فاكهة «الزعبول» المغربية ملاحقة من رجال الأمن

ثمار الربيع قليلة لكنها مفيدة جدا

TT

تختلف تسميات ثمار الصبار في المغرب لكنها تعني كلها مسمى واحدا. يقول المغاربة باللسان العامي لثمار الصبار «كرموس النصارى»، ويطلقون عليه أيضا «الهندي» أو «الهندية»، وفي منطقة سوس في الجنوب يطلقون عليها بالأمازيغية اسم «تكنارايت»، ومن هذا الاسم أخذت جزر الكناري الإسبانية اسمها، نظرا لوفرة هذه الفاكهة في هذه الجزر التي تقع قبالة شواطئ الصحراء. ويطلق سكان الرباط والمناطق القريبة منها عليها اسم «الزعبول». لا يخضع ثمار الصبار لرواج منظم على مستوى التوزيع والتسويق على خلاف باقي أنواع الخضر والفواكه، رغم أن هذه الفاكهة تساهم بمداخيل لا تقل أهمية مما يساهم به «النعناع» مثلا، والذي يعتبر المغرب أول بلد منتج ومصدر له في العالم. وما زال باعة متجولون يسوقون «الزعبول»، يطاردهم رجال الأمن بدعوى أنهم يمارسون تجارة غير منظمة ولا يؤدون ضرائب. ربما لأن الطابع الموسمي لهذه الفاكهة الشعبية لا يسمح بالتعامل معها بنفس الاهتمام الذي تحظى به الفواكه والخضر الأخرى.

يبدأ عادة قطاف ثمار الصبار بالمغرب في يونيو (حزيران) ويستمر خلال الصيف حتى بداية فصل الخريف، لكن هذا لا يعني أن فصل الربيع يعدم نصيبه من هذه الثمار. «زعبول» الربيع يكون منتجه متنوعا، ويمكن التمييز بين صنفين منه على الأقل. «الزعبول» الصيفي المعروف لدى العامة يعود ليظهر في فصل الربيع إلى جانب نوع آخر من فصيلته، لكنه مغاير له لونا وشكلا وطعما وفائدة.

يقول علي الرجوي، وهو من باعة «الزعبول» الذين يتجولون هذه الأيام بعربتهم، عن «الهندي» الذي يبيعه في هذا الوقت من السنة: «إنه يشبه ما يأكله الناس في الصيف تماما مع اختلاف في الكميات المنتجة، في هذه الفترة من العام تكون قليلة جدا، وتقل حلاوتها مقارنة مع نسبة حلاوة ووفرة ثمرة الصيف». يجلب هذا البائع المتجول سلعته من المناطق المحيطة بمدينة سلا المجاورة للرباط من منطقة السهول ومن باقي القرى الممتدة ما بين سلا وبوقنادل مرورا بمنطقة سيدي الطيبي باتجاه مدينة القنيطرة، ولا يحصل إلا على كميات قليلة يبيعها للراغبين، ويعلل تغير الذوق بكونه راجعا في الأساس إلى الاختلاف في درجات الحرارة التي ينمو وينضج فيها كل نوع. ويشرح قائلا: «في الصيف تكون الحرارة مرتفعة وتتدنى في بقية الفصول».

في معرض تفسير اختلاف الذوق بين ثمار الصبار ما بين فصلي الصيف والربيع، تقول فاطمة العزيزي، وهي طبيبة مختصة في طب التغذية والحمية، إن أهمية دور أشعة الشمس وحرارتها يكمن في تثبيت الفيتامينات والمعادن في الثمرة، ويظهر أنه كلما كانت الحرارة مرتفعة يكون تأثيرها فعالا، والعكس بالعكس.

تحتوي ثمار الصبار على مادة البيتا كاروتين، ومعادن، وبعض الفيتامينات من فئة «أ» وفئة «ب»، وفئة «س»، وفئة «ج» والكالسيوم، بالإضافة إلى كمية كبيرة من السكريات بنسب تتراوح ما بين 6 إلى 14 في المائة وبروتينات بنسبة 1 في المائة ومقادير متوسطة من الأملاح المعدنية بالإضافة إلى احتوائها على نسبة 90 في المائة من الماء، وهي بذلك تقلل من الظمأ لدى أكله في الجو الحار. ولها فوائد غذائية وصحية للجهاز الهضمي عامة، كما أنها تخفض ضغط الدم المرتفع ونسبة السكر في الدم، بالإضافة إلى أنها غنية أيضا بمادة البوتاسيوم التي تساعد على الهدوء العصبي.

