يارا بالاس.. من سجن للنساء إلى مطعم راق على شاطئ مدينة صور

ديكوره يجمع بين البساطة والحداثة

رسومات من الداخل بخط اليد («الشرق الأوسط»)
TT

يمنحك الإحساس بواقعية المكان، فالطبيعة قابعة فيه، وكفيلة بأن تمدك بالطاقة الإيجابية، التي توحي بدورة الحياة وتجددها بين لحظة وأخرى. إنه مطعم يارا بالاس، الجامع بين البساطة والحداثة بأسلوب جذاب، بألوانه المتناغمة، والإضاءة والأثاث، والإكسسوارات التي اختيرت بعناية.

ذوق ديكوري رفيع، يتميز به المهندس ميشال كنعان، الذي استطاع بعد عمل شاق تحويل سجن نسائي يقارب عمره الـ150 عاما، إلى مطعم يتسع لـ500 شخص في منطقة الخراب الشاطئية، صور (جنوب لبنان)، وبات اليوم من أبرز مشاريعه في لبنان.

شهادات السجينات منذ اللحظة الأولى لدخولهن السجن كانت بنك المعطيات الذي استند إليه كنعان في ابتكار تصاميمه، واختيار ألوانه، مشبها السجن بالثلاجة، حيث يتجمد السجين طيلة مدة حكمه فيه.

شهادات حملت أمانا برؤية السماء رمز الحرية، والعصافير التي توحي بالحيوية طيرانا وزقزقة، فيما الوقت كان له النصيب الأكبر والمعبر عنه، بخط من ورق الجدران، يمر في نصف السماء (أسقف الغرف)، والعصافير والغيوم على جانبيه، كتعبير عن الحد الزمني الفاصل بين ما قبل وما بعد دخول السجن، من دون أي رحمة من قطار الزمن.

«يارا هو رمز للآلهة الفينيقية، أما بالاس فهو متأت من الخشب المعتق، العقد، الحجر الرملي، والقناطر، مما يشعرك بأنك داخل قصر، أثناء تجوالك في أرجاء المطعم والملهى والغرف الأربع والباحة الخارجية (التراس)، حيث لكل منها طابعه الخاص»، يقول من يجد أن ربط الثقافي بالتراثي والوظيفي أصبح مثلثا يجري في دمه.

الطابع اللبناني هو الغالب داخل المطعم، وبطريقة عصرية يحرص صاحبها على استخدام الإكسسوارات المنتشرة في الأجواء، خاصة اللوحات والمنحوتات والرسومات، التي تنقلك إلى صور وشواطئها في العصور الوسطى، وإلى جانبك طاولات مميزة بتصاميمها مع ترتيب لافت للوازم المائدة عليها.

اللمسة الفنية الخاصة بكنعان لا تفارق التنسيق بين الأقمشة والمفروشات والستائر، فيما الترابط النسبي دقيق بين السقف والأرضية والجدران من خلال منحها ألوانا متعددة، وإضاءات «باردة» ومتعاكسة، تنسحب أيضا على التشجير المحيط بالمطعم.

الجمال الذوقي انطلق من شقة صديق له، كان يشاركه السكن فيها أثناء دراسته الجامعية، الذي قال له آنذاك «سأسلمك رقبتي وأنا خائف»، ليعلق بعد شهر بعبارة «رائعة، أنت فنان ماهر يا صديقي»، وتكر مسبحة العمل من بعدها.

«التصور ليس عملية مزاجية، بل هو نتيجة معطيات جمالية، أحرص على إقناع العميل بها، وغالبا ما أراهن على نيل إعجابه بأعمالي بعد إنجازها»، يوضح من يبدي اعتراضه على العمل وفق «الموجة»، مؤكدا أنه يعمل كي يجد حقه، ولو بعد مائة سنة، انطلاقا من إخلاصه للمهنة.

وعلى الرغم من أن عمر كنعان المهني قصير، فقد نال الجائزة الأولى في الشرق الأوسط، والثالثة في آسيا، إثر فوز شركة «صور» بأجمل ديكور داخلي، بعد منافسة مع كبار مهندسي الديكور في كل من دبي وقطر (youssef trade company).

بين هندسة معمارية مفعمة بالحيوية والإحساس، والراحة التي ينشدها كل إنسان، تتنوع أعمال كنعان مكانا وتصميما، من البيوت إلى المنازل المستقلة (الفيلات)، والمطاعم، والشاليهات، والفنادق، والصيدليات، وشركات تأجير السيارات، ومكاتب وكلاء البيع في لبنان.

دائرة إبداعات الشاب الجنوبي لم تقتصر بألوانها وتصاميمها على العاصمة بيروت ومحيطها، بل توسعت لتشمل سلسلة مشاريع سياحية وتجارية في كل من سورية وقطر.

أما العراق فإنه على موعد قريب مع افتتاح مطعم كبير في إقليم كردستان، مخصص لكبار الشخصيات والوفود الخارجية.

«الفكرة يجب أن تكون متكاملة، من حيث اللون والشكل والتقسيم، لأن لكل مشروع نمطا معينا، وطريقة توزيع، ووجهة استعمال مختلفة، والأهم أن تخلق من لا شيء شيئا مميزا، لأن الشطارة هي في الإبداع والعطاء»، يشرح كنعان بعض أسرار فنه الجمالية.

وحول العلاقة مع العميل يجيب «التوازن، والتركيز، والعمق، والتناسب هي أهم المبادئ، وبعضها يكون غائبا عن فكره فنوجهه إليها، وإذا تمسك بفكرة ما نوضح له الصورة التي ستنطوي على تمسكه بها، والمطلوب هنا أن نتعامل معه بحرفية وفن ومهارة ومعرفة عالية، إن كان ذلك على مستوى الترميم أو البناء».

أدوار تكاملية يلعبها فريق عمل كنعان، المكون من 7 أشخاص يتوزعون المهام كل ضمن اختصاصه، وبحسب الأصول والشروط العلمية. أما كنعان فلم يعرف الملل طريقا إليه منذ خمس سنوات، على الرغم من أن عمله يمتد من الساعة السادسة صباحا وحتى العاشرة مساء، لأنه يشعر بأن كل يوم هو أول يوم عمل.

القلق يساور ابن مدينة صور، من منافسة المهندسين المتخرجين حديثا «كل واحد منهم يكون أقوى منك لأنه واكب وتعلم آخر الابتكارات، لكن لكل منا بصمته الخاصة، يستدل إليها العميل حتى ولو من خلال إحساسه».

بالسهل الممتنع يصف الشاب الثلاثيني أسلوبه، الذي يتحاشى فيه التعقيدات، ويقترب من كل ما يريح النظر، ويبهج النفس، وينبض بالراحة في ثنايا المكان، ليعيش العميل في أجواء صحية، أنيقة وهادئة، وهذا ما يسعى إلى تحقيقه في مختلف تصاميمه المعمارية الداخلية والخارجية، إشارة إلى أن كنعان، حائز دبلوم هندسة من جامعة الروح القدس - الكسليك، توجه بعدها إلى دراسة الهندسة المعمارية، كاشفا في الختام عن مباشرته تصميم مستشفى متخصص، وهو مشروع نموذجي في الحقلين الهندسي والطبي، لاعتباره واحدا من أصل 10 مشاريع، تصنف عالمية بعد اعتماده المعايير العالمية فيه.