الأكل «المنزلي» ما زال سيد الموقف في ايطاليا، ورغم المطاعم الفخمة والطهاة على شاكلة نجوم السينما والمنتجات النادرة مهما كلف الثمن، فإن المطاعم التقليدية الصغيرة التي يمتلكها الزوج وتطبخ فيها زوجته أطباقها المحببة هي التي تقدم الوجبات اللذيذة بالأسعار المناسبة. وهناك ايضا المطاعم الصغيرة ذات الأسماء العجيبة مثل مطعم «الحمار المطبوخ» في حي تراستيفيريه بروما. وسر اختيار هذا الاسم الغريب الذي يدل على خيال صاحبه هو أن رقم عنوان المطعم هو 48 (quaranotto) التي يتناغم لفظها بالايطالية مع كلمةasinocotto) ) أي الحمار المطبوخ وهي أغنية خاصة للأطفال لتعليمهم أرقام الحساب! في روما تجد العشرات من المطاعم على هذا النمط، وبعضها غير معروف للسائح ولدليل المدن، لكنها مشهورة لدى سكان الحي والخبراء في البطون.
ألفارو: لا شك في أنك ستحس بالجوع بعد جولة في أهم أثر روماني في العاصمة الايطالية وهو الكولوسيوم، ثم زيارة حمامات كاراكالا التي كانت تتسع لـ 1600 مستحم بالماء الحار والدافئ والبارد بعد التمارين الرياضية المعروفة قبل ألفي سنة، وحين تصل الى ملعب ماسيمو الروماني، حيث كان يجري سباق العربات كما نرى في الأفلام التاريخية، ننصحك بالتوقف عند صرح طعامي لن تندم على زيارته. أفضل مطعم للأكل البحري يمتلكه ألفارو دي ميكو وتعمل زوجته ميما كالطاهية الرئيسية وابنه انجلو يخدم الزبائن بسرعة ولطافة وكأنهم مدعوون لدى والديه. السمك والمأكولات البحرية الطازجة أمر مضمون في هذا المطعم الناجح منذ حوالي أربعين عاما، وسر نجاحه أن الطاهية تحضر أكلاتها المفضلة وكأنها تطبخ لزوجها وابنائها ولديها وصفات ورثتها عن جداتها مثل المعجنات بالفطر والقريدس (الجمبري) التي تبدو بسيطة في التحضير، لكن اليد الخبيرة التي تعرف توازن المدخلات والنكهات وكمية الفلفل ومرق الطماطم تبدو كالصيادلة أيام زمان حين كانوا يحضرون الأدوية بأنفسهم لا يبيعونها في علب جاهزة. المشرف الأكبر هو ألفارو بنفسه فهو يعرف مذاق الأكلات اللذيذة ويداوم يوميا على مطعمه فهو مملكته ومنطقة نفوذه، وبعد التأكد من أن الأمور تسير على ما يرام يستمتع بوقته أثناء الغداء، ويتفرج وسط المطعم والزبائن على نشرة أخبار التلفزيون اليومية كأنه جالس في بيته، فالجو الهادىء الوثير في المطعم لا يختلف عن جو المنزل. اذا تصفحت الانترنت ستجد أن الزبائن الذين تذوقوا الأكل عند ألفارو يقسمون أنه واحد من أحسن عشرة مطاعم في روما بكلفة لا تزيد على 45 يورو للشخص الواحد (67 دولارا).
Alvaro – Via dei Cerchi, 53 – Roma – Tel. 06 6786112 أركانجلو: بالقرب من ساحة قصر العدالة الذي تم بناؤه عام 1910 والحافل بالتزيينات المتداخلة المحتشدة وخطوطها القاسية البارزة، وعلى بعد دقائق من عاصمة الفاتيكان وحصن سان أنجلو، سجن البابوات المطل على نهر التيبر، نجد مطعما مميزا بأطباقه البيتية وخدمته المهذبة وجوه المريح. الزوج أركانجلو دانديني وزوجته ستيفاني من أصحاب المطاعم الشباب الذين يعملون معا على انتقاء الأطباق اليومية والاشراف على تحضير المآكل، وقد درسا في المعاهد التي تخرج المختصين بالمطاعم وادارتها والطهاة، وعملا سابقا في مطعم راق جعلاه من أرقى وأشهر مطاعم العاصمة. يتأكد أركانجلو يوميا من جودة المواد اللازمة للمطبخ من الخضار والفاكهة واللحوم والأسماك الطازجة، ويمتاز بالفضول في البحث والاستقصاء عن لائحة الطعام التي ترضي كل الأذواق من محبي المطعم المحلي، مثل لحم الغنم مع الخرشوف الى المعجبين بالتفنن الجديد في ابتكار الأطباق كحلويات الكستناء والاناناس المنقوع مع صلصة الشوكولاته البيضاء. ويقوم الاثنان بخدمة الزبائن، فتحس وكأنك ضيف عندهما. للزوجين فضل على العاصمة الايطالية لأنهما من الجيل الجديد الذي قلب مفاهيم المطعم الحديث من مكان لالتهام الأكل التقليدي لأبناء الحي الى مؤسسة فردية صغيرة يشرف صاحبها على كافة التفاصيل ويعمل بنفسه على دراسة متطلبات ورغبات الزبائن من كافة الأطياف، ثم تقديمها بشكل فني وصحي يغري بالأكل في مطعم خارج الدار انما بروح الأكل الايطالي البيتي المحبوب. لن تكلفك الوجبة لشخص واحد أكثر من 50 يورو (حوالي 75 دولار)، إلا اذا طلبت أطباقا باهظة الثمن مثل الفواغرا أو الكافيار.
