الطباخ الشعبي في الأعراس التونسية.. جندي مجهول

أصابع ماهرة تجني المال على حساب المناسبات السعيدة

الطباخ الشعبي مصطفى يطبخ في عرس ريفي
TT

بدأ موسم الأعراس في تونس، رغم أن حالات الزفاف لم تعد مرتبطة بالصيف لكن زخم الحالة يشتد هذه الأيام، ويزداد مع الأيام حتى نهاية الخريف. وفي هذه الأيام تمتلئ الأسواق بأهالي العرسان والعرائس فتنتعش أسواق الملابس والأحذية والذهب وتقام المعارض الجوالة الخاصة بهذه المناسبات في أكثر من مكان وتشنف الآذان بأصوات الزغاريد وتبادل النكات داخل الأسواق مؤذنة بوجود كسائين، أي من يشترون الملابس للعروس. إلى جانب الفاكهة والمكسرات التي توزع على الضيوف أثناء عقد القران أو في اليوم الذي يلي ليلة الزفاف.

لكن أهم المشاركين في صنع الحدث يظلون غائبين عن المشهد، كالجندي المجهول، وهو ذلك الطباخ الشعبي الذي أصبح ظاهرة في تونس. فقد تخلت النسوة عن مهام الطبخ في العرس لصالح طباخ شعبي يتم استقدامه مقابل أجر يتراوح بين 70 و150 دينارا (الدينار نصف يورو تقريبا).

ويحظى الكثير من الطباخين بشهرة تفوق محيطهم الجغرافي الطبيعي فيتم استقدامهم لتطبخ المأكولات الشعبية التي تطغى على مائدات الأعراس وهي الكسكسي، والطاجين، والسلاطة المشوية، والمرق باللحم، والأرز بالفاكهة الذي يعد على البخار.

وقال الطباخ الشعبي مصطفى السبري المختص في الأكلات الشعبية التونسية لـ«الشرق الأوسط»: «أعمل في هذا المجال منذ أكثر من 10 سنوات، وأجد المتعة في ممارسة هذا العمل الذي أحبه بشغف» وتابع «كنت أرافق عمي منذ الصغر، وكنت لا أترك شاردة ولا واردة إلا وأعلمها حتى المقادير حفظتها ولذلك أصبحت أتمتع بسمعة جيدة بين الناس فيستدعونني عندما يكون لديهم حفل زفاف»، وأردف: «أغلب أفراد الأسرة طباخون في الأعراس، هذه المهنة تعلمناها أبا عن جد فهي وراثية، في العائلة فهي تحتاج للخبرة»، وحول ما إذا كانت مهنة صعبة أفاد «هذه المهنة ليست صعبة وليست سهلة، الطبخ فن لذلك يجب أن يكون الطباخ مرتاحا عند ممارسته الطبخ»، وعن سبب اختياره الطبخ وليس العمل كنادل أو في غسل الصحون شدد على أن «حب الطبخ يجري في عروقي أحب الطبخ ولا أحب أن أكون نادلا، كنت حريصا على معرفة أسرار الطبخ»، وعن مواعيد العمل أكد على أنه يعمل دون توقف، «أعمل كل ليلة ومعي زوجتي التي علمتها الطبخ وأدخلتها سوق العمل، فعندما تزوجتها لم تكن تعرف الطبخ وبالكاد تعد طبق عجة البيض، لقد تعلمت على يدي».

وعن عدد المناسبات التي عمل فيها كطباخ شعبي أشار إلى أن ذلك «لا يعد ولا يحصى لقد عملت في مختلف مناطق البلاد، طبخت في الجنوب في قفصة وفي مجاز الباب وفي تونس العاصمة، وفي نابل وسوسة والمنستير والحمامات وغيرها».

وعما يختلف فيه الريف عن المدينة حيث عمل هنا وهناك أوضح أن «العمل واحد ولكن ما يختلف فيه الريف عن المدينة هو الكمية ففي الريف يكون العرس مثل البوفيه المفتوح لمن تم استدعاؤه ومن قدم دون استدعاء، أما في المدن فغالبا ما يكون العدد محدودا ويقتصر على أسرة العروس والعريس وبعض الأصدقاء، ففي الأرياف تكون الكميات أكبر، في المدن يذبحون خروفا لخمسين شخصا بينما في الأرياف فهو بوفيه مفتوح لمن يأتي سواء تم استدعاؤه أم لا».

أما الأطباق التي يعدها الطباخون في الأعراس، فهي «الكسكسي والأرز بالفاكهة، والطاجين بجميع أنواعه والبريك والسلاطة المشوية والسلاطة الخضراء». وشدد على أن الطبخ فن أو بتعبير تونسي «ايدين (يدين) الكسكسي ايدين».

وإذا كان العمل في الفصول الأخرى متقطعا فهو مستمر في الربيع والصيف «في الربيع والصيف نعمل يوميا، وأحيانا نعمل أنا في مكان وزوجتي في مكان آخر». وكشف عن وجود اختلاف في طريقة إعداد الطعام في الأعراس وفي المنزل «في الأعراس نغلي الماء ونضيف إليه اللحم المخلط بالبهارات والبصل والفلفل الأحمر وإكليل الغار والنعناع والكركم، وبعد ذلك نضع الكسكاس (وهو آنية مثقبة توضع فوق إناء المرق) ونضع فيه الكسكسي ليطبخ على البخار، وبعد ظهور البخار خارج كمية الكسكسي يكون الطعام قد أصبح جاهزا».

ويتكون المرق من «الزيت والطماطم والبصل، أما الحمص فيطبخ وحده في الماء ويخلط بالزبيب ونزين القصعة بالبيض السلوق».

ويستخدم الطباخون الشعبيون الأطباق المستعملة في مطاعم الكليات «شيء من الكسكسي أو المرق والسلاطة وقطعة فاكهة والعصير ويكفي».

وعن كيفية إعداد الطاجين ذكر أن ذلك يتطلب «السكالوب، (لحم الديك الرومي دون عظم) يغلى في الماء مع ملاعق كركم حسب الذوق، ثم يقطع اللحم، وتقلى قطع البطاطس، ويخلط الجميع مع البصل الإكليل والنعناع والجبن والخميرة ثم يوضع في الفرن».

ويكفي كيلو الكسكسي الواحد 15 شخصا، حسب ما أفاد به الطباخ الشعبي مصطفى السبري. كما يطبخ الأرز بالفاكهة حيث «يطبخ في الماء ثم يوضع في آنية للبخار، ويخلط بعد الطبخ بالفاكهة واللحم، ويشمل ذلك جميع الفواكه الجافة مثل البندق والفستقق واللوز، وجميع المكسرات. الغريب أن مصطفى وزوجته لا يأكلان من طعام الأعراس ويكتفيان بالسلاطة استجابة لطلب الطبيب».