مطبخ أميركا اللاتينية يشهد ثورة في البيرو

شظايا المطاعم المعروفة تصل إلى لندن

TT

يصعب وصف الثورة التي حصلت في بريطانيا على صعيدي فن الطهي وفن الأكل خلال السنوات العشرين الماضية، إذ إن العاصمة لندن والمدن الرئيسية من الشمال إلى الجنوب تضم حاليا عددا هائلا من المطاعم والمأكولات المحلية والأجنبية. وقد دخلت مراكز التسوق التجارية على خط هذا التطور المهم وبدأت بإنتاج كمية لا بأس بها من الأطباق السريعة للمأكولات الإيطالية والفرنسية والإسبانية والعربية والهندية وغيرها. ويمكن العثور حاليا على مطاعم تمثل جميع الأمم في العاصمة لندن من المطاعم الأفريقية كالصومالية والإريترية والإثيوبية والمغربية والسودانية وغيرها إلى المطاعم الآسيوية التي تضم المطبخ الإندونيسي والماليزي والتايلاندي والفلبيني والتركي، وبشكل خاص الهندي والصيني، إذ إن الجاليات الصينية والهندية والباكستانية من أكبر الجاليات الآسيوية في البلاد.

ولا ينحصر الأمر في المطاعم والمأكولات الغريبة التي تأتي من آسيا وأفريقيا، إذ إن هناك الكثير من المطاعم الأوروبية والأميركية واليونانية والبرتغالية أيضا وخصوصا مطاعم البيتزا ووجبات الهامبرغر السريعة.

وقد حصل هذا التطور بسرعة هائلة وخلال الطفرات الاقتصادية والائتمانية التي شهدتها البلاد منذ نهاية الثمانينات، إذ انحصر الأمر قبل ذلك في مطاعم الـ«فيش أند شيبس» (السمك والبطاطس المقلية) ومطاعم الكاري الهندية وخصوصا في شمال البلاد، والمطاعم الصينية التجارية ومطاعم البيتزا ومطاعم الكباب الرخيصة التي تنتشر في كل مكان.

على أية حال فقد جذبت العاصمة لندن عشرات الأنواع من المطاعم العالمية المختلفة، كما جذبت المئات من خيرة الطباخين المعروفين في إيطاليا وفرنسا وأستراليا، وأصبح هناك الكثير من المشاهير من الطباخين البريطانيين، على شاكلة ديليا سميث وكيث لويد وجايمي أوليفر.

وقد انتقلت هذه الثورة إلى شاشة التلفزيون بالطبع، وأصبحت البرامج الخاصة بالطبخ من أكثر البرامج الحديثة والمتوفرة التي تقدم بديلا مسليا لبرامج الطبخ القديمة والمملة التي تتقيد بالتعليمات والوصفات فقط. وأصبحت هذه البرامج مكانا مثاليا لصناعة النجوم واستضافتها، وأصبح هؤلاء النجوم أيضا أشهر من نار على علم.

على أية حال فإن لندن تتوقع ثورة جديدة هذه الأيام على هذا الصعيد، ويتردد كثيرا في وسائل الإعلام أن المدينة أو بريطانيا بشكل عام تنتظر غزوا جديدا وكبيرا من قبل المطاعم والمأكولات الأميركية اللاتينية. وجاء في تقرير خاص بالأمر في صحيفة «الإندبندنت» اللندنية، أن أشهر الطباخين في العالم وهو الطباخ الإسباني القشتالي فيران أدريا، يتوقع دخول بعض الأطباق الأميركية اللاتينية على خط المأكولات المعروفة والمشهورة في أوروبا وبريطانيا بشكل خاص، خلال وقت قصير وأن بعض هذه الأطباق ستكون جزءا لا يتجزأ من المطبخ اليومي كما هو الحال مع الحمص المتبل هذه الأيام. وقد أصبح الحمص منذ سنوات من أهم المقبلات التي تباع في البلاد إلى جانب بعض الأطباق التقليدية كالكسكس المغربي. وبعد التجربة الأخيرة والناجحة لمؤسسة «سانزبري» المعروفة لسلاسل السوبرماركت، مع المطبخ المكسيكي وأنواعه، فإن المؤسسة تفكر بالانتقال إلى المطابخ الأميركية اللاتينية الأخرى التي قد تقدم استثمارا طويل الأمد.

وتوقع الكثير من الطباخين والملمون بأمور المطابخ العالمية وأسواقها، أن تصبح قائمة الطعام الأميركية اللاتينية، إحدى قوائم الطعام الرئيسية الجديدة في المطاعم والمراكز التجارية المعروفة ابتداء من الشهر المقبل. ومن المطاعم التي يتوقع أن تفتتح قريبا وخلال أسابيع، مطعم «كابانا» البرازيلي النكهة المتخصص في اللحوم المشوية بشكل عام، سيفتتح فرعين لـ«كابانا» في منطقة الويست اند في العاصمة لندن، وآخر في مركز التسوق وست فيلد في منطقة ستراتفورد. وينتظر المعلقون والمحللون والنقاد في بريطانيا افتتاح هذين المطعمين، في هذه الفترة بالذات التي تشهد أزمة اقتصادية كبيرة من جانب ومنافسة قوية بين الأسماء المعروفة في عالم الطعام والمطاعم في البلاد. إذ يشكل هذا الافتتاح نقلة جديدة على صعيد الأنواع المتوفرة في العاصمة البريطانية التي تشمل معظم الجنسيات والأقليات حول العالم كما سبق وذكرنا.

كما ستعمل سلسلة مطاعم «لاس اغواناس» المتخصصة في المأكولات الأميركية اللاتينية، على افتتاح مطعمين خلال الأسابيع المقبلة في مدينة نيوكاسل في الشمال الشرقي من إنجلترا ومنطقة شيفيلد الصناعية المعروفة. وسيتم توسيع نشاط روديزيو ريكو على صعيد المطاعم البرازيلية خارج العاصمة لندن إلى مناطق أخرى خلال الفترة المقبلة، وخصوصا منطقة برمنغهام التي تشمل ثاني أكبر المدن في البلاد. وعلى الأرجح أن يفتتح أيضا وقبل ذلك بكثير مطعم جديد لسلسلة «دي لا بانزا» الأرجنتينية في شمال لندن وبالتحديد منطقة ايزلينغتون.

وتؤكد «الإندبندنت» بهذا الصدد، أنه سيتم افتتاح مطعمين آخرين من المطاعم الأميركية اللاتينية في وسط العاصمة لندن العام المقبل، المطعم الأول في منطقة سوهو المعروفة بحاناتها ومطاعمها ومقاهيها، سيحمل اسم «سيفيشي» (اسم أهم الأطباق في المناطق الساحلية في أميركا محضر من السمك النيئ المنقوع بالحامض والفلفل الحار) والمطعم الثاني في منطقة شوريديتش تحت اسم ليما (عاصمة البيرو).

ولا بد من الذكر هنا أن الطباخ الشهير فيران أدريا يعمل هذه الأيام على تحضير فيلم وثائقي عن عالم الطعام في البيرو، ويصف البعض من المرتبطين بعالم الطعام في البيرو على هذا الصعيد، بأنها «بلاد الألف نكهة». ويعتقد أدريا أن أميركا اللاتينية تعيش هذه الأيام نشوة ثقافية مهمة جدا من خلال مطبخها وبالتحديد في البيرو التي تشهد ظاهرة من التغيير الاجتماعي والثقافي من خلال فن الطبخ. وحسب المعلومات المتوفرة حاليا لا توجد أي إشارة إلى حصول ذلك في أي دولة أخرى من دول العالم، رغم التطورات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية الكثيرة والمهمة في الكثير من البلدان خلال العقد الماضي. ومن هذه الدول بالطبع الهند التي تعتبر أيضا ثروة مهمة في عالم الطعام وتنوعه، والصين وغيرها من الدول الصاعدة كتركيا وماليزيا وتايلاند وفيتنام وغيرها.

وتشير المعلومات المتوفرة على هذا الصعيد أيضا إلى وجود أكثر من 8000 طباخ متدرب حاليا في العاصمة البيروية ليما في هذه الفترة مما سيؤدي بعد فترة وجيزة إلى حدوث ثورة ونهضة جديدة في عالم الطعام في البلاد. ولأن البيرو تقدم الكثير في عالم الطعام، يتوقع أن تستقبل لندن المطاعم البيروية بالترحاب وقد غابت عن المدينة خلال السنوات الماضية بمحض الصدفة لا بسبب الطلب. ويقول صاحب مطعم ليما الذي سيفتتح في شورديتش، فيرغيليومارتينيز في هذا الإطار إن الطعام مهم جدا في البيرو لدرجة أن حياة الإنسان في البيرو تدور بشكل أو بآخر حول الطعام والطبخ والأكل والوصفات الجديدة والطيبة. أي أن هناك اهتماما حيويا ويوميا من الإنسان العادي في البلاد بالأكل وطبيعته وأنواعه، مما يجعل من المطابخ المختلفة في جميع أنحاء البلاد ساحات للتجارب وخزانة ذاخرة بالمطيبات.

ويقول ديفيد بونتي الذي سيفتتح مطاعم «كابانا» إلى جانب جيمي باربار الشهر المقبل، إن أميركا اللاتينية على صعيد الطعام لم يتم اكتشافها بعد، وإن مطابخ أميركا اللاتينية تحظى باهتمام كبير هذه الأيام من الكثير من الطباخين والمهتمين بعالم الطعام التجاري، وخصوصا الطباخين الباحثين عن نكهات وعوالم جديدة من عوالم الطعام والأكل وأذواقه وأنواعه.