Arcangelo – Via G.G.Belli, 59 – Roma – Tel 06 3210992 كاليمبور: مطعم صغير قرب مقر التلفزيون الرسمي الايطالي، في حي يقطنه أبناء مدينة روما، ويتردد اليه سكان الحي منذ افتتاحه قبل عام ونصف العام. الزوج ماريو بابيني اكتسب خبرته العملية اثناء عمله في المطاعم الباريسية، ثم عاد الى موطنه وافتتح المطعم مع زوجته رافايلا بعد أن حول دكانا شعبيا لبيع البيتزا على الواقف الى مطعم حديث وجلب طباخا من المهاجرين من الاكوادور في اميركا اللاتينية، واسمه تيدي وعلمته رافايلا اصول الأكل الايطالي والاجنبي فكان الكسكس بالخضار من مبتكراته الناجحة، بالاضافة الى السباغيتي التقليدية الايطالية، كذلك الصدف البحري المطبوخ على الطريقة الفرنسية. المكان مزدحم بالرواد ولا عجب لأن سعر الوجبة الكاملة اللذيذة والمعلنة على الحائط يوميا باللوح والطبشور لا تتجاوز 25 يورو (37 دولارا) والرضا مضمون.
Calembour – Viale Mazzini, 31 – Roma – tel. 06 3217531 فينو وكامينو: اذا كان لديك متسع من الوقت للخروج من مركز المدينة والسفر بالسيارة أو القطار لمدة نصف ساعة سترى ثلاث مدن صغيرة على ضفاف بحيرة كانت فوهة لبركان قديم خارج روما. أول تلك المدن هي براتشانو بهضابها المشجرة الجميلة بالزيتون والعرعر والبلوط والكستناء وفيها قصر تاريخي للأمير أورسيني بني في القرون الوسطى ويطل على المدينة والبحيرة، كما تقام فيه حفلات الزفاف الخاصة وآخرها زواج الممثل الاميركي توم كروز. تجد في ساحة عند مدخل القصر مطعما ريفيا (تراتوريا) يمتاز بالمآكل الرائعة والأسعار الزهيدة نسبيا لأن الزوج ماسيمو باروني وزوجته الحسناء باولا يقومان بخدمة الزبائن بينما تعمل اخته كريستسنا (58 سنة) في المطبخ وتحضر الأطباق البيتية من الأقاليم التي تذكرك بنكهة الطعام في الأيام الغابرة حين كانت ربات البيوت يتفوقن على أكبر شيف في البلد. افتتح المطعم عام 1995 وفيه 60 طاولة ونجح نجاحا باهرا في السنوات الأخيرة بعد أن تعرف عليه الذواقة وأهل المنطقة ومن يحب التنزه عل كورنيش البحيرة القريبة. لائحة الطعام تشمل بعض الأطباق من منطقة لازيو وعاصمتها روما وأبروتزو الجبلية القريبة من العاصمة الايطالية مثل المعجنات بالجبن والفلفل الأسود واللحم المسلوق مع الصلصة المنفصلة. قالوا لي: اذا زرت هذا المطعم فستعود اليه من دون شك. تناولت شوربة العدس مع السمك الصغير المسمى الحبار الصغير أو الصبيدج seppia بالايطالية، مزيج بدا لي غريبا حين سمعت به، لكنني حين التهمته شعرت بمدى التوفيق في اضافة القليل من الثوم والطماطم والفلفل الأحمر الحار الى السمك والعدس البني اللون المطبوخ حسب الأصول، كما جربت طبقا جديدا من اقليم بوليا في جنوب ايطاليا وعاصمته باري عبارة عن الفول الأخضر المطبوخ والمهروس تماما (مثل الحمص بالطحينة)، وقد غطي بالهندباء البرية المقلية بالزيت والثوم وذرات من الفلفل الأحمر الحار، وطبقا آخر من الملفوف المحشو بالأرضي شوكي أو الخرشوف المقطع واللحم المفروم. أما الحلويات فكانت بسيطة لكنها من أطيب الوصفات وهي كعكة (تارت) مغطاة بالكرز البري المطبوخ بالسكر. سألت ماسيمو: الأكل هنا رائع لكن تحضيره بهذه الطريقة المتقنة يستوجب الكثير من الوقت فما الذي يدفعك الى اختيار هذه المهنة؟ أجاب بثقة «كان الأمر تحديا بالنسبة لعائلتي ولأختي بالذات، لكنه الهوى وحب تجربة الوصفات المختلفة وتمكنا من اختيار المواد الطازجة في هذا الجو الريفي والعودة الى أذواق جداتنا والابتعاد عن المنتجات الباهظة، فنجحنا في معادلة النوعية الجيدة والسعر المحدود»، ثم أردف قائلا بعد أن دفعت 30 يورو (حوالي 45 دولارا) «ألا تحب العودة الينا مجددا؟.. انك في بيتك هنا».
Vino e Camino – Piazza del Castello – Bracciano – Tel. 06 99803433