سانتا لوتشيا.. يوناني فرنسي إيطالي عمره 82 عاما

مطعم العائلات الأرستقراطية يعيدك لأجواء الخمسينات في الإسكندرية

TT

يوميا وقبل أن تدق الساعة التاسعة مساءً يمكنك أن تلمح أزواجا من الرجال والنساء من مشاهير العالم غاية في الأناقة وكأنهم ذاهبون لحفل الأوسكار، يدلفون إلى مكان كل ما يظهر منه أبواب خشبية ونوافذ معتمة، بعدها سوف تستمع إلى صوت البيانو ومعزوفات من أروع السيمفونيات العالمية تنبعث من ذلك المكان الرومانسي الساحر. إنه مطعم البيانو “سانتا لوتشيا Santa Lucia بمحطة الرمل في قلب الإسكندرية.

بمجرد وصولك إلى المطعم يستقبلك آفايري المطعم الأنيق أحمد متولي، ليتولى الاعتناء بسيارتك ويوصلك إلى باب خشبي هو بوابتك لعالم سانتا لوتشيا، الذي يخطفك من زحام المدينة وأصوات الباعة وأبواق العربات، وسوف تكون الستائر المخملية باللون اللازوردي والبيانو العتيق أول ما سيخطف عينيك. هنا فقط يمكنك أن تستمتع بوجبة متميزة على أنغام عزف البيانو وأضواء الشموع ورحيق الورود التي توجد على كل طاولاته.

يعتبر سانتا لوتشيا أحد أهم معالم الإسكندرية السياحية، وقد توج بأنه “ملك المطاعم” منذ افتتاحه عام 1932، وظل مملوكا لعدد من أبز أعضاء الجالية اليونانية بالإسكندرية، حيث كان ملكا لرئيس الجالية اليونانية في ذلك الوقت بانايوتي جورج سيوكاس، والذي كان شخصية مرموقة جدا في إسكندرية القرن الماضي، واستطاع بنايوتي أن يجعل مطعمه المسؤول عن إعداد الولائم الملكية منذ عهد الملك فؤاد. وقد آلت ملكيته إلى حفيده المهندس يني جورج سيوكاس، رئيس الجالية اليونانية الحالي.

ومعروف لدى أبناء الجالية بالإسكندرية أن الخواجة يني سيوكاس يعتبر المطعم إرث تاريخي يوناني كما هو إرث عائلي، فهو يحمل تاريخ أحد أهم الأسر اليونانية بالإسكندرية والتي ساهمت في تأسيس عدد من أهم معالم الإسكندرية في القرن العشرين، كما أنه حريص جدا على أن تظل روح جده الإسكندر الأكبر مؤسس الإسكندرية حاضرة في المدينة وأماكنها حتى ولو كان عبر مطعمه! خضع المطعم للترميم لكنه لا يزال كما هو منذ افتتاحه بالديكورات الخشبية الكلاسيكية التي تعكس أجواء قصور العصر الفيكتوري، واللوحات الفنية المنتقاة بعناية لمجموعة من كبار الفنانين التشكيليين حول العالم.

وبنظرة خاطفة لزبائن المطعم فهم إما ينحدرون من عائلات استوطنت الإسكندرية منذ زمن بعيد، أو إسكندريين هاجروا منذ زمن بعيد عادوا ليحصلوا على نفحة من نفحات الزمن الكوزموبوليتاني الجميل الذي هجر الإسكندرية أيضا منذ خمسينات القرن العشرين، لكنه حاضرا بكل روعته في سانتا لوتشيا.

* قائمة الطعام

* يقدم سانتا لوتشيا قائمة طعام محيرة للغاية ستجد نفسك تمسك بالقائمة وتتوه بين الأصناف المميزة والغريبة بداية من المقبلات الشهية والدجاج واللحوم والأسماك والمحار من مختلف مطابخ العالم والتي تقدم بعناية. ليس هذا فحسب بل ستجد مجموعة جذابة من أنواع الباستا الإيطالية.

ويأتي مشاهير العالم لتذوق طبق “ أوسو بوكو “Osso Bucco الذي يشتهر به سانتا لوتشيا ولا يزال على قائمة الطعام منذ 82 عاما، وهو عبارة عن لحم موزة بقري مطهو في الفرن مع الميبربوا وصلصة الطماطم الغنية مع الريزوتو بالزعفران الإسباني وتتبيلة غرأمولاتا ومعه مجموعة من الخضراوات والنكهات التي تمثل خلطة لوتشيا السرية. وأشهر الأطباق التي ننصح بتذوقها في سانتا لوتشيا هي طبق “ألف ليلة وليلة” وهو عبارة عن ملفوف من صدور الدجاج مغطى بالسمسم ومحشوة بالفستق والبصل وجبن الموتزاريلا والفطر ومغطاة بصوص كريمة الفستق ويقدم مع بطاطس الكروكيت، وكذلك حساء الجبن الريكفور مع مرق الدجاج والجزر والكرفس والخبز المحمص، وأصداف بلح البحر العملاقة التي تأتي إليك خصيصا من جنوب المحيط الهادي، التي تقدم مع نكهات الثوم والبصل والكريمة الطازجة، وجمبري تاهيتي المغطى بصوص جوزالهند والعسل والليمون والجنزبيل، والجمبري المشوي المغمور في عصير الليمون، والأسماك المشوية على الطريقة اليونانية. تلك القائمة التي سوف تنظر إليها مستمتعا بقراءتها لمدة قد تزيد عن نصف ساعة أو أكثر، وسوف تتبعها مناقشة حول اختيارك مع من برفقتك، لأنك ما أن تنتهي من الأصناف السابقة ستجد أيضا قائمة متميزة من أصناف “التحلية” ومنها: التيراميسو وكيك الشوكولاته الساخنة، وكريم بروليه، وشوكولا موس، فضلا عن الآيس كريم والمشروبات الساخنة والباردة.

