مطعم السعادة.. النكهة ملموسة والسر مجهول

تتشابه مطاعم تونس بديكورها.. ولكنها تختلف بمذاقاتها

ربع دجاجة مع السلاطة والبطاطس
TT

تتشابه المطاعم في تونس وتختلف في ديكورها، وفي سعتها، ولكن تتميز في مذاقات ما تشويه وتطبخه وتعده للزبائن. وهناك مطاعم قد يزورها المرء ولا يعود إليها ثانية، وهناك أخرى قد يذهب إليها مرة أو مرتين أو أكثر ثم ينقطع عن ارتيادها. وفي المقابل توجد مطاعم، ما إن يزورها الزبون حتى يصبح من المداومين المزمنين عليها.

ومن هذه المطاعم مطعم السعادة، الذي تختلف فيه مذاقات الأطعمة المعروفة في تونس عن مثلها في الأماكن الأخرى، فهنا الدجاج المشوي (الروتي) مختلف، والكسكسي متباين، والمقرونة (شيء آخر).

يعمل مطعم السعادة، الذي غير اسمه قبل عدة سنوات، منذ سنة 1984 وبعد وفاة صاحبه أصبح لقبه مكتوبا على اللافتة، إلا إن ابنه (رضا) العامل في المطعم، أخذ تعهدا على «الشرق الأوسط» بألا تذكر الاسم الجديد لأسباب تتعلق بالأسرة، وتحديدا أحد أشقائه الذي أصبح مسؤولا بأحد أهم مؤسسات الشعب التونسي (البرلمان)، تحاشيا لسوء الفهم على أكثر من صعيد.

لم يتحدث رضا عن سر النكهة التي يلمسها الزبائن في الوجبات المقدمة داخل المطعم، وإن ذكر في العموم أنها تتعلق بكمية التوابل، البهارات، أو باللهجة التونسية (اللفَّحات.. بتشديد الفاء ونصبها): «النكهة سر، ولكن الأمر في العموم يتعلق باللفحات (التوابل) سواء تعلق بالكسكسي، أو المقرونة، أو الكفتاجي، أو الدجاج المشوي (روتي)، أو المطبوخ، وكلها أكلات شعبية تونسية».

في مطعم السعادة تختلف مظاهر الزبائن، إذ إن الأسعار في متناول جميع الطبقات الاجتماعية، وأحيانا تكون أسر بكاملها داخل المطعم. وأثناء وجود «الشرق الأوسط» بالمكان، لم يخل الموقف من طرافة، فبعض الزبائن يسأل «ما الخطب؟»، والبعض الآخر يتطوع بالحديث عن جودة الطعام، وأشار أحد الظرفاء لأسرته التي كانت تجلس على طاولة، بينما اختار هو طاولة منفردة «اسألهم كم دفعت من دم قلبي حتى أطعمهم وهم في هذه السنين». ويرد أحد الشباب الجالسين على الطاولة، وهو يسارع في ابتلاع لقمته، بالغمز كناية عن عدم التأثر بما قاله شقيقه الأكبر، أو الوشاية بأن شقيقه يمزح، بينما انخرطت أخواته البنات في الضحك، وقد أتين على كل ما في الأطباق، لأن الشقيق الأكبر كان يمزح فعلا، وإن كان صادقا فيما يقول.

ويتابع رضا: «هنا تأتي جميع أطياف المجتمع: أطباء، ومهندسون، وأساتذة، ومحامون، وغيرهم، فالجميع يشتري على قدر ما تسمح به ظروفه المادية». وعلمنا من رضا أن «تجهيز دجاج الروتي يحتاج لساعة كاملة داخل الفرن، أما الكفتاجي، وهو أكلة معدة من الفلفل الأخضر المشوي أو المقلي في الزيت، مع الطماطم المشوية والبيض والتوابل، ثم تخلط في خلاط أو داخل آنية باستخدام مدك وأداتين حادتين تمسكان باليدين، حيث يعاد وضع الفلفل والطماطم المهروسة في آنية القلي مع إضافة البيض والتوابل حتى يطبخ البيض ومن ثم يصبح الكفتاجي جاهزا للأكل»، ويقدم الكفتاجي في شكل لمجة (ساندويتش) كما يقدم في شكل مقبلات، ومضافات لأطعمة أخرى.

ولا يزيد سعر صحن الكفتاجي على دينار، بينما يرتفع سعر «ربع دجاجة مع السلطة» إلى 4 دنانير، وهو أعلى سعر موجود بالمطعم إذا استثنينا سعر الدجاجة كاملة وهو 8 دنانير.

وتتغير تشكيلة السلاطة في المطاعم حسب الفصول، ففي الشتاء «البسباس والخس والجزر والكرنب أو الملفوف، وفي الصيف غالبا ما تكون الطماطم والبصل والخيار والزيتون. أما الهريسة التونسية مع التن والزيتون فهي حاضرة باستمرار مع كل الأطباق وهي من المقبلات».

وعن أفضل أيام الأسبوع بالنسبة للإيرادات، يشير رضا إلى «أيام الجمعة، والمولد، وعندما تأتي الرحلات الطلابية من مختلف أنحاء البلاد، وأحيانا تكون أيام وسط الأسبوع أفضل، فلكل يوم قسمته».

أما مواعيد العمل فتبدأ من الساعة السابعة صباحا وحتى منتصف الليل، ولذلك يتبادل العمال ساعات العمل الصباحية والمسائية. وما يقلق رضا والعمال هو فصل الصيف، حيث «الحرارة في الداخل والخارج»، وفي كل الأحوال تبقى النظافة والحفاظ عليها من مميزات أي مطعم يتطلع للبقاء فترة زمنية أطول ويكسب زبائن جددا ويحافظ على ما لديه من حرفاء.

لم يكن الشارع القريب من وسط المدينة والحي التجاري المزدهر على الدوام وحيدا، فعن يمينه وشماله وخلفه وأمامه كانت هناك مطاعم كثيرة، لكن رضا غير قلق حيال الوضع الذي يوجد فيه: «لدينا حرفاء دائمون، ولمطعمنا سمعته، وفي كل الأحوال لن ينال الإنسان إلا ما كتب له».