المانجو.. فاكهة الهنود المفضلة

ولعهم بها يعود إلى آلاف السنين

TT

كلما نفكر في الصيف تكون أول فاكهة تخطر بذهننا هي المانجو. إنها فاكهة المانجو اللذيذة، الصفراء كثيرة العصارة، ذات المذاق الحلو الذي يشوبه بعض الحموضة، نوع من الفاكهة نحب جميعا صغارا وكبارا تناوله. بالفعل تشتهر المانجو بلقب «ملك الفواكه»، كذلك تعتبر الفاكهة الوطنية في الهند.

يعتبر ولع الهنود بالمانجو قصة تعود إلى آلاف السنين. بدأ تاريخ المانجو قبل آلاف السنين الماضية في شبه القارة الهندية، فبحسب الأساطير قدم إلى بوذا بستان مانجو، بحيث يمكنه الاستراحة تحت ظلاله، وبعيدا عن الأسطورة تشير الأدلة الحفرية إلى أن المانجو ظهرت لأول مرة منذ 25 إلى 30 مليون سنة في شمال شرقي آسيا وميانمار وبنغلاديش. وفي هذه المناطق، ظلت المانجو تزرع لأكثر من 4000 سنة وربما هنا، في شبه القارة الهندية، زرعت المانجو لأول مرة للاستهلاك المحلي.

كيف انتقلت المانجو إلى دول أخرى؟

بحسب تقارير تاريخية، يعتقد أنه في القرن الخامس قبل الميلاد تقريبا، أدخل الرهبان البوذيون المانجو إلى ماليزيا وشرق آسيا. تتضمن سجلات هيون تسانغ، الحاج البوذي الصيني الذي زار الهند إبان عهد هارشفاردهان في القرن السادس قبل الميلاد، إشارات إلى زراعة المانجو بعناية في الدولة. أخذ التجار الفارسيون المانجو إلى الشرق الأوسط وأفريقيا. ومع وصول البرتغاليين إلى الهند في القرن الخامس عشر انتشرت لاحقا في البرازيل وجزر الهند الغربية. وصل مزارعو المانجو إلى فلوريدا في ثلاثينات القرن التاسع عشر وإلى كاليفورنيا في الثمانينات من القرن نفسه، وفي هذه الفترة شقت المانجو طريقها إلى أستراليا، حيث ظلت تزرع هناك منذ ذلك الحين.

إن علاقة الهند بالمانجو ليست مجرد علاقة بنوع شهي من الطعام، ففواكه وأشجار المانجو تربطها صلة قوية بالفن الهندي والأدب الكلاسيكي والدين. تم توثيق فاكهة المانجو في لوحات ومنحوتات تعود إلى 4000 عام مضى.

تتجلى فاكهة المانجو في الموضوعات الدينية في المجتمعات المتشعبة بجنوب آسيا، سواء أكان سكانها من الهندوس أو البوذيين أو المسلمين أو المسيحيين. وتزين أوراق شجر المانجو مداخل المنازل الجديدة كرمز للبركة.

تصور أقدم سجلات العادات والأساطير الهندوسية شجرة المانجو بوصفها مصدرا للظل وفاكهتها باعتبارها مصدر تبجيل وتوقير.

تمثل المانجو أيضا جزءا ثريا من الفولكلور البوذي. تظهر في روايات الجاتاكا، وكثيرا ما تظهر في الفن البوذي. كذلك جعل بوذا شجرة مانجو تنبت بشكل فوري من بذرة لإقناع غير المقتنعين. وقيل إن بستان مانجو كان مكانه المفضل للاسترخاء والتأمل، وإن محظيته أمرابالي، التي أصبحت من أتباعه، قدمت له واحدا.

