مطعم هاكاسان والخلطة السحرية

بعد عقد من النجاح في فرعه الأول.. يبدأ قصة نجاح جديدة في مايفير

طبق سمك القد مع العسل الصيني
TT

«لم يكن أحد يتصور أن المطبخ الصيني يمكن أن يكون مقرونا بالرقي والأناقة، ولم يكن أحد يمكنه تخيل المطبخ الصيني شبيها بالمأكولات اليابانية وأماكن مثل مطاعم نوبو» هذا كان جواب ألين شو، مهندس فكرة مطاعم هاكاسان وغيرها من المطاعم الصينية – الكنتونية الشهيرة مثل يواتشا وواغاماما وتشاشا مون، في مقابلة أجريت معه منذ سنوات في مجلة «تايم آوت» البريطانية، وجواب شو كان ردا على سؤال يطرح نفسه: كيف استطاع شو أن يجعل من المأكولات الصينية والكنتونية الشعبية أطباقا تقدم على موائد أفخم المطاعم التي يرتادها أصحاب الذوق الرفيع في الأكل وأصحاب الملايين؟

فبعد نحو 10 سنوات على افتتاح أول فرع لهاكاسان في عنوان لم يكن أحد يتنبأ بأنه سيصبح من أهم عناوين الأكل في لندن وعند زاوية شارع «توتنهام كورت روت» في زقاق «هانواي» الضيق، والمطعم نفسه واقع تحت الأرض، ديكوره مظلم، إلا أنه وعلى عكس كل التوقعات استطاع هاكاسان أن يثبت نفسه على ساحة المطاعم في لندن وينضم إلى قافلة أرقى وأفخم مطاعم المدينة الحائزة على نجوم ميشلين للتميز.

وعندما انتشر خبر افتتاح فرع جديد لهاكاسان بعدما انتقلت ملكيته إلى مجموعة أبوظبي للاستثمار «تصاميم» عام 2008، توقع كثيرون فشل الفرع الجديد في شارع «بروتن» في منطقة مايفير التي تعتبر واحدة من بين أرقى مناطق لندن، والسبب هو رؤية البعض بأن المطعم سوف يفقد سحره عندما يصبح واحدا ضمن مجموعة من المطاعم المنتشرة حول العالم، كما أن بعض زبائن هاكاسان في الفرع القديم في «هانواي ستريت» رأوا أن الفرع الجديد قد يخطف الأضواء من فرعهم المفضل.

وفي منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني) افتتح هاكاسان الجديد، وأثبتت الأشهر الخمسة الماضية نجاح المطعم وولاء زبائنه للفرعين، واستطاع المهندس الفرنسي غيوم ريشار المسؤول عن تصميم ديكور هاكاسان الجديد أن يحافظ على طابع هاكاسان القديم مع إعطاء رونق يميز الفرع الجديد وهو مدخل داكن يقف عند بابه حارسان وتصل بعدها إلى مكتب الاستقبال لتكون هناك فتيات فاتنات يرتدين فساتين من الحرير الأحمر باستقبالك بالترحاب والابتسامة العريضة، فمنذ اللحظة الأولى لدخولك تشعر وكأنك في هاكاسان القديم ولكن المصمم أضاف إلى المطعم نمطا مختلفا في الطابق العلوي، فإذا قارنت المكان بالفرع القديم سوف تلاحظ أن الفرع الجديد يتمتع بإضاءة أفضل، فالطابق العلوي يقع مباشرة على الطريق العام وبالتالي تساعد النوافذ الزجاجية على بسط أشعة النور على المكان وقد تكون هذه النقطة مهمة للذين يفضلون تناول الطعام في مكان غير مظلم، كما أن هذا القسم من المطعم يناسب تناول الغداء، حيث الألوان جميلة وهادئة، وفيها الكثير من مفردات الديكور الصيني وتلاحظ رسوم التنين المطرزة على المقاعد الجلدية، وفوانيس حمراء تتدلى من الأسقف، وتم استخدام خشب الماهوغوني بذوق وبكمية كافية، ويتميز هذا الطابق أيضا ببار طويل يناسب هؤلاء الذين يفضلون الأكل في أجواء أقل رسمية، وإذا قررت الجلوس في الطابق السفلي، فلن تشعر وكأنك بعيد عن أجواء «هاكاسان» المعتمة، التقليدية المعروفة بالديكورات الأشبه بالأقفاص، فالتصميم هو نسخة طبق الأصل من تلك التي تجدها في المطعم القديم مع إضافات صغيرة مثل البار الطويل القريب من المطبخ وحجم المطبخ الكبير الذي يمكن أن تشاهد حركة الطهاة فيه والغرفة الخاصة.

وبالنسبة للائحة الطعام فهي تشبه إلى حد كبير تلك التي يقدمها هاكاسان في هانواي ستريت، مع إضافة بعض الأطباق لتكون بمثابة توقيع خاص من رئيس الطهاة تونغ تشي هوي الذي يعمل في المطبخ الذي يبلغ حجمه ضعف حجم المطبخ القديم، والطاهي هوي مسؤول عن لائحة الطعام في هاكاسان منذ انطلاقته الأولى منذ نحو 10 سنوات، والفضل يعود إليه في حصول المطعم على نجمة ميشلين، ولكنه أراد بأن يضفي بصمة مختلفة لهاكاسان الجديد فأضاف طبق سرطان البحر النيوزلندي الصغير المطبوخ على البخار، وطبق البط مع الكمأة. ولا يزال طبق «الديم سام» الأشهر في المطعم على رأس طلبات الزبائن إضافة إلى طبق سمك القد بالصلصة والعسل الصيني.