ورغم أن مدينة ريو ديجينيرو الأرجنتينية لا تزال من أهم المحطات السياحية وعلى رأس لائحتها في شمال المعمورة، فإن عدم الاستقرار السياسي في البلاد وفي الدول الأميركية اللاتينية قاطبة، ساهم في تأخر الثورة المطبخية وتوريدها إلى الخارج، لكنه لم يمنعها.

وإلى جانب التطور والتوسع الإيجابي والمهم للمطاعم الأرجنتينية والبرازيلية التي تركز على المشاوي (سلسلة غواكو) في لندن وغيرها من المدن، فإن التجار والمستوردين للمأكولات والأنواع اللاتينية يسجلون ارتفاعا على الطلب على الكثير من الأنواع خلال هذه الفترة وخصوصا على عنبة الاكاي وخبر جذر الكاسافا المعجون بالجبن والغني بالكربوهيدرات والشوكولاته الكولومبية.

وتقول الموسوعة الحرة في تعريفها وإطلالتها على عالم الطعام أو المطبخ في أميركا اللاتينية، بأن هذا المصطلح يشير «إلى مجموعة من الأكلات والمشروبات وطرق الطهي المنتشرة في أميركا الجنوبية». وأن هذا المطبخ الأميركي الجنوبي يغطي مساحة شاسعة من الأرض ولذا قد نجد الكثير من الاختلافات من أمة إلى أخرى. ومن أشهر عناصر هذا المطبخ بالطبع، هي «الأطباق المعتمدة على الذرة كعنصر أساسي بها بالإضافة إلى الكثير من الصلصات المختلفة والتوابل. هذه التوابل هي ما تعطي مطبخ أميركا الجنوبية مذاقا مميزا وعلى الرغم من ذلك فإن كل دولة من دول أميركا الجنوبية تميل إلى استخدام تابل مختلف ومن يشترك منها في بعض التوابل فإنهم يستخدمونها بطرق مختلفة وبكميات متفاوتة». وفي عالم المشروبات تقول الموسوعة، «بالنسبة للمشروبات فهي كذلك مختلفة تماما مثل المأكولات فبعض هذه المشروبات ترجع إلى أيام السكان الأصليين». وقد حصل هذا المطبخ على تأثيرات كبيرة وكثيرة من جميع أنحاء العالم. وقد «ظهر أكثر هذا التأثير نتيجة الاستعمار ونتيجة خلطة مع مطبخ السكان الأصليين المهاجرين الأوروبيين والعبيد الأفارقة. كذلك المهاجرون نتيجة المتغيرات الضخمة كالحرب العالمية الثانية، أثر في هذا الخليط المهاجرون بشكل خاص من وسط وشرق أوروبا وشرق آسيا».

من الأطباق الأميركية اللاتينية التي يتوقع أن تنتشر في المطاعم العالمية:

- سيفيشي: من الأطباق المحضرة من السمك النيئ بعد نقعه لفترة طويلة في الحامض والفلفل الحار والبصل والكزبرة.

- اريباس: وهو طبق محضر من عجينة الذرة أو الطحين المطبوخ ويستخدم كثيرا في الدول الناطقة باللغة الإسبانية وبالأخص كولومبيا وفنزويلا وباناما وجزر الكاناري. ويمكن شي الطبق أو طبخه بالفرن أو سلقه أو قليه. باختصار إنه نوع من أنواع خبز الذرة المعجون بالملح والماء والمقلي بالزيت أو الزبدة ويستخدم للساندويتشات كالخبز العربي.

- شوراسكو: من الأطباق المعروفة جدا في أميركا اللاتينية وأوروبا، وهو عبارة عن قطع كبيرة من لحم البقر المشوي والغنية بالشحم. ويستخدم الطبق كثيرا في البرتغال والبرازيل والأرجنتين ونيكاراغوا والتشيلي والأوروغواي وبورتوريكو وجمهورية الدومينكان.

- باباس ريلاناس: من أطباق البيرو المعروفة التي يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر، والتي انتشرت إلى الخارج لاحقا. ويحتوي الطبق على بطاطس محشوة باللحم والبصل المقلي. ويوجد الطبق في كوبا وبورتوريكو بأسماء مختلفة.

- هيوماتس: وهذا الطبق التقليدي مزيج من الذرة والعجين المقلي ببطء على نار هادئة لوقت طويل. وعادة ما يرغبه أهل الأرجنتين والتشيلي والأكوادور والبيرو وبوليفيا.

- أفوكادو موس: هذا الطبق من أطباق نهاية الوليمة، ويخلط الأفوكادو المطحون عادة مع البصل الأخضر الناعم والليمون والسكر.

- غرابا: من أنواع المشروبات المعروفة في القارة الجنوبية، ومنه ما هو عصير منعش لقصب السكر.

- بيروت: وهذا الطبق من اختراع أحد المهاجرين السوريين في ساو باولو في البرازيل في الخمسينات. وهو عبارة عن ساندويتش مسطح من الخبز. وقد ألفه وجاء به المهاجر السوري عندما تعذر عليه الحصول على الخبز العادي.