ويؤكد كابتن مينا مجدي، من العاملين بسانتا لوتشيا ل” الشرق الأوسط” تطهى جميع الأصناف تحت إشراف شيف يوناني وهي أحد تقاليد المطعم منذ إنشائه، والتي تم كسرها لفترة قصيرة حيث كان يشرف على المأكولات شيف فرنسي. كما يحرص المطعم على شراء مقادير كل وجبة من موطنها الأصلي أو المكان الذي يتميز بنكهات معينة مثل الأعشاب الآسيوية من الهند، والاستوائية من تاهيتي، وفلفل من مدغشقر، وبالطبع زيت الزيتون والجبن الفيتا من اليونان وأسماك السلمون من النرويج وهكذا. ويضيف “ لهذا السبب يأتي إلينا مشاهير العالم من أجل وجبة، أنا أعمل هنا منذ 7 سنوات فقط لكن قدامى العاملين كانوا يروون لي عن زيارات الملك فاروق والحاشية الملكية، وزيارات الرئيس جمال عبد الناصر، والرئيس السادات والسيدة جيهان، ويقال إن هنري كيسنجر كان قد جاء مرة إلى هنا، بالطبع كنت أتمنى أن أرى العندليب عبد الحليم حافظ، والفنانة صباح وعمالقة زمن الفن الجميل، لكن ما يدفعني للعمل هنا تميز هذا المكان بكل ذلك التاريخ الغني والفريد”.

* أشهر الزوار

* من أشهر زوار المكان: الملكة فريدة، والملكة ناريمان، والأميرة فوزية وشاه إيران، وشارل أزنافور، وديميس روسوس، وجورج موستاكي، وداليدا ولورانس داريل وزوجته إيف والمؤرخ الإنجليزي مايكل هاج، وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وأنيس منصور وإحسان عبد القدوس ومحمد حسنين هيكل، والفنانة مريم فخر الدين، والفنان سمير صبري وغيرهم كثيرين، والرئيس السنغالي عبدو ضيوف، والدكتور إسماعيل سراج الدين وضيوفه من العلماء المرموقين في العالم من الحائزين على نوبل، ومؤخرا الإعلامي عمرو أديب، والفنانة بسمة وعمرو حمزاوي، والمخرج داود عبد السيد، وقد تم تصوير أحد مشاهد فيلم “ رسائل البحر” الذي لعبت بسمة فيه دور البطولة في المطعم. كل هؤلاء بالطبع يعرفون قيمة تناول وجبة في سانتا لوتشيا إلا أن وزارة السياحة المصرية قد كرمت المطعم عشرات المرات لدوره في تنشيط حركة السياحة الوافدة إلى مصر. كما أن المطعم حائز على جوائز عالمية في الطهي في لندن والمكسيك.

في سانتا لوتشيا يمكنك أن تأكل وتستمتع بوقتك في عالم خارج الزمن ويمكنك بعدها أن تستجمع قواك وتستكمل حياتك اليومية بصخبها وإن أرهقتك متاعبها فلا بد من وجبة في سانتا لوتشيا.

مواعيد العمل: من الثانية عشرة ظهرا حتى الرابعة عصرا ومن السابعة مساء حتى الواحدة فجرا العنوان: شارع صفية زغلول الإسكندرية التليفون: 034860332

* اللباس المسموح به

* «الدخول بالملابس الرسمية” هو الشعار والقاعدة التي يتمسك بها سانتا لوتشيا منذ افتتاحه، فلن تجد أي زي سواء كان مصري أو بدوي أو خليجي أو حتى أوروبي، ومسموح بالسيمي فورمال في الغذاء فقط، وأيضا من الممنوع دخول الأطفال تماما حتى لا تضيع الأجواء الرومانسية للمكان. ويعلق مينا “ أصعب المواقف المحرجة هي عندما نمنع من يخالف الزي الرسمي لكنه ما يلبث أن يعود حينما يعرف أنها تقاليد المكان”. ومن الطريف أن سانتا لوتشيا من الأماكن المخصصة لجلسات التعارف التي كانت تتم بين العائلات السكندرية العريقة من مختلف الجاليات التي كانت تعيش فيها، وكان غالبا ما تتم فيه لقاءات التعارف بغرض الزواج بين أبناء الطبقة الأرستقراطية، كذلك لقاءات كبار رجال الأعمال والدبلوماسيين، وهو ما أكده الكابتن مينا.