«أدغال».. مطعم لبناني جبلي يجمع بين الصيف والشتاء «تحت سقف واحد»

يتميز بهندسته وأطباقه القروية وسهراته الفنية ونشاطاته الرياضية

مساحات خضراء وشلالات تزيد المكان روعة
TT

على بعد نحو 35 كيلومترا من العاصمة بيروت، وتحديدا في بلدة «فيطرون»، إحدى القرى الكسروانية في شمال لبنان، والتي ترتفع نحو 1230 مترا عن سطح البحر، يفتح مطعم «أدغال» أبوابه لزائريه لينقلهم إلى أجواء مفعمة بمقومات طبيعية رائعة الجمال يصح وصفها بـ«الغابة العصرية». الدخول إلى «أدغال» لا يعني فقط الجلوس في مطعم لتناول وجبة غداء أو عشاء، فهناك عالم طبيعي في حد ذاته كفيل بأن يمنح زائره أجواء قروية هادئة على وقع زقزقة العصافير وصوت مياه الشلالات المتدفقة في الخارج.

بداية «أدغال» منذ 13 عاما لم تكن كما هي عليه اليوم، فكانت الانطلاقة في ذلك الحين مقتصرة على مطعم لبناني يحترف تقديم المائدة اللبنانية والبلدية بالتحديد، لكن حرص بيار عبد الكريم صاحب هذا المكان، وإصراره على تحقيق حلمه في بناء مطعم لا يشبه سواه، وإيمانه بمقولة «بالإرادة تتحقق الأحلام»، كل ذلك جعله ينجح في الوصول إلى «أدغاله» الذي يصفه بالقول «هذا المكان يشبهني ويشبه شخصيتي بشعري الطويل وحبي للطبيعة».

مخطط عبد الكريم سار في طريقه الصحيح إلى أن وصل إلى مبتغاه. أخذ على عاتقه مهمة التصميم والتنفيذ وإضافة كل ما يراه مناسبا لجعل «أدغال» متجانسا في أجوائه وهندسته الداخلية والخارجية، وكان هو المشرف على كل التفاصيل التي تطلبت منه في بعض الأحيان المشاركة في بنائها يدويا، خاصة لجهة الاستفادة مما يكتنفه المكان من آثار، لا سيما المغارة الطبيعية الموجودة فيه ومزجها هندسيا مع كل الإضافات والتصاميم المبنية حديثا.

يقسم «أدغال» بهندسته «الطبيعية» إلى قسمين، الأول الخارجي ويعرف بالقسم الصيفي الغني بتنوع هندسته وأجوائه المميزة، لا سيما في السهرات وليالي الصيف الباردة في عز فصل الحر. فتستقبلك عند المدخل بئر الماء والبركة الصخرية وسطل المياه الحديدي المعلق عليها، لتشكل الخطوة الأولى في عالم الأدغال، فيما تنتشر الأشجار من كل حدب وصوب. أما الساحة المجاورة فقد تحولت إلى حديقة للحيوانات والطيور، بعض منها من الأنواع النادرة، وعلى مقربة منها في مكان مرتفع يستقر «العرزال» المصنوع من القصب الذي لا يمكن الوصول إليه إلا باجتياز «الجسر المعلق» والمكوث هناك لتناول الغداء في الهواء الطلق. وللـ«cow boys» أجواؤهم الحاضرة في «أدغال» أيضا، إذ اختار عبد الكريم الـ«bungalows» المؤلفة من طابقين والمصنوعة من الخشب لتكون خيارا إضافيا أمام الضيوف، لا سيما منهم من يهوى قضاء ليلته في داخلها أو الجلوس فيها أيضا للاستمتاع بالمأكولات اللذيذة. كذلك، فبيوت «أدغال» التي تتنوع بأشكالها وهندستها استمد أحدها أجواؤه من الطابع الهندي على شكل «دهاليز»، بأسقفه التي غطتها أغصان الشجر.

أما القسم الداخلي الذي تبقى أجواؤه محافظة على طابعها الشرقي في أيامه وسهراته العربية، فهو جاهز لاستقبال رواده صيفا شتاء، وإن كان يتسم بالطابع الشتوي أكثر منه الصيفي. فهنا المكان يرتدي حلة الطابع الشرقي من ألفه إلى يائه، وتأتي «ديوانية الأدغال» لتشكل النموذج الأبرز للجلسة العربية، وليس بعيدا عنها تتوزع الطاولات والمقاعد الخشبية بتصاميمها التي تأتي على شكل طاحونة القمح القديمة والموزعة بطريقة مدروسة كي تمنح كل مجموعة من الأشخاص الخصوصية اللازمة للاستمتاع بجلستهم بعيدا عن الآخرين، وسيجد أيضا محبو النارجيلة ضالتهم في «أدغال فيطرون» الذي تحول في الفترة الأخيرة إلى محطة لتصوير مشاهد عدة لمسلسلات لبنانية.

وهذه الأجواء المميزة في الداخل لا تعني طبعا أن «داخل الأدغال» ينفصل عن خارجه، فالجلسة في هذا المكان ترتبط بطبيعة الخارج من خلال الواجهات الزجاجية التي تفصلهما عن بعضهما بعضا، فالجدران الزجاجية تمنح للجالسين في الداخل لا سيما في فصل الشتاء فرصة إشباع العين بمنظر الثلج الأبيض الناصع الذي يغطي المكان من كل جوانبه. وكي تكتمل الجلسة الشتوية، فللمدفئة التقليدية التي كانت «معبدا وثنيا قديما» قبل أن يتم ترميمها والتي تعمل على الحطب، حضورها في «ديوانية أدغال» مع متطلبات الجلسة من الأطباق والمأكولات التقليدية، لا سيما البلدية منها.

وفي هذا الإطار يؤكد عبد الكريم أن كل أنواع الخضراوات واللحوم والألبان والأجبان يتم إحضارها من البقاع اللبناني، حيث يشتهر أبناء هذه المنطقة بإنتاجهم ومزروعاتهم الصحية. مع العلم بأن سهرة الديوانية يحييها فنانون وموسيقيون يتقنون العزف على آلات فريدة مثل البزق والربابة والعود.

وللنشطات البيئية عنوانها أيضا ضمن البرامج الترفيهية التي تقدمها إدارة «أدغال»، ويتحدث عبد الكريم عنها بالقول «لدينا فريق عمل متخصص في الرياضات البيئية مهمته مرافقة الزائرين إلى منطقة قريبة من المطعم تشبه المناطق الجردية، وقد تجهزنا تماما لاستقبال هواة هذا النوع من الرياضات، وأهمها صيد (التيرو) ورياضة (القوس والنشاب)، إضافة إلى قيادة سيارات الرباعية الدفع وتسلق الجبال وركوب الخيل ونشاطات خاصة بالأطفال. كذلك، لمحبي التخييم في الطبيعة مساحات خاصة بهم وخيم جاهزة لتمضية ليلتهم بعد قضاء (سهرة النار) وتناول العشاء المؤلف من أنواع عدة من المشاوي اللبنانية».