الأحياء الصينية في مدينة نيويورك. ويقدم مطعم «سيفو شيو» الكائن في منطقة «فلاشنغ بكوينز» معكرونة دقيقة ممزوجة بمرق صافٍ والزلابيا المصنوعة من قطع الجمبري والجرجير على طريقة هونغ كونغ. وعلى بعد ميل واحد من هذا المطعم يقدم مطعم «دا جيانغ نان بي» الذي يتبنى طريقة مطاعم شانغهاي معكرونة سميكة منزلية الصنع مع حساء حار يحتوي على اللحم البقري مع الخردل الأخضر.

إن أفضل طريقة للتمييز بين أنواع النودلز الصينية هي من خلال نوع الدقيق الذي تصنع منه: حيث تسمى المعكرونة المصنوعة من الأرز «فين» أما المعكرونة المصنوعة من دقيق القمح فتسمى «ميان». ومع ذلك يوجد نوع من معكرونة الأرز يمزج بين دقيق القمح والأرز وغيرها من النشويات التي تصنع من «التابيوكا» أو الذرة. ووفقا لمعايير المطبخ الصيني، فإن لكن من هذه الأنواع تميزا من حيث المضغ والهشاشة والمرونة.

يوجد هناك طريقتان أساسيتان لطبخ المعكرونة. إما من خلال وضعها في المقلاة الصينية أو سلقها في الحساء. يعتبر حساء المعكرونة وجبة غداء كاملة أو وجبة خفيفة للملايين من البشر، ويمكن لمحبي المعكرونة إضافة التوابل مثل زيت الفلفل الحار المجفف وصلصة الصويا وخل الأرز الأبيض والأحمر وسوان كاي والمخلل والبيض المقلي والزلابية.

وتقدم أطباق المعكرونة الطويلة في جميع أنحاء الصين في بداية رأس السنة هناك والتي تمتد من الثالث من فبراير (شباط) وحتى السابع عشر من نفس الشهر. كما تقدم ما يسمى بـ«معكرونة طول العمر» في احتفالات أعياد الميلاد ولا يقوم الطباخون عادة بتقطيعها وإذا كان بالإمكان أكلها من دون قضم يعد ذلك مبشرا بالنجاح. تصنع معكرونة «إطالة العمر» في المقلاة التقليدية الصينية وتعتبر تحديا لمن يرغب بصنعها بالمنزل.

تقول «غريس يونغ» وهي مؤلفة للعديد من الكتب عن الطبخ الصيني: «إن المعكرونة يجب إن تقلى أولا بالمقلاة الصينية»، وتضيف أنه يجب وضع القليل من الزيت عند قلي المعكرونة حتى لا تتجمع معا بالمقلاة ويجب أن تكون جميع المكونات جافة حتى تنضج بشكل جيد.

«يونغ» من محبي معكرونة البيض الصينية لكن في أيام الثلج تجد أن طبق تاغليراني من مطعم رافيتو بشارع هيوستن بديل جيد. ويقول الشيف «سوسر لي» الذي يعمل في مطعم «شانغ» أن الفرق الرئيس بين الباستا ومعكرونة الميان أن الباستا لا يجب مضغها.

ويضيف «لي» الذي ترعرع بهونغ كونغ أن الصينيين يحبون مضغ المعكرونة الهشة والسميكة حين أن الشكل لديهم بأهمية النكهة.

ومن بين جميع أنواع المعكرونة الصينية، يقوم لي بتحضير المعكرونة المسماة «بالإبر الفضية» بالمقلاة الصينية في مطعم شانغ. ويقول إن هذا النوع من المعكرونة يذكره بطفولته بهونغ كونغ عندما كان الباعة بالشوارع يضعون العجينة على أجسادهم ويصنعون منها شكلها المميز.

كما تمسى بمعكرونة اللؤلؤ ويطلقون عليها في ماليزيا وسنغافورة «معكرونة ذيول الفئران» بسبب أطرافها المدببة.

تحضر المعكرونة في مطعم شانغ عن طريق القلي قي مقال سوداء كبيرة على نفس الطريقة المتبعة بشمال الصين حتى يتمكن الغربيون من تناولها. ويضيف الشيف «لي» صلصة الصويا في نهاية الطبخ لتشربها المعكرونة وتجف لتعطي مذاقا مدخنا فريدا.

«شانغ» مطعم فاخر في أحد الفنادق الكبيرة، لكن على مسافة غير بعيدة، يقع مطعم «زيان» بالقرب من جسر مانهاتن حيث يقوم الطباخون فيه بتحضير المعكرونة المسحوبة يدويا ذات الحواف.

ويقول صاحب المطعم «جايسون وانغ» إن أحدث الأطباق لديهم هو معكرونة «ماونت كي» وهي عبارة عن وصفة عمرها ألف عام ابتكرت من قبل إمبراطور قرر أن يضع لحم الخنزير في كل أطباقه. وتعد معكرونة «ماونت كي» التي تصنع من لحم الخنزير المفروم والخل والنكهة الحامضة أصل كل أطباق المعكرونة نظرا للتحدي الكبير في صنعها.

ويضاف لمعظم أطباق المعكرونة، التي تحضر في مطعم «زيان للأغذية الشهيرة»، الكمون والفلفل الحار المجفف والطازج الذي يميز الأطباق القادمة من غربي الصين حيث تقع منطقة «ماونت كي».

