«البريوات».. شهية ومالحة وحلوة

«مثلثات» لذيذة يتناولها المغاربة في الإفطار والسحور

سيدة مغربية تتذوق «بريوات» في إحدى أسواق فاس (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

تتميز المائدة المغربية خلال شهر رمضان بتنوع لافت. ثمة عدد لا يحصى من الأطباق أو «الشهيوات» كما يسميها المغاربة، وهي كلمة عامية مشتقة من تعبير «ما تشتهيه النفس».

ومعظم هذه «الشهيوات» هي أكلات مميزة تحضر في المناسبات باستعمال مكون أساسي ألا وهو «ورقة البسطيلة»، وهي عبارة عن أوراق رقيقة من العجين تستعمل في الأطباق عن طريق حشوها بوصفات متنوعة. ويرتبط الاسم بطبق «البسطيلة» وهو طبق تعود فكرة تحضيره إلى أهل مدينة فاس، إذ هي عبارة عن طبقات من حشو الدجاج واللوز وتقسم هذه الطبقات عن طريق «الورقة»، وهي عبارة عن فطائر رهيفة جدا تصنع بعناية شديدة. و«الورقة» هي المكون الأساسي للأطباق التي تتطلب الحشو ومن أهم هذه الوصفات «البريوات».

يقول عبد الصمد الأشخم، وهو صانع «ورقة البسطيلة»، إن الإقبال على شرائها يتضاعف قبل حلول رمضان، حيث تبدأ عملية تحضير الأطباق الرمضانية، وكذا خلال شهر رمضان فهو مناسبة لتحضير الأطباق المميزة. ويتحدر الأشخم من فاس لكنه تعلم صنع «الورقة» في الرباط ويمتهن صنعها مند خمس سنوات، تصنع الورقة أمام الزبائن في مدخل «باب البويبة» في المدينة القديمة بالرباط، حيث يصطف باعة الحلويات والفطائر وكل ما له علاقة بشهر رمضان. وهو يعتقد أن صنعها ليس بالأمر اليسير، فهي تتطلب صبرا وإتقانا، لذلك تفضل ربات البيوت شراءها جاهزة ويكتفين بتحضير الحشو الذي يلف بداخلها، بدلا من تحضيرها في المنازل. وفي العادة يستغرق تحضيرها وقتا طويلا، إضافة إلى أن سعرها في السوق مناسب جدا ويشجع على شرائها بدلا من عناء تحضيرها في البيت، حيث إن الكيلو الواحد يبلغ سعره 20 درهما (نحو دولارين ونصف)، ويمكن كذلك شراؤها بالتقسيط كل حسب حاجته.

و«البريوات» عبارة عن مثلثات محشوة، وسميت بهذا الاسم لأنها تتخذ شكل أظرفة، وعلى الرغم من أن المثلثات هي الشكل الغالب في صنع البريوات فإن هناك أشكالا مختلفة في تحضيرها مثل «السيجار» و«المحنشة» وهي عبارة عن قطبين محشوين بعجين اللوز وملفوفين بورقة البسطيلة، ويلصق كل قطب بالآخر، ويلف القطب حول نفسه حتى يتخذ شكلا حلزونيا، وعندما تنضج تغمس في العسل وترش بمطحون اللوز الخشن، وهي عادة ما يكون شكلها كبيرا إلا أنها أصبحت تتخذ أشكالا صغيرة جدا بحجم «البريوات». ولا يتمثل الاختلاف في الشكل فقط بل في نوعية الحشو الذي تتعدد وصفاته وكذا تصنيفه.

«البريوات» نوعان، إما أن تكون حلوة بطعم السكر، أو مالحة، الأولى تدخل في صنف الحلويات والثانية تدخل في صنف المملحات. «البريوات» الحلوة تكون في الغالب محشوة بعجين اللوز ممزوجا بماء الزهر والزبد ومواد أخرى، وبعد لفها بالورقة تقلى في الزيت ثم تغمس في العسل، ويمكن استبدال عجين اللوز بعجين السمسم والفول السوداني وأحيانا يخلط بعجينة اللوز كل حسب رغبته. أما البريوات المالحة فتكون محشوة إما بالخضر أو الدجاج أو اللحم المفروم بالإضافة إلى التوابل التي تختلف هي الأخرى حسب كل وصفة، إلا أن أكثرها انتشارا هي المحشوة بالسمك، ويستعمل فيها السمك من النوع الأبيض ممزوجا «بالشعرية الصينية» والتوابل، ويمكن كذلك استعمال الجبن أو الأرز. وتبقى وصفات الحشو قابلة دائما للتغيير والتطوير، حيث تبدع النساء في تطوير هذه الوصفات حسب ما يتوافر لديهن من مكونات في المطبخ، وأحيانا يتأثرن بأطباق أجنبية تضفي طابعا جديدا على الوصفات، بالإضافة إلى أن ربات البيوت العاشقات لفن الطبخ غالبا ما يحرصن على إبداع وصفات خاصة بهن، مما يؤدي إلى التنافس بين الجارات أو الصديقات حول هذه العملية التي تبرز فيها النساء براعتهن في فن الطبخ.

حضور «البريوات» الحلوة والمالحة في مائدة الإفطار الرمضانية لا يترجم فقط خاصية الطبخ المغربي الذي يتميز بمزجه بين المذاقين الحلو والمالح في معظم الأطباق، بل هو كذلك تنوع مناسب لمرضى السكري والضغط لاختيار الطعم الأنسب، وعدا عن أن «البريوات» طبق مهم في مائدة الإفطار فإن حضورها في الوجبات الأخرى يبقى واردا، إذ إن البريوات الحلوة تقدم بعد الإفطار مع أكواب الشاي و«سلو»، وهو مزيج من المكسرات الجافة المطحونة الممزوجة بالزبد، أما المالحة فهي مادة رئيسية في مائدة الإفطار، وهناك من يفضلها في وجبة السحور باعتبارها وجبة خفيفة بدلا من الأطباق الدسمة خاصة للمرضى الذين يعانون من مشكلات الهضم نتيجة تناول الطعام ليلا، وهي كذلك مفيدة بين الوجبات.