ويعرف إله «معبد إكامباريسوارا» الهندوسي بلقب «أمير شجرة المانجو». وتلعب شجرة المانجو دورا مقدسا في الهند، فهي رمز الحب والخصوبة. ويعتقد البعض أن شجرة المانجو يمكن أن تحقق الأمنيات. وفي الثقافة الهندوسية تعتبر أوراق المانجو الطازجة المتدلية خارج الباب الأمامي أثناء العام الهندوسي الجديد وديوالي بمثابة مصدر لجلب البركة للمنزل. وتستخدم أوراق المانجو في حفلات الزفاف للتبرك بها اعتقادا أنها تجلب نعمة إنجاب عدد كبير من الأطفال (مع أنه لا يتم الاحتفاء سوى بولادة الذكور فقط، بتعليق أوراق المانجو خارج المنزل).

عكس مفهوم الجنة في الديانات الهندية القديمة، مثل مفهوم الجنة في الإسلام لاحقا، فكرة الحدائق المثالية. كانت مليئة بأشجار فاكهة وأزهار ذات رائحة عطر ومياه. كذلك من المرجح أن تضم بساتين مانجو لتوفير الظل والفاكهة.

طور قساوسة غوا الكثير من الأشكال الجديدة للمانجو. كانوا أول من زرعوا مانجو الألفونسو، أحد أغلى أنواع المانجو التي نستمتع بها اليوم.

تعتبر الرسوم المأخوذة من المانجو من التصميمات الشائعة جدا التي يتبناها الحرفيون والنساجون بمختلف أنحاء الهند. وهذه الرسوم تظهر في الجواهر والملابس المطرزة. وتنسج هذه الرسوم بأنماط معقدة في الشيلان والأوشحة. ونجد هذه الأشكال، التي تعرف بأسماء مختلفة مثل «أمبي» و«كايري» بشكل متكرر في اللوحات الجصية الجدارية التقليدية ودهانات الأرضيات والحنة التي يتم وضعها على راحة أيدي النساء. وكان هذا التصميم، المعروف أيضا باسم «بيزلي»، شائعا جدا في فارس في القرون الوسطى، حينما كان ينسج باستخدام خيوط ذهبية أو فضية على الحرير، كهدايا تقدم في حفلات الزفاف والمناسبات الخاصة.

يعتبر هذا الرسم شائعا جدا في إيران ووسط آسيا. وعلى الرغم من أن كثيرا من الطلاب يقولون إنه في فارس، كان مستلهما من شكل ورقة شجر الشينار، فبالنسبة للعين غير المدربة. يبدو أقرب إلى شكل المانجو منه لشكل ورقة الشينار.

ولع الفاتحون المسلمون الذين أتوا من منطقة فارس وأفغانستان بإنشاء بساتين الفاكهة. وكرسوا قدرا كبيرا من وقتهم واهتمامهم لإنشاء هذه الجنة على الأرض. أصبحت شجرة المانجو نباتا مفضلا، حيث يتحدى ظلها حرارة الصيف القائظة.

وفي شبه القارة الهندية كان لدى الكثير من الملوك والنبلاء بساتين مانجو خاصة بهم، وكانت ثمار المانجو المستنبتة مصدرا للفخر والاعتزاز والمكانة الاجتماعية، ومن هنا بدأت عادة منح الهدايا من أفضل أنواع المانجو.

من المتفق عليه بشكل عام أن التكاثر النباتي، مقارنة بزراعة الأشجار من النباتات الصغيرة، تم لأول مرة تحت حكم الأباطرة المغول. كان المغول العظام مولعين بالمانجو، ودأبوا على زراعة الكثير من أنواع المانجو اللذيذة. وبحسب بابور، كانت المانجو أفضل فاكهة في الهند. وضع الإمبراطور المغولي أكبر العظيم المانجو على الخريطة في القرن السادس عشر من خلال أول زراعة على نطاق واسع لمائة ألف شجرة في ولاية بهار شرق الهند. وينسب إلى أكبر امتلاك ثمار مانجو ممتازة تمت زراعتها وراثيا في بستان يعرف باسم «لاخ بخش» شمال أغرا.

