الأيورفيدا.. علاج هندي يدخل المطاعم

مأكولات بطيئة الطهي وعودة إلى الجذور

مأكولات صحية في «نافدانيا»
TT

مع تفشي الأمراض الوبائية النمطية التي تجتاح الهند، التي يوجد بها 60 في المائة من أمراض القلب في العالم وما يزيد عن 50 مليون مريض بالسكري، تقدم المطاعم قوائم طعام خاصة تعتمد على نظام علاج هندي تقليدي يدعى الأيورفيدا.

وبعيدا عن كونه خاليا من النكهة ونموذجا من الأطعمة الصحية العادية الخالية من المتعة التي يتم تقديمها في الفنادق، فقد لقي الطعام الجديد إقبالا كبيرا.

وقد قامت سلسلة من مطاعم الأيورفيديك بوضع لافتاتها في جميع المدن الرئيسية في الهند تقريبا، حيث بدأت العودة إلى الجذور التي يتم فيها الاهتمام بالطعام.

وفي دلهي نفسها تسارع حركة المأكولات البطيئة أو «ذا سلو فود» - التي بدأتها منظمة مجتمع مدني تسمى «نافدانيا» (الحبوب التسع) التي أسسها دكتور فاندانا شيفا، عالم بيئة شهير عالميا وناشط إيطالي يدعى كارلوس بيتريني عام 2004، كترياق ضد «ماكدونالدز» وأمثاله من مطاعم المأكولات السريعة - للحاق بهذه المطاعم، وإن كانت بطيئة في مسعاها ذلك.

وتمتلك المجموعة ثلاثة مطاعم أو من الأفضل أن نسميها مطاعم المأكولات البطيئة، التي تقدم سلة القمح والذرة البيضاء والميوسلي والبروتينات البقولية والزيوت والبذور الزيتية والأطعمة العضوية وشرائح لحم والأطعمة المحفوظة بصورة طبيعية والمخللات ولب الفواكه الطبيعية ونبات القرع والألوباراثا (بطاطا محشوة في خبز من القمح الهندي) وكهولي بهاتوري (البازلاء مع كرات من دقيق القمح الكامل المختمر المقلي) وبودينغ الأرز الأحمر.

وتتمثل الفكرة في حمل الأفراد على الاسترخاء والاستمتاع بوجبة هندية أصيلة مصنوعة من الحبوب المغذية والبقول والتوابل الغريبة. ويسمح المطعم الصغير لك برؤية المكونات التي ستستخدم في إعداد الوجبة الخاصة بك، أثناء احتساء الليمون أو الشاي بالنعناع. ويعتقد مؤسسو الحركة أن المأكولات السريعة مرحلة عابرة في تاريخ الهند وأن الهنود لن يقلعوا أبدا عن مأكولاتهم الأصيلة المتنوعة والغنية. وقد أثبت مطعم المأكولات البطيئة «ذا سلو فود» هذا، من خلال الأعداد الغفيرة من الأشخاص التي تحتشد فيه.

وتعد نافدانيا شبكة من أصحاب مستودعات البذور ومنتجي الأطعمة العضوية التي تنتشر في 16 ولاية هندية. كما ساعدت نافدانيا في تأسيس 54 بنك بذور في أنحاء البلاد وتدريب ما يزيد عن 500.000 مزارع في شركات «سيد سوفيرجينيتي» و«فود سوفيرجينيتي» و«الزراعة المستدامة» خلال العقدين الماضيين، كذلك ساعدت في تأسيس أكبر شبكة للتسويق المباشر والتجارة العضوية العادلة في البلاد.

كما ساعدت نافدانيا في إنشاء «مدرسة» البذور في مزرعة خاصة بها في «دون فالي» بولاية أوتار خاند، شمال الهند، وذلك من أجل الحفاظ على التنوع البيولوجي والأطعمة العضوية.

كيف يتم المزج بين الأيورفيدا والطعام؟ هل سيكون الطعام مغذيا لكن على حساب المذاق الجيد؟

في مطعم «سوادشاكتي» (قوة المذاق) في مومباي الذي يقدم طعام الأيورفيديك، تكون القائمة معدة بطريقة خاصة تعتمد على مبدأ بانشكارما بخصوص الأيورفيدا، الذي يعني أن الطعام هنا عبارة عن عمل متوازن بين ثلاثة أشياء غير متوازنة وفقا للأيورفيدا، وهي فاتا (الهواء) وبيتا (الحرارة) وكابها (مادة مخاطية).