تؤكل ثمار «الزعبول» طازجة، ويتراوح ثمن الحبة الواحدة صيفا لدى الباعة المتجولين ما بين درهم ودرهمين (نحو ربع دولار)، وفي هذا الفصل الذي يقل فيه المنتج يصعد السعر ليتراوح ما بين درهم ودرهمين للحبة حسب الحجم. يتراوح طول حبات «الزعبول» بين 4 سم إلى 7 سم. ويختلف لون الحبات بين الأخضر المائل للصفرة إلى الأصفر إلى الليموني ثم الأحمر. تكسو حبات «الزعبول» أشواك صغيرة ودقيقة، مجتمع بعضها مع بعض في أماكن متقاربة. قشرة هذه الثمار سميكة، ما يؤكل من الحبات هو اللب وليس القشرة بطبيعة الحال. ويتطلب سلخها مهارة كبيرة لتفادي الأشواك. طعم «الزعبول» لذيذ ويحتوي على بذور صغيرة لكنها تمر عبر سلسلة الهضم بدءا من المضغ، دون أن تتعرض للتقسيم أو التفتيت بفعل الإنزيمات التي تفرزها المعدة للهضم.

ليست وحدها ثمار الصبار ما يستفيد منه الإنسان، وبغض النظر عن الفاكهة يتم استغلال كفوف الصبار هي الأخرى مثلا بطهيها وتقديمها على شكل أكلات خاصة، وهناك إمكانية أخرى لصنع المربى بها. التعاطي مع الصبار بالطرق العلمية الجديدة بالمغرب ما زال في البداية، وقليلة هي التعاونيات التي تعمل في هذا الميدان وتستخرج زيوت الصبار الذي يصل ثمن اللتر الواحد منه إلى 10.000 درهم، أي 1250 دولارا. هذا عن النوع المألوف. هناك صنف آخر يختلف اختلافا تاما ولا يحظى بالتالي بنفس شعبية «الزعبول»، وهو ذو اللون الأرجواني. وتعتبر منطقة الصويرة جنوب الدار البيضاء على المحيط الأطلسي مصدر إنتاجه بوفرة. ويوجد فيها نحو 200 نوع من ثمار الصبار.

ثمار الصبار ذات اللون الأرجواني تختلف بحجمها الكروي الصغير عن النوع شبه المستطيل المعروف، قشرتها أقل سمكا ومذاقها حامض. تحتوي على كميات مهمة من مادة الحديد، وهو ما يجعل المصابين بفقر الدم يأكلونها بكثرة في هذا الوقت من السنة. لأنها تمد الجسم بعنصر الحديد وفيتامين ب1 وب2. ولها فوائد أخرى، إذ تساعد أيضا على خفض السكر والكولسترول. بعد سلخ قشرته بطريقة مختلفة أيضا، يقدم البائع لزبائنه «الزعبول» الأرجواني بواسطة خشيبات رقيقة. ثمن الحبة الواحدة درهم واحد. ولا يفضل الأطفال الصغار هذا النوع بسبب مذاقه غير الحلو.

و«الزعبول» من النوع الربيعي الأرجواني يأكله بكثرة المرضى المصابون بالسكري طبقا لإفادة علي الرجوي الذي يعرف جيدا الكثير من زبائنه، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «حتى بعض مرضى الكلى الذين يعرفون أهمية هذا النوع ذي اللون الأرجواني من ثمار الصبار يشترون مني كميات». لكن لم يتسنَّ لنا البحث لدى أهل الاختصاص عن دور هذا النوع من الفاكهة في معالجة مرض الكلى أو على الأقل التخفيف من حدته، لكن أهمية ثمار الصبار تتجلى على الأقل في كونها من الثمار القليلة التي لا يستعمل فيها الفلاحون مواد ولا أسمدة كيماوية. إنها طبيعية مائة في المائة، تعتمد فقط على المطر وأشعة الشمس في نموها وتكاثرها، على خلاف كثير من المنتجات الفلاحية، سواء كانت خضراوات أم فواكه.