«دار الرباطية» .. من بيت سكني إلى مطعم مميز

التراث في قلب الرباط

TT

لم يكن ليخطر على بال محمد بن عرفة، الذي عينه المستعمر الفرنسي سلطانا غير شرعي، خلفا للملك المغربي الراحل محمد الخامس إبان عزله،ثم نفيه إلى جزيرة كورسيكا عام 1953، أن بيته الموجود داخل أسوار مدينة الرباط العتيقة، والقريب من قصبة الأودية التاريخية، التي كانت حصنا منيعا يدافع عن المدينة ضد الغزاة، سيتحول إلى مطعم، يقصده السياح من كل بقاع العالم، من دون أن يحتفظ له بأي ذكرى بداخله، لان كتب التاريخ وحتى المقررات التعليمية صنفته خائنا وعميلا للاستعمار، بسبب موافقته الجلوس على عرش الملك الشرعي للبلاد بعد نفيه، وكان المغاربة يلقبونه «الملك الدمية» او «الملك المفبرك».

ومات بن عرفة الذي تربع على عرش المغرب مدة عامين، قبل أن يتنازل عنه، في منفاه بفرنسا عام 1976، وبعد ذلك بسنوات، وبالضبط في عام 1990 باع الورثة البيت الذي بني قبل 120 عاما، وحوله ملاكه الجدد الى مطعم متخصص في الطبخ المغربي يحمل اسما تجاريا بسيطا هو «دار الرباطية».

يقع المطعم في حي «سيدي فاتح» بالمدينة القديمة، وسط زقاق ضيق، ولا يدل شكله الخارجي على انه مطعم باستثناء لوحة لا تلفت الانتباه كتب عليها اسم المطعم، وضعت فوق الباب الخشبي الكبير، الذي يؤدي عبر ممر صغير إلى الباحة أو الصحن المؤثث بصالون مغربي تقليدي حيث وضعت موائد مستديرة بجوانبه، وداخل الصالتين المقابلتين للباحة.

وحرص الملاك الجدد على عدم إدخال تغييرات كبيرة على الشكل التقليدي للمنزل المكون من طابقين، فشبابيك النوافذ الحديدية المنقوشة تركت كما هي، وكذا الأبواب الخشبية الكبيرة للبيوت، بينما زينت جنبات الجدران بالزخارف المراكشية المتميزة بألوانها الحارة مثل الأحمر والأخضر والأصفر، التي تمنح المكان دفئا خاصا.

أما الإكسسوارات فهي عبارة عن مرايا خشبية مزخرفة، وأوان فضية موزعة بين الزوايا.

يسهر على خدمة الزبائن فتيات يرتدين لباسا تقليديا يسمى «الجبادور»، وهو مكون من قطعتين، سروال فضفاض وقميص طويل، مطرزين من الجوانب.

أما لماذا اختيار الفتيات نادلات للمطعم من دون الشباب، فلأنهن يتميزن بالأنوثة والليونة، كما قالت أسماء الخطابي، مديرة المطعم.

وأوضحت الخطابي، وهي أيضا زوجة مالك المطعم، أن فكرة إنشاء مطعم تقليدي في الرباط، جاءت بإيعاز من وكالات الأسفار التي كانت هي وزوجها يشتغلان معها بحكم ملكيتهما لمطعم تقليدي آخر بمدينة فاس،حيث لاحظت وكالات السياحة افتقاد الرباط إلى مطعم من الطراز التقليدي متخصص في تقديم وجبات من المطبخ المغربي للسياح الأجانب، ومن ثم تحولت الفكرة إلى مشروع، وافتتح أول مطعم في المدينة القديمة للرباط، التي لم تنتشر فيها حتى الآن ظاهرة تحويل الدور القديمة إلى مطاعم ومنازل للضيافة كما تم على نطاق واسع في مدينة مراكش. وتراهن الخطابي على المستقبل السياحي الذي ينتظر العاصمة بعد تنفيذ المشاريع السياحية فيها، وعلى رأسها مشروع تهيئة ضفتي نهر أبي رقراق القريب من المدينة العتيقة، الذي سيغير وجه المدينة الذي ظل لسنوات يحمل طابعا إداريا، يخفي جمالية المدينة ومعالمها السياحية التي تعرضت للإهمال. وتستعين الخطابي للقيام بتحضير الوجبات التقليدية بامرأتين مغربيتين لا تتوفران على شهادات في فن الطبخ، إنما هي خبرة وتجربة السنين المتوارثة عن الجدات والأمهات التي تتفوق على كل الشهادات التي تمنحها المراكز والمعاهد، إنهن يحضرن الأكل المغربي بـ «أصوله وقواعده»، تقول الخطابي.

يقدم المطعم جميع الأطباق الأساسية والسلطات المعروفة في المطبخ المغربي الذي لا يختلف اثنان عن لذة وصفاته وتميزها بنكهات البهارات والأعشاب المنسمة، من بينها طبق البسطيلة الشهير بالدجاج والبيض واللوز، وطاجين اللحم بالبرقوق المعسل واللوز المحمر، وطاجين اللحم بالخضر، او الدجاج بالزيتون والليمون المخلل، وطاجين الكوارع او «الهركمة»، وطبق الكسكس بالخضار، والشواء، وسلطة «التكتوكة» المكونة من الفلفل الأخضر والطماطم، والجزر المخلل، وغيرها من الأكلات الغنية بقيمتها الغذائية ومذاقها اللذيذ.

تزور المطعم من حين لآخر مجموعات سياحية من مختلف الجنسيات، من بينهم صينيون، وألمان، وانجليز، وفرنسيون، وايطاليون، واسبان، وتقول الخطابي إن ملاحظة السياح الأجانب حول الأطباق المقدمة إليهم هي انه بالإضافة إلى لذة مذاقها، فهي مشبعة كما يقولون، إذ أحيانا الوجبة المخصصة لشخص واحد يتقاسمها شخصان او ثلاثة.

ويمكن للزبائن أيضا أن يتمتعوا بالأكل في الأمسيات على أنغام عزف على العود، أو غناء فرق موسيقية، حسب الطلب.