وقد نشر شاه جاهان جنودا خصيصا لحراسة أشجار المانجو المفضلة له في جنوب الهند، «البعض يتعجب من أن أفضل أنواع المانجو لدينا تحمل أسماء مثل جهانجير وهيمايون الدين. حتى إن بهادر شاه ظفر، آخر أباطرة المغول، كانت لديه حديقة مانجو تعرف باسم حياة بخش في حدائق القلعة الحمراء في دلهي، حيث كانت تزرع بعض أشهى أنواع المانجو وأكثرها عصارة». قدم الأباطرة والنبلاء بعضهم لبعض أفضل أنواع المانجو الموجودة في بساتينهم.

بهر جمال ورائحة براعم المانجو شعراء الهند القدامى، حيث يزخر الأدب السنسكريتي الكلاسيكي بذكر براعم المانجو التي تبشر بموسم الربيع، حتى إن من أسماء المانجو الأخرى «مادو دوتا»، أي رسول الربيع. أما في ما يتعلق بالجانب الواقعي للمانجو فقد أغرم بعض مشاهير الشعراء في الماضي القريب بالمانجو، ومنهم رابندرانات طاغور الذي كان يعرف عنه شغفه بالفاكهة إلى حد نظم الشعر فيها.

وكان شاعر الأردو الشهير ميرزا غالب من الخبراء في المانجو ويعرف عنه أنه تذوق 4 آلاف نوع مانجو. وورد في القصص أن حمارا كان يدور حول شجرة مانجو ذات مرة بينما يشم رائحة الثمار التي سقطت على الأرض، لكن لم يأكل أيا منها. وعندما سمع غالب ذلك رد قائلا: «الحمير فقط هي التي لا تأكل المانجو». حتى الشاعر الفارسي أمير خسرو أشاد بالمانجو في شعره الفارسي وأطلق عليها «فخر الجلسان». والمانجو كلمة مؤنثة. وهل لأنواع الفاكهة الأخرى أسماء رومانسية مثل هو هوسانارا وصوفيا ومليكة وسمر باهيشت (فاكهة الجنة)؟ إذا نظرنا إلى السمات الحسية للمانجو، كيف تكون سوى امرأة جميلة؟

أفضل طريقة لتناول المانجو هي مص العصارة برفق من فتحة صغيرة في الثمرة. عندما تتذوق المانجو اللذيذة الغنية لا تفكر كثيرا في الفوائد الصحية التي تعود علينا مع كل قضمة. وتوصف المانجو في أحد الأمثال بأنها «ملكة الفواكه»، ففضلا عن مذاقها الحلو اللذيذ تحتوي على كمية وفيرة من الفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة التي تضمن لك التمتع بصحة جيدة. وتستخدم المانجو منذ عقود كمهدئ للمعدة مثل البابايا، حيث تحتوي على إنزيم يريح المعدة. وأوضحت دراسة جديدة أن تناول المانجو يقي من سرطان القولون والثدي والدم والبروستاتا. وتشير عدة دراسات إلى أن من مكونات المانجو مادة البوليفينول المضادة للأكسدة، التي تعرف بفائدتها في الوقاية من سرطان الثدي والقولون. وتعد المانجو مصدرا لفيتامين «أ».

وكذلك تعد المانجو الطازجة مصدرا غنيا بالبوتاسيوم، وهو مكون أساسي من مكونات خلية الإنسان والسوائل في الجسم التي تساعد في التحكم بنبض القلب وضغط الدم. كذلك تعد المانجو غنية بفيتامين «ب 6» و«سي» و«إي». ويساعد تناول أغذية غنية بفيتامين «سي» الجسم على مقاومة الأمراض المعدية والتخلص من «الجذور الحرة» الضارة. وتظل شجرة المانجو خضراء دائما أبدا، ويمكن أن تنمو لتصل إلى 60 قدما. وتحتاج شجر المانجو إلى طقس حارّ جاف حتى تعطي محصولا وفيرا. ويمكن للمرء في الهند الحصول على أفضل أنواع من المانجو خلال شهر الصيف، وبعض الأنواع الأخرى تظهر بعد الصيف مباشرا خلال الأمطار الموسمية.

