برنامج لهواة الطبخ يكتشف موهبتين سيذكرهما تاريخ المطبخ الفرنسي

الفائزان يعتبران أصغر المتسابقين سنا

TT

لا يمكن المرور على مسابقة تخص المطبخ الفرنسي، مرور الكرام. المتابعة في هذه الحالة ضرورية لسببين أساسيين: الأول أن المطبخ الفرنسي هو أهم مطبخ على مستوى العالم، فيما السبب الثاني يختص بمعرفة وقدرة الفرنسيين غير المتخصصين بمطبخهم وتقنياته بل وحتى في طرق التحضير التي تتجاوز الأدوات التقليدية، أو المنزلية الطابع. وطبعا، فإن كل هذا يتم تحت إشراف ومراقبة عدد من نجوم الطبخ الفرنسي مثل جورج بلان الذي يحمل 3 نجمات من دليل «ميشلان»، وجان فرانسوا بييج (نجمتين)، ونجم المطبخ الفرنسي التلفزيوني سيريل لينياك، الذي حين يتم التعريف به، يقال، كونه لا يحمل نجوما، إنه أحد وجوه المطبخ الفرنسي المعاصر.

بدأ البرنامج الذي تقدمه القناة «السادسة» منذ أكثر من عام. جال خلالها غالبية المدن الفرنسية وحتى النواحي والقرى البعيدة. بنيت فكرته على أن يجتمع خمسة أشخاص على مدار خمسة أيام، وفي كل يوم يقدم أحدهم عشاء للآخرين، الذين بدورهم، سيقدمون، بحسب تقديراتهم الشخصية، النقاط التي تأخذ بعين الاعتبار مجموعة أشياء منها الديكور والاستقبال الذي يسبق العشاء وكذلك نوعية الطعام ومكوناته. وفي حالات عديدة لم تشمل الحلقات كافة، البعد الثقافي والحضاري للأطباق التي قدمت في العشاء نفسه. وفي نهاية كل مباراة كان الفائز يحصل على مبلغ ألف يورو لتشجيعه ودب الحماس في نفسه.

والحق أن مشاهد غالبية حلقات هذا البرنامج المهم، كانت تكشف، في نواح عديدة، حب الفرنسيين لمطبخهم من جهة، أو تأثرهم بمطابخ عالمية أخرى، كالهندي والمغربي. أما التأثر بالمطبخ المغربي، الذي يسمونه في فرنسا (الشرقي) فقد كان واضحا جدا، وذلك إن دل، فإنه يدل على التأثير الثقافي - الحضاري الذي أحدثته الجالية المغربية، الكبيرة جدا في فرنسا. غير أن البرنامج، الذي بدا عليه، في السابق، أنه يهتم فقط بالهواة المنزليين من الطهاة، سرعان ما استحدث فقرة، دلت في باطنها، على أن الجد في البرنامج قد بدأ. فالعنوان الذي بدأ «عشاء أقرب إلى الكمالية» تغير مع هذه الفقرة ليصبح «أفضل ثنائي طهاة في فرنسا»، وبالطبع المقصود هنا الهواة. كما أن شروط البرنامج قد تغيرت. فدخل الطهاة الثلاثة الذين سبق ذكرهم، وبدأت المسابقات تأخذ طابعا أكثر جدية وصرامة ودقة. فأن تتذوق الطبق الذي تحضره جورج بلان، يعني أنك أمام امتحان صعب للغاية. هكذا تم اختيار أفضل ثنائي من كل مدينة، وتمت المباريات على مدار عدة أسابيع لترسو في النهاية على عشرة أشخاص، يمثل كل اثنين منهم، ثنائيا مميزا في طريقة طهيه، ثم لتعود وترسو المسابقة على ثنائيين أحدهما من باريس، هو الثنائي الذي يشكله أصغر متسابقين في البرنامج، روبن 18 عاما (تلميذ) وجوي 21 عاما (تلميذة جامعية). وأيضا في المقابل، الثنائي الذي أتى من مدينة صغيرة اسمها بريف لا غيارد، كريستيل 41 عاما (ربة منزل) وجيروم 31 عاما (مدير شركة).

لكن المسابقة في هذه الحالة، أخذت طابعا، شبه قومي. فالحكام فيها لا يقتصرون فقط على الثلاثي السابق. بل تم جمع عشرين طاهيا من حملة النجوم الشهيرة، ليكون التحكيم على مستوى فرنسا، وليأخذ طابعا أكثر جدية واحترافية. فإذا كان من الصعب على هاو استدراج ثلاثة طهاة محترفين فكيف به وهو يستدرج نجوم المطبخ الفرنسي جميعا؟! وطبعا كان يتقدم هؤلاء ميشال غيرارد وهو من أبرز طهاة فرنسا عالميا وصاحب بقاء النجوم معلقة على قميصه لأطول فترة دون أن يخسر إحداها بعد بول بوكوز (بابا المطابخ) كما يلقب.

لم تطل المسابقة طويلا، فبعد الامتحان الصغير من قبل كبار الطهاة للمتسابقين، بدأت المسابقة والتذوق من قبل الجميع. تعددت الآراء بعد كل طبق. فلكل طاه من هؤلاء، رؤيته الخاصة للمطبخ وللذوق ولطريقة التحضير. كما أن لكل منهم، ذوقه الخاص، وملاحظاته اللاذعة في كثير من الأحيان، وإن كان وجود ميشال غيرارد بملاحظاته والكلمات التي كان يختارها بعناية قاموسية بعد تذوقه لكل طبق، قد أضفى على جو المسابقة التطابق الحقيقي بين الثقافة الفرنسية والمطبخ وبين المعرفة بأصول الطبخ باعتباره فنا قائما على الحس من جهة، والتقنيات من جهة أخرى.

تعددت الأطباق التي تم تحضيرها من قبل الفريقين، لكن الفارق بينهما كان دائما شاسعا لجهة استعمال التقنيات. فالفريق الباريسي، رغم صغر سن طرفيه روبن وجوي كان الأكثر استخداما للتقنيات من الفريق الآخر، الأمر الذي جعل الفريق الباريسي يحظى بأكبر عدد من الأصوات المحكمة في نهاية المسابقة ليفوز بسبعة عشر صوتا مقابل ستة أصوات وهو فارق كبير جدا ليس بسبب الذوق بل بسبب التقنيات. فكبار الطهاة، وإن كانوا معجبين بالتزاوج العجيب بين المكونات في أطباق كريستيل وجيروم، فإنهم في النهاية أعطوا الجانب المهني أصواتهم. ليفوز بذلك روبن وجوي بلقب أفضل فريق طهي في فرنسا للهواة، وليتربعا على قمة هذه المسابقة التي أخذت الكثير من وقت المشاهدين طوال أكثر من عام.

لكن يبقى أن المفارقة الثقافية التي أحدثها وجود هذا العدد الكبير من أصحاب النجوم، هي أن بقاء المطبخ الفرنسي على رأس مطابخ العالم ليس سببه القدرة على الطهي بقدر ما هو متداخل مع ثقافة تبدو هي الأخرى وكأنها خلقت لتعيش في القمة.