ويعد مبدأ المذاق الجيد للطعام الصحي الذي يقدمه مطعم «سوادشاكتي» وليدة فكر دكتور بانكاج نارام، خبير في فن قراءة النبض. وقد ساعد الكثير من الأشخاص الذين يعانون من التهاب المفاصل والسكري والتوحد والسمنة والعقم وارتفاع ضغط الدم ومتلازمة التعب المزمن وأمراض جلدية والصرع باستخدام أساليب علاج الأيورفيديك. وقال روشان كاماث، مدير عام المطعم: «يأتينا 6000 عميل شهريا، يمثل الأجانب بينهم 15 في المائة من بلاد مختلفة مثل الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة».

وقامت دكتورة سميتا نارام، زوجة الدكتور بانكاج وهي خبيرة أيضا في التغذية، بتأليف كتاب عن الطهي باستخدام مقادير الأيورفيديك يسمى «نظام غذائي للصحة والجمال والمناعة وطول العمر». كما ظهرت أيضا في برنامج تلفزيوني يحظى بشعبية واسعة في كل أنحاء البلاد لتتحدث عن العلاج المنزلي بالأيورفيديك المنتشر في جميع أنحاء الهند. وفي كتابها عن الطهي، تقدم سميتا نارام مجموعة كبيرة من المقادير التي تناسب النظام الفردي للأشخاص المتحمسين على إدراج نظام غذائي يشتمل على الأيورفيديك في نمط حياتهم. لذا تم تجنب الطماطم لأنها تعمل على زيادة معدل حرارة الجسم، نظرا لكونها حمضية، ويستخدم الكوكوم بدلا منها.

تشتمل الطبخات في مطعم «سوادشاكتي»، التي تتم تحت إرشاد دكتورة سميتا نارام، على كل شيء بدءا من القمح وحتى الجبن، وذلك حتى يكون الطعام أكثر صحة. ونظرا لأن الدقيق النقي له نفس القيمة الغذائية للفلفل، يتم استبداله بدقيق مصنوع من حبوب مختلطة، يتكون من الذرة والدقيق الكامل، بحسب براشانتي ساوانت، مدير تسويق مطعم «سوادشاكتي». كما يتم استخدام التوفو (طعام من فول الصويا) بدلا من الجبن القريش والكوكوم (كذلك يتم استخدام الغارسينيا إنديكا، نبات من عائلة المانغوستين (كلوسياكياي) والشمندر الأحمر واليقطين الأحمر لإعداد أطعمة مثل صوص الباستا الذي لا يشتمل على طماطم).

وأشار سوانتا أن «التوابل الحارة التي تكون لذيذة بالأساس» جزء هام من طعام الأيورفيديك. ومن الممكن أن يظن المرء أن التوابل مثل الهال والقرنفل والشمر يرفعون معدلات حرارة الجسم، لكنهم يعملون على تحسين عملية الأيض، بحسب سوانتا. ولا تقتصر قائمة الطعام في مطعم «سوادشاكتي» على الطعام الهندي وحسب. في الواقع، إنه يشتمل على بعض العناصر المدهشة.

يضم المطعم طاهيا مدربا يقوم بإعداد الطعام باستخدام التوابل الهندية اللذيذة المفيدة للجسم وتساعد في حل مشكلات الحموضة. وهنا يمكن أن يحصل المرء على الباستا المصنوعة من الأرز.

كما يقدم المطعم مجموعة من «الكوكتيلات» التي تشتمل على مكونات غير متوقعة مثل الموز والموخواس. كما أنه يشتمل أيضا على طعام قد يبدو غير صحي مثل الخبز الهندي المقلي (باراثاص) الذي يصنع من السمن الهندي النقي. لكن ألا يسبب السمن انسداد الشرايين؟ أجاب سوانتا: «على العكس، إنه يقلل حرارة الجسم».