وتستغرق شجرة المانجو من أربع إلى ست سنوات حتى تطرح أولى ثمارها. ويمكن أن تكون الثمرة من الخارج باللون الأصفر الذهبي أو الأخضر أو الأحمر القاني. أما الثمرة من الداخل فتكون باللون الأصفر الضارب إلى البرتقالي. وتوجد بذرة كبيرة داخل الثمرة. ويبلغ عدد أنواع المانجو في الهند وحدها نحو ألف، رغم أن للكثير منها أسماء مختلفة بلغات متعددة. وهناك أكثر من ألف نوع من المانجو في الهند، لهذا يمكن أن نشكر المغول والملوك الآخرين من محبي المتعة الذين يعود إليهم إلى حد كبير فضل زراعة هذه الأنواع الهجينة التي لكل منها مذاق وملمس وحجم مختلف.

للأسف لا يتم زراعة أكثر هذه الأنواع بغرض تجاري، حيث قد تمر في بعض الأحيان على بساتين تنتج كميات صغيرة من نوع مانجو لم تسمع به في حياتك قط.

الألفونس والبنيسهان والبنيسا والكيسار هي الأشهر في ولايات الهند الجنوبية، في حين التشاوسا والداشيري والسافيدا والمالتا واللانغرا، من أشهر الأنواع في الولايات الشمالية. وهناك أنواع أخرى في الهند مثل مالغوفا وبيتهار والروماني والبأنغولار والرسالو والثوثاباري والنيلام والسيندورا والسالم. ومن المعروف أن المانجو الألفونس من الأنواع غالية الثمن وتحتل القسم الأكبر من الصادرات خلال موسم المانجو. ويقسم محبوها بأنها غنية بالزبد، ولونها من الداخل زعفراني وخالية من أي ألياف، وحلاوتها فريدة، حيث لا يوجد بها أي لذوعة أو ميوعة مثل الأنواع الأخرى. وتبدأ شركات توصيل البضائع خلال فصل الصيف في تقديم خدمة «مانجو إكسبريس» الخاصة لتوصيل المانجو الألفونس.

وتدشن الصحف سلسلة من المقالات عن سلامة المحاصيل بدافع القلق. وأدى هذا الجنون بالمانجو إلى ارتفاع سعر الألفونس بحيث أصبحت أعلى الأنواع سعرا. وفي ذروة الموسم لا يجد الناس مشكلة في دفع نحو ألف روبية (20 دولارا) للحصول على بعض ثمار المانجو.

وتدخل المانجو في الأكلات، فالمانجو اللاذعة غير الناضجة تستخدم في صناعة الصوص أو المخلل أو الأطباق الجانبية، أو قد تؤكل نيئة مع ملح والفلفل الأحمر الحار أو صوص الصويا. ويوجد مشروب مركب صيفي يسمى «بانها» وهو يقوم على المانجو. وهناك مشروب شهير معروف في جنوب آسيا هو «مانجو لاسي» ويصنع من مزج المانجو الناضجة أو بذر المانجو بمخيض اللبن (اللبن الرائب) والسكر.

كذلك تستخدم المانجو الناضجة في عمل الكاري. والـ«أمراس» عصير سميك شهير يصنع من المانجو بالسكر واللبن. ويتم تناولها مع الخبز أو الأرز أو الخبز الهندي المقلي. ويستخدم لب الثمرة في عمل المربى. ويمكن استخدام المانجو في العصائر والآيس كريم والآيس كريم الفلبيني. ويمكن استخدام المانجو في عمل العصائر ومشروبات الـ«سموثي» والآيس كريم والفواكه والفطائر وصوص الفلفل الحلو. والمانجو الخضراء هي غير الناضجة التي تدخل في عمل أصناف من الأكل في عدد من المطابخ الهندية. وتستخدم هذه الفاكهة ذات الطعم الحاد في طهي عدد من أطباق الخضراوات والعدس، وكذلك في جعل نسيج اللحم ناعما، حيث تحتوي المانجو على إنزيمات تفكك نسيج اللحم المتماسك. ويتم تخليل المانجو الطازجة الخضراء وتباع لتوضع على السفرة إلى جوار الأطباق الهندية.