يصف السيد وانغ معظم الأطباق التي تقدم في مطعم زيان على أنها حارة وحريفة وهي ترجمة لعبارة «ما لا» باللغة الصينية وهي تعبير عن الطعم الحار والجودة العالية التي تميز هذا النوع من المعكرونة مشيرا إلى ازدياد الطلب من قبل سكان نيويورك على هذا النوع من الأطباق.

أصبحت معكرونة «دان دان»، وهي الطبق الرئيسي في منطقة سيشوان، أكثر انتشارا لدرجة جعلت مطعم «غراند سيشوان» يقدمها بطريقتين مختلفتين، إحداهما حارة والأخرى بالقليل من الفلفل.

وقال الشيف سانغ يون من مدينة نيويورك إنه بحاجة إلى برنامج طويل للتعامل مع إدمانه على المعكرونة الحارة. وقام الشيف بعمل نسخة خاصة به من معكرونة «دان دان» ليقدمها في مطعمه الجديد «لوكشن».

وتعتبر معكرونة «لا ميان» المصنوعة يدويا من أكثر أنواع المعكرونة الجديدة انتشارا والتي أتقن الشيف شين صناعتها. وتختلف معكرونة «لا ميان» عن معكرونة «لو مين» التي يعرفها الأميركيون جيدا حيث إن «لا» تعني «مسحوبا» باللغة الصينية أما «لو» فتعني «مغموس»، في مقلاة مثلا.

أصبحت اللافتات التي تظهر معكرونة «لان زهو» المسحوبة مشهدا مألوفا في بعض الشوارع في الحي الصيني، رغم أن معظم الأشخاص الذين يصنعونها ليسوا مواطنين أصليين من «لانزهو» عاصمة إقليم غانسو الصيني.وباتت معكرونة «لان زهو» دليلا على المذاق اللذيذ في كل مكان مثل بيتزا شيكاغو وفطائر نيويورك.

تقول معلمة الطبخ الصيني الأشهر في الولايات المتحدة الأميركية «فلورنس لين» إن المعكرونة القادمة من إقليم غانسو تتميز بشكلها المرن. وأضافت أنه قبل قرون مضت، اكتشف صانعو المعكرونة في غانسو أن أنواعا معينة من شجر الدردار والذي يسمى «بينغ» بالصينية كان لها تأثير كبير في جعل العجينة أكثر مرونة.

ويحتوي شجر الدردار على كربونات البوتاسيوم التي تمنع عجينة المعكرونة من أن تصبح لزجة. (تستخدم كربونات البوتاسيوم حول العالم في معالجة بعض الأغذية مثل الزيتون واللوتفيسك وعصيدة الذرة).

وتشكل حزم شجر الدردار المستوردة من الصين سر نجاح معكرونة السيد شين، حيث يقدم هذا الخليط مستوى مثاليا من «جياو جينغ» وهو ما يقاربه إلى «قوة المضغ» في اللغة الإنجليزية.

رغم عمل السيد شين في مطبخ مليء بأدوات الطبخ الحديثة، فإنه يفضل البدء بالطريقة التقليدية بكومة من الطحين العضوي الذي تم جلبه من طاحونة في «شامبلين فالي» الذي يحتوي على نسبة أكبر من الجلاتين والبروتين الذي يدعم المذاق والتماسك. بعدئذ، يقوم السيد شين بإضافة القليل من الماء ومسحوق شجر الدردار ويبدأ بعجن الخليط معتمدا على قوة جسده في معالجة العجينة غير المتجانسة.

وقال السيد شين من خلال مترجم فوري إن الطحين العضوي أكثر صلابة من الطحين العادي. ووصل السيد شين إلى هذا المطعم بعد تنقله بين أعمال في كل من بيرو والحي الصيني في مانهاتن، وأضاف أنه تعلم صنع «لا ميان» في شهرين خلال ورشة تدريبية في الصين.

بعد أن تجانست العجينة وأصبحت أكثر نعومة، قام السيد شين بتقسيمها إلى قطع بطول الرغيف الفرنسي ثم قام بالضغط عليها مثل أصابع الجبن. وبعد الانتهاء من عملية الضغط على العجينة، أمسك شين بطرفي العجينة لتتدلى من الوسط ثم جمع الطرفين معا كما لو كان يصنع قطعة بسكويت. وبعد تكرار العملية لعدة مرات، قام بفصل قطعة بحجم قبضة يده وبدأ بسحبها بشكل طولي ليضاعف العجينة حول يده اليسرى ثم قام وبحركات سريعة بعمل شبكة مع العجينة تشبه لعبة الشبكة. أنتجت عدة عمليات سحب إضافية معكرونة رفيعة أو ما يسمى بالصينية «زي» بينما تدعى المعكرونة السميكة «كو».

بعد صنع المعكرونة المثالية، يبدأ عمل السيد «هودجكنز» الذي عمل مؤخرا تحت إشراف الشيف «شيا غالانته». (وبما أن السيد شين لا يجيد الإنجليزية والسيد هودجكنز لا يجيد الصينية، فإنهما يتواصلان بقليل من الإسبانية أو من خلال إشارات اليدين. وقام السيد هودجكنز بإضافة المرق والبروكلي المدخن بزيت الخردل أو اللفت المطهي ببطء في مرق الفجل).

* خدمة «نيويورك تايمز»