إن أول شيء تشعر به عندما تدخل هذا المكان هو الهدوء، فهو محاط بالأشجار والخضرة، حيث يتقدم المطعم شجرة جامون كبيرة عند المدخل. كما أن المطعم مفتوح من جميع الجهات، وتدخله أشعة الشمس من خلال الظلال. كذلك فإن هناك مرايا صغيرة على شكل نجوم وأزهار مثبتة على الكراسي الخشبية والطاولات، وهو ما يجعل المقاعد مريحة. وهناك الكثير من الأوعية المعلقة على الجدران، وهو ما يمنح الديكور شكلا مميزا. ويعمل هذا الجو المنزلي على إثارة الشهية.

وكانت قائمة الطعام عادية للغاية، لكن عندما قمنا بفتحها تزايد اهتمامنا. قد يقدم مطعم «سوادشاكتي» طعام الأيورفيديك القديم، لكن أسماء الطعام قادمة من الثقافة المعاصرة. فهناك طعام يسمى «إنديانا جونز» (ربما تقديرا لهاريسون فورد)، وآخر يسمى «إنديرا» (فلا أحد يستطيع أن ينسى رئيسة الوزراء الهندية الأخيرة)، وطعام يسمى «أغني ديباك» (حساء يجعلك تشعر وكأن هناك نارا مشتعلة بداخلك)، وهناك مشروب جيد يسمى «أورجا»، يمدك بالطاقة مصنوع من التمر واللوز، ويبلغ سعره 40 روبية. وهو مشروب كثيف ولذيذ عبارة عن مزيج رائع بين التمر واللوز. وقال مانوج كيني، كبير الطهاة: «التمور مفيدة لمرضى السكري، وهي حلوى منخفضة السعرات الحرارية». وتشتمل المقبلات التي تسمى «مونج بودلا المحشية» التي يبلغ سعرها 35 روبية على الجزر المبشور والفلفل الأحمر والبطاطس، ويتم ملء الفراغات بأوراق نباتات خضراء. وقال مانوج إن المونج (نبات أخضر) يقلل من حرارة الجسم ومصدر جيد للبروتين. ويعد حساء اليوم، الذي يتكون من مجموعة من اليقطين الأبيض والأحمر وذرة من التوابل، والذي يبلغ سعره 35 روبية، إجابة مثالية لغير محبي اليقطين. كما أن اليقطين مفيدا لتنقية الدم.

ويبلغ سعر وجبة «فيغ ميلي فيلي» و«روتي كي توكري» 65 روبية و35 روبية على التوالي، وتتكون من مزيج من الخضراوات الأوروبية مثل الفلفل الأحمر والأصفر والتوابل الهندية اللذيذة. وتتمثل هذه التوابل التي يتم استخدامها في المطعم في الكمون والقرفة والقرنفل والروزماري والزعتر والفلفل الأحمر ومسحوق الزنجبيل، الذي يمنع الحموضة. وكان الـ«روتي كي توكري» عبارة عن سلة من الروتس (الخبز الهندي) المصنوع من الأرز والحبوب المختلطة والذرة، وهو عبارة عن مزيج من الطعام الأوروبي والخبز الهندي.

وتولي هذه المطاعم اهتماما كبيرا باستخدام المكونات المتاحة محليا وطرق الطبخ والمقادير التقليدية، في محاولة للحفاظ على تنوع الطعام.

ويتم طهي الطعام وفقا لضوابط علاج الأيورفيديك، حيث يتم استخدام التوابل اللذيذة والكثير من الثوم والسمن البقري المصنوع في المنزل، الذي يتسم بانخفاض السعرات الحرارية، والكوكوم بدلا من المأكولات الحمضية مثل الطماطم والخشخاش واليقطين الأحمر والأبيض ومرق اللحم الكثيف بدلا من الكاجو. وبالطبع يعد الطعام المقلي من المحظورات في هذا المطعم.

وفي مدينة بانغالور، محور تكنولوجيا المعلومات، التي تقع جنوب الهند، تأسس العام الماضي مطعم يسمى «سانجيفانام» يقدم طعام الأيورفيديك الصحي، وهناك سلاسل أخرى لهذا المطعم في المدن المجاورة مثل مدينة تشيناي (في ولاية تاميل نادو) وكوزيكود (في ولاية كيرالا).

