«البرازق» و«الغريبة» حلوى شامية تغازل السكر وتتباهى بالسمسم

صديقة فنجان القهوة والشاي

حلوى شرقية ناشفة
TT

قبل عشرات السنين، ومن خلال إمكانياتهم البسيطة والمحدودة، استطاع العاملون الشوام في مجال الطهي والحلويات وتحضير الأطعمة المختلفة تقديم الكثير من المأكولات اللذيذة المذاق، التي جاءت متناسبة مع رغبات المتذوقين وحققت شهرة واسعة داخل وخارج سوريا ومن هذه المأكولات (البرازق والغريبة) والتي تنتمي لفئة الحلويات الجافة أو ما يسميها الدمشقيون «النواشف»، التي تعاكس الحلويات الشرقية كالبقلاوة وشقيقاتها والكنافة والقطايف وغيرها، فبعكس هؤلاء لا تحتاج لقطر وسكر سائل تغمر به، بل يدخل السكر في مكوناتها.

وينظر الكثير من المتذوقين إلى البرازق والغريبة، التي تأتي على شكل أقراص دائرية مختلفة الأقطار والسماكات، على أنها تشبه البيتي فور مع اختلاف بالتأكيد في المواد الأولية والنكهات، ووجود البصمة الدمشقية عليها، وكذلك من كونها تعتبر حلوى لكل الأوقات والمناسبات والأعياد ولشهر رمضان، ويمكن تناولها وحدها أو مع فنجان قهوة أو شاي، حيث متعة تذوق السمسم المحمّص والدقيق المعجون بالفستق الحلبي والمحلب والزبدة البلدية والاستمتاع باللون البني والذهبي الفاتح للشهية.

رشاد مهنا (أبو أيمن)، أحد الدمشقيين الذين ورثوا عن أسرتهم ورشة ومحلا لتحضير البرازق والغريبة في ساحة المرجة الشهيرة بدمشق، حيث عملت أسرته في تحضير الحلويات الشرقية منذ عام 1935 يشرح لـ«الشرق الأوسط» تاريخ وكيفية تحضير البرازق والغريبة، قائلا: «بالنسبة للبرازق فهي حلوى قديمة حضرتها أسرتنا منذ افتتاح محلنا في ساحة المرجة قبل 77 عاما، وهي موجودة من قبل هذا التاريخ حتى إنها موجودة منذ كان العثمانيون موجودين في بلادنا، والشوام هم من ابتكروها، حيث برزت أسر دمشقية في تحضيرها ومنها عائلة أبو حرب وأسدية وسمان وقصقص ومهنا والقصاب»، وعن إعداد أقراص البرازق والمواد الأولية التي تحتاجها يوضح مهنا: «المواد الأولية للبرازق هي الدقيق والسكر والسمنة البلدية الحيوانية، وهناك من يستخدم السمنة النباتية الأقل جودة والمختلفة النكهة والمحلب والخميرة والفستق الحلبي والسمسم حيث نحضّر في البداية العجين، الذي يُقسّط (يقطّع) باليد، وليس بسكين أو بآلة حادة، ومن ثم تصبح القطع مرنة جدا في يد العامل الذي يضعها على الفستق الحلبي، حيث تلتصق شرائح الفستق في الوجه السفلي للقطعة، ومن ثم يأتي عامل آخر ليرفعها بيده من صحن الفستق الحلبي ويضعها في السمسم، الذي يكون متبلا بالقطر وجاهزا للاستخدام والإمساك بقطعة البرازق، حيث يقوم العامل بتدوير القطعة يمينا ويسارا في السمسم وكبسها فيه ومن وجهها العلوي، الذي لا يحوي الفستق حيث تصبح مدورة بيد العامل الخبير بطريقة التدوير لتأخذ شكل القرص الدائري, بعد ذلك يضعها في الصواني ويدخلها إلى الفرن الدوّر لطهيها إذ تحتاج لمدة نحو نصف ساعة للطهي». ولكن ألا يمكن الاستغناء عن العمل اليدوي في تحضير البرازق بآلات كهربائية؟ يبتسم أبو أيمن: «نعم، وجدت آلات حديثة لتقطيع وتدوير قطع البرازق ولكنها كانت فاشلة حيث لم تعطنا شكل البرازق المعروف ولا حتى نكهته ومذاقه المتميز، لأن الآلة التي جاءت إلينا تحتاج لتغيير بمواصفات العجين، وبالتالي تغيير مواصفات البرازق، وهذا غير مقبول، حيث لذة مذاق الحلويات الدمشقية أنها تحضر باليد وليس بالآلات. وخصوصية البرازق تأتي (يوضح مهنا) من مادتها الأساسية، وهي السمسم اللذيذ المذاق والمحلب الذي يعطي الطعم المميز للبرازق»، وحول تباين أشكال البرازق من خلال اختلاف قطرها، يوضح أبو أيمن: «منذ انتشار البرازق قبل عشرات السنين كان المحضرون له يقدمونه بقطر كبير يصل لعشرة سنتيمترات، ولكن مع مرور الوقت وتلبية لرغبات الناس المتذوقين للبرازق، عملنا على ضغط القطر بحيث صار نحو 5 سم لقرص البرازق المحضّر بالسمن النباتي، بينما المحضر بالسمن الحيواني، وهو الأثمن والأجود، يقل قطره بنحو سنتيمتر، وذلك لتمييزهما عن بعضهما، كما أن الناس باتت في العصر الحالي تقبل على الحلويات الشرقية ذات القطع الصغيرة، ولذلك امتثلنا لمتطلباتهم على الرغم من صعوبة تحقيق ذلك، فالمعروف أنه كلما صغرت قطعة البرازق وغيرها من الحلويات الشرقية، ازداد تحضيرها صعوبة.

