خبزة الباحة.. سيدة الوجبات في جنوب السعودية

تعتبر الخبز الأكبر والأثقل في العالم

TT

في وسط أزمات الخبز التي تجتاح الكثير من دول العالم، وبالذات النامية والفقيرة والمعدمة، تقف الخبزة البلدي في منطقة الباحة شامخة بحجمها وكمية الدقيق الذي تستهلكه والطريقة التي تعمل بها والأدوات التي تستخدم لإخراجها إلى السفرة، التي غالبا ما تكون سيدة الوجبات اليومية ومن دون استثناء، فهي صالحة لكل زمان على مدار اليوم وفي الأعياد ومناسبات الزواج، بل يعتبرها الكثير حجر الزاوية في الوجبات الرئيسة.

والخبزة التي تصنع حصريا في منطقة الباحة، تلقى عناية الأهالي، وبالذات لزوار الباحة في فصل الصيف، عندما تتسع دائرة السياحة الخليجية، إلا أنها توزع بالمجان حتى تاريخه ولم يتم استثمارها، بالرغم من السؤال عنها واعتبارها ذات مذاق خاص، ويعتبرها المستهلكون هدية للزائر، وهذا ما درجت عليه المنطقة في مشاركاتها في «الجنادرية» في كل عام إلى جانب العسل والسمن البلدي الذي يقدم كإدام إلى جانب المرق.

والخبزة التي تشتهر بها الباحة تصنعها المرأة بصورة فردية أو جماعية، وهذا يخضع لحجم الخبزة ومناسبتها، وقد يصنعها الرجال وقت الضرورة كما هو الحال في «الجنادرية». ومن أدواتها أنها تصنع في الملة بواسطة حجر رقيق توقد عليه النار حتى تصبح درجة حرارته قرابة المائة درجة مئوية، ثم توضع العجينة على الحجر وتوقد عليها النار ببطء شديد حتى يصفر لونها، بعدها يوقد عليها بشجيرات الشث البري ليعطيها نكهة فريدة مرتبطة برائحته المميزة، ثم يعلى عليها بالرماد الشديد الحرارة ليكون من سطحها طبقة سميكة ذهبية اللون يسمونها القراشة أو القشارة، بضم القاف باختلاف لهجات القرى، ثم اللبة التي تحتجب داخل القشرة السفلى والعليا والتي تشكل أكبر كمية في وزنها، إلا أنها تخف كثيرا بسبب الحرارة. وتوزع الخبزة بعد تقطيعها بالجنبية أو بالسكين الغليظة، حسب حجمها، إلى مربعات ومثلثات، وهكذا تقدم للضيوف، وأحيانا يتم وضع البيض في داخلها كحشوة تزيدها طعما وتدخل مادة غذائية معها، إلا أنها عادة ما تكون في الأسفار عندما كان المواطنون ينتقلون من المنطقة إلى الطائف ومكة المكرمة بواسطة الدواب أو سيرا على الأقدام قبل عشرات السنين، كما يروي كبار السن، ولعلكم تستغربون عندما تعرفون قطرها ووزنها، إذ تزن ما بين كيلوغرام إلى أربعين كيلوغراