المطبخ العائلي الأسترالي حسب وصفات الجدة هيزير موللر

دفاتر تدوين الوصفات تحفة حقيقية في كل مطبخ

TT

لا يخلو بيت، في هذا العالم، من كتاب حول الطبخ. ربما في ذلك حكمة، وهي تقول بكل بساطة، إن عالم الطبخ، لا يمكن أن تحده حدود، ولا أن تسيره عقلية واحدة. مع ذلك، فإن الطهاة حول العالم، يبتكرون، يجددون، يخترعون، يؤلفون، يجتهدون، يضيفون، ينقحون، بدافع من غريزتهم وكذلك من قدراتهم الذهنية العقلية، في الأطباق التي بين أيديهم.

يبدو هذا حراكا طبيعيا في عالم المطبخ. حراك يجمع بين القدرة على تكوين الذوق من جهة وبين تمكين الذائقة، من الحصول على ما هو أفضل، إن كان في الطعم أو في التوليف.

الحال، أن مكتبة المطبخ الصغيرة، التي عادة، توجد في ركن من المطبخ نفسه، منهل تثقيف. فالأدوار التي يضطلع بها، أصحاب الاختصاص من طهاة ونقاد ومبتكرين في هذا المجال، تضطلع بها النساء في مطابخهن المنزلية أيضا. وبين الكثير من النساء، عالميا، ثمة نساء يشتهرن بأنهن طاهيات مميزات. نعرف هذا الأمر في بيوتنا، بين جيراننا، في الأحياء حيث يوجد دوما سيدة تمشي وهي تتمختر بين النساء لقدرتها الفائقة على الطهي، ولقدرة مطبخها على جذب المديح.

وعلى الرغم من أن مهنة الطهي، كانت وطوال تاريخها المديد، حكرا على الرجال، فإنها، حاليا، تشهد تغيرات فيسيولوجية بتربع بضع نساء على لوائح الشهرة لكونهن طاهيات محترفات ومجددات في المهنة. ومن هؤلاء نجد في فرنسا آن صوفي بيك التي تحمل 3 نجمات من دليل «ميشلان» لأفضل المطاعم في العالم، كذلك مارثا ستيوارت نجمة التلفزيون الأميركية التي تختص في برنامجها الذي يحمل اسمها بتقديم وصفات تقوم هي نفسها بتحضيرها، والأسترالية مارغريت فولتون الاسكتلندية المولد التي تعتبر أشهر طاهية في أستراليا، حيث بدأت من أكثر من ستة عقود ناجزة في العمل، وتعتبر اليوم أم المطبخ الأسترالي بجدارة.

بما أن الحديث من أستراليا، وعنها، فقد ساهم الحظ، وحده، في اطلاعي على دفتر، هو بمثابة كتاب طهي، كتبته السيدة هيزير موللر على مدى سنوات طويلة، بخط يدها. يحتوي دفتر موللر على عشرات الوصفات التي جزء منها بقي على حاله منذ كتابته وجزء منها عدل ونقح مرات عديدة، في حين أن جزءا آخر منه هو قصاصات من المجلات والصحف التي عادة تخصص قسما من صفحاتها للوصفات التي تساعد القراء على اختيار أطباقهم وتحضيرها. بعض هذه الوصفات كتب إلى جانبه تاريخ وبعضها الآخر لا، في دلالة على أن التدوين ليس احترافيا، وإنما يخضع لمزاج السيدة التي دونته.

الدفتر الذي كان بحوزة جاكي غراس ابنة هيزير، هو بمثابة إرث عائلي. وكما تجري العادة، فإن الأمهات، غالبا، ما يتركن لبناتهن وصفات صعبة التحضير، وأخرى سهلة، لكن الذاكرة لا تتسع لها طوال الوقت. وكل هذا لتكون الابنة ربة منزل وسيدة في مطبخها. أما الدفتر نفسه، الذي يتنقل أحيانا، بين منزل هيزير في ولاية فيكتوريا ومنزل الابنة في أدلاييد هيلز في ولاية جنوب أستراليا، وكذلك بين أيدي عدد من الجارات للأم والابنة على حد سواء، فهو يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة من كثرة ما استعملت وصفاته، أوراقه مزق بعضها، واصفر بعضها وذبل، حتى إن بعض الأوراق فيه أصبحت ضعيفة وغير قادرة على تحمل حتى مسكها.

تتنوع الوصفات الموجودة في هذا الدفتر، سواء من ناحية انتمائها إلى مطابخ عالمية، وثقافات، وبلدان، وأمزجة، أو لناحية الإشارة إلى أن المطبخ الأسترالي، بالأساس، خليط من ثقافات عديدة، هي بالأساس، المكون الديموغرافي لأستراليا، هذه القارة البعيدة عن كل العالم. لكن الوصفات مهما تنوعت وتعولمت تبقى طريقة تحضيرها هي المهمة. فالمطبخ العائلي، الذي في الواقع، نتربى عليه، جميعا، يخضع لأمزجة الأمهات ورؤيتهن الخاصة للحياة. ويبقى في النهاية، مطبخ الأم أو ما يسمى بالمطبخ العائلي، هو المطبخ الذي، مهما ذهبنا وجربنا واختبرنا الذوق، نشعر بالحنين إليه.

يتضح من الاطلاع على دفتر هيزير موللر، أنها لم تكن فقط مجرد طاهية في مطبخها، بل كانت، مجربة تخضع الوصفات لاختبارات كثيرة قبل أن يرسو الذوق النهائي على خلطة خاصة، تكون خلطتها ووصفتها الخاصة.

الحق أنه مع تطور المطبخ ومواده بالإجمال، عالميا، فإن الوصفات التي ورثتها هيزير عن أمها، قليلة جدا، مقارنة مع تلك الوصفات التي وجدتها في الكتب والمجلات وأمعنت في تجربتها. وهذا الدفتر المتمزق هو في جانب آخر منه، تكريم للأم التي تسعى جهدها، لإيصال الأفضل إلى أبنائها، الذين بدورهم، يناضلون في الحياة وهم مشدودون في ذلك الخيط الجميل الذي اسمه العاطفة الأولى التي تذهب نحو الأم حتما.