ولا ينسى أبو أيمن أن يذكرنا أخيرا بالفوائد الصحية والغذائية لقرص البرازق، حيث يقدّم للمتذوق السمسم المعروف بمكونه الرئيسي من الزيت المفيد للجسم والأعصاب, وهناك فوائد السمنة البقرية والنباتية والفستق الحلبي وغير ذلك.

وبالنسبة للغريبة (يتابع مهنا) فتاريخ تحضيرها يعود لنفس تاريخ البرازق وكان يطلق عليها اسم «كعك غريبة»، حيث كان قرص الغريبة كبيرا جدا ويشبه الكعكة المدورة وتغيرت في العصر الحالي لتصبح أقراصا صغيرة تؤكل بلقمة واحدة، وحول موادها الأولية وطريقة تحضيرها يقول مهنا: «المواد الأولية عبارة عن طحين وسكر وسمنة حيوانية أو نباتية ويتم عجنها مع بعضها ليوضع العجين في البراد لكي يجمد قليلا، ومن ثم تقطع بشكل دائري ويدوي من قبل العامل وتوضع في الفرن لتطهى وتخرج على شكل أقراص دائرية مع فتحة في وسطها، بسبب قيام العمل أثناء تدوير قطع العجين بفتلها بطريقة متميزة على بعضها لتعطي الشكل الدائري والفتحة المميزة لها، وكما هو حال تحضير البرازق، فكل المراحل تتم يدويا، وهناك آلة حديثة دخلت في تحضيرها ولكن استنتجنا أنها غير مناسبة، حيث غيرت في شكل قرص الغريبة، وجعلته يشبه قرص البسكويت. كما غيرت من مذاقه، فخصوصية مذاق الغريبة تكمن في أنها تحت، وتذوب في الفم بسبب طراوتها وهشاشتها، وليس أن يتكسر القرص لقطع صغيرة قاسية نوعا ما. وحول ما يمكن إضافته لقرص الغريبة من مواد غير الأولية، يوضح: «بعد خروج أقراص الغريبة من الفرن يقوم العامل بوضع حبة فستق حلبي كاملة على كل قرص لتزيينه وزيادة مذاقه اللذيذ. وهناك بعض محضّري الغريبة يقومون بتغطيسها بالشوكولاته، ويعتقدون في ذلك العمل أنهم يقدمون شيئا متطورا ومبتكرا في ذلك، لكن أؤكد لك (يتنهد أبو أيمن) أن هذا ليس تطويرا ولا اجتهادا أو ابتكارا، بل هو تغيير في مذاق وطعم وخصوصية الغريبة».

أخيرا يوضح رشاد مهنا أنه كما لتحضير البرازق والغريبة خصوصية وتميز فإن لتعبئتها أيضا خصوصية حتى تحافظ على جودتها وصلاحية تناولها، التي تستمر ستة أشهر من تاريخ تحضيرها، فتعبئة أقراص البرازق يتم في علب كرتونية، ولكن في داخلها حواجز بلاستيكية تفصل بين كل صف منها، حتى لا تتكسر الأقراص، بينما أقراص الغريبة توضع فوق بعضها بعضا في علب كرتونية محفوظة ومغلفة بشكل جيد.+