بالنسبة للأسعار قد تكون مرتفعة بعض الشيء ولكن ما يجب أن تدركه في مطاعم في مستوى مماثل لمستوى هاكاسان هو أنك لا تدفع فقط مقابل الطعام إنما تدفع ثمن أجواء المكان الراقية، والدليل على نجاح هاكاسان هو وقت الانتظار على لائحة الحجز التي تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 4 أسابيع.

وفي مقابلة لـ«الشرق الأوسط» مع نيل هاورد، الرئيس التنفيذي لمجموعة هاكاسان، قال إن شركة تصاميم ومقرها أبوظبي تسعى إلى افتتاح عدة فروع لهاكاسان، فإضافة إلى الفرع الموجود حاليا في العاصمة أبوظبي، سوف تشهد دبي افتتاح هاكاسان قريبا، إضافة إلى نيويورك وميامي، مع إمكانية افتتاح عدة فروع أخرى حول العالم حينما تسمح الظروف بذلك، وردا على سؤال «الشرق الأوسط» عما إذا كان تحويل هاكاسان إلى شركة امتياز، قد يؤثر على صورة المطعم وعلى النوعية، لأن إعطاء الامتياز قد يجعل من الصعب السيطرة على آلية العمل وتقديم الأطباق على نفس وتيرة الجودة والنوعية، رد هاورد بأن الشركة تدرس إعطاء الامتياز بتأن كبير لتفادي مثل هذه المطبات.

وقد يكون هاورد محقا في كلامه، خاصة أن بيع مؤسس هاكاسان ألين يو لأسهمه للشركة لم يؤثر على أداء المطاعم ولا على سمعتها، ولو أن انتقال ملكية الشركة في البداية شهد خسارة مادية فادحة إلا أنه سرعان ما عادت المياه إلى مجاريها وعاودت أرباح هاكاسان تزيد عن مستوياتها السابقة.

أجواء هاكاسان فيها نوع من السحر الخاص، فالأكل لذيذ إلا أن الجو يتغلب عليه، ففي فترة المساء سوف تضطر للصراخ للتكلم مع شريكك ولن تجد نفسك منزعجا، فضجيج الذين يتسامرون ويتبادلون أطراف الأحاديث تبعث في نفسك البهجة، فالعشاء أو الغداء في هاكاسان في الفرع الجديد هو تجربة حقيقية لا تقتصر فقط على الأكل وملء البطون إنما هي أقرب إلى المواقع الاجتماعية التي يتواجد فيها الناس للاختلاط مع الأثرياء والمشاهير.

اللافت في هاكاسان مايفير هو أناقة الزبائن المفرطة، فإذا أردت معرفة خطوط الموضة للموسم الحالي والمقبل لا بد من زيارة هاكاسان، فالمطعم أشبه بمنصات عرض الأزياء العالمية، وقد تكون هذه الأجواء هي الجاذب الأكبر لمحبي الاطلاع على كل ما هو جديد.

فبعض الأوساط اللندنية المعنية بتقييم الطعام والمطاعم في لندن تتوقع أن يكون هاكاسان مايفير المكان المفضل للأكل لعام 2011.

بالنسبة للخدمة، قد تقرأ بعض تعليقات النقاد في لندن وتتفاجأ بتفاوت وجهات النظر، ولكن بعد تجربة «الشرق الأوسط» وزيارة هاكاسان في وقت الذروة من إحدى الأمسيات، كان من الواضح أن وتيرة العمل في وقت الزحمة كانت أشبه بخلية النحل ولم يغب مدير المطعم ألبير غونير عن رؤية الزبائن، فكان حاضرا بين الطاولات يراقب ويسأل وينسق معه وبين الندل لتأمين طلبات الحاضرين، كما أنه لم نضطر للانتظار طويلا للحصول على ما طلبناه من طعام ولو أن الأمسية كانت واحدة من أكثر أمسيات الأسبوع زحمة.

نجاح هاكاسان الجديد قد يجعلك تتساءل عما إذا كان من شأنه بأن يحجب الضوء عن أخيه الأكبر «فرع هانواي ستريت»، أول فرع لهاكاسان في العالم، ولكن الجواب سوف يكون بأن نوعية زبائن هاكاسان هي من أصحاب الولاء، فالزبون الدائم للفرع القديم قد يزور الفرع الجديد بسبب «الحشرية» ولكنه قد يعود أدراجه إلى المكان الذي يعرف فيه قياسات السلم الذي يأخذه إلى الطابق السفلي ويعرف عدد المقاعد وأماكنها عن ظهر قلب، ولكن إذا كانت زيارتك لهاكاسان في مايفير هي الأولى، فقد تقع في شباك هذا المكان الساحر الذي يتعدى مفهوم الضيافة والأكل ليصبح جزءا لا يتجزأ من أسلوب الحياة.

للمزيد من المعلومات يمكنكم زيارة الموقع التالي:

www.hakkasan.com