ويدير مطعم «سانجيفانام» عائلة تشولايل، التي تعد أحد أشهر أسر الأيورفيديك في كيرالا حيث تقوم بإعداد طعام الأيورفيديك منذ أجيال. ويقوم المطعم بتقديم طعام يتم إعداده من خلال المزج بين الأيورفيدا واليوغا والعلاج بالطبيعة. ويتم طهي الطعام على نار هادئة، كما أنه غني بالألياف الغذائية. وتم إعداده بواسطة طرق طهي خاصة دون استخدام مكونات مثل السكر الأبيض ومواد التلوين والمكونات الاصطناعية الأخرى والمواد الحافظة، إلخ. إن الجودة الطبيعية للفيتامينات والمعادن موجودة في كل طبق. وعلاوة عن ذلك، يتم إعداد كل طبق في أوانٍ خزفية وبرونزية ونحاسية فقط.

ويقدم مطعم «سانجيفانام» خيارين، وجبات راجاكيام التي يتم تقديمها على المائدة (في بانغالور) وعلى أوراق الموز (في تشيناي وكوزيكود) ووجبات حسب الطلب.

إن وجبات راجاكيام المميزة التي يقدمها مطعم «سانجيفانام» شيقة ولذيذة حيث إنها تعد وجبة متوازنة غذائيا ونقية تعتمد على مبادئ الأيورفيديا والأعشاب الطبيعية. ويتم تناول الوجبة بطريقة منظمة تقوم على امتصاص المواد المغذية الموجودة في الفاكهة والخضراوات قبل امتصاص الحبوب.

وتبدأ الوجبة بشرائح من الموز الناضج مع جوز الهند المبشور. ويعد هذا الطعام مثل المقبلات، ومن المؤكد أنه سوف يثير شهيتك (المرحلة الأولى). بعد ذلك تأتي خمسة أنواع من العصائر يتم تقديمها مثل الفودكا التي يجب أن يتم تقديمها بصورة معينة، من اليمين إلى اليسار. والعصائر النباتية عبارة عن عصير التمر (الغني بالمعادن)، وحساء الخضراوات (الذي يعد من المقبلات) ومياه نخالة الأرز (الغنية بفيتامين ب). والنوعان الأخيران من العصائر عبارة عن أنواع مختلفة من مخيض اللبن (المرحلة الثانية).

وتتكون المرحلة الثالثة من أطباق خضراوات غير مطبوخة منقوعة في حليب جوز الهند. أما المرحلة الرابعة فتتكون من أطباق خضراوات نصف مطبوخة أو نصف نيئة أو نصف محمصة نضرة وهشة في الوقت نفسه، ربما لا تستطيع أن تجد مثيلا لها. وتتكون المرحلة الخامسة من أطباق خضراوات مطبوخة مع أرز أحمر وسامبر (بقول مطبوخة مع الخضراوات) والكثير من الصلصات.

وأخيرا يأتي وقت الباياسام والفيولا! ويتم إعداد الباياسام هذا من حليب جوز الهند المزين بفاكهة مجففة. وهو ذو مذاق رائع! وتبلغ تكلفة وجبة الراجاكيام 200 روبية لكل فرد.

ويعد هذا المطعم مكانا تجد فيه مشروبات نباتية في قائمة المشروبات دون أن تخشى أن يكون هناك ألبان. كما أن قهوة الكزبرة وقهوة الزنجبيل وقهوة الريحان هناك رائعة ومنعشة، كذلك يتم تقديم المياه الفاترة ويتم مزجها إما بالكمون وإما بالكزبرة.

ويستخدم مطعم «سانجيفانام» حلوى النخيل كمادة للتحلية في مقابل السكر الأبيض النقي. وكما ذكرنا في السابق، فإن جميع المأكولات يتم إعدادها في أوانٍ برونزية وخزفية ونحاسية وفقا للمبادئ القديمة للأيورفيدا. ولا توضع الخضراوات في الثلاجة كما لا يتم إعادة تسخين الطعام المطبوخ. ودائما ما يتم شراء الخضراوات طازجة ويتم إعدادها في اليوم نفسه. كما تنمو الخضراوات والفاكهة بصورة عضوية ويتم إنتاجهم محليا. وعندما يتعلق الأمر بالتوابل يتم اتباع الوسطية والاعتدال في اختيارها. كذلك لا يتم استخدام الفلفل الأحمر أو البصل أو الثوم. ويتم إعداد الطعام على نار هادئة. لذا يجب أن تنتظر على الأقل 20 دقيقة قبل أن يتم تقديمه إليك. لكنه يستحق الانتظار، فهو مغذٍّ وشهي في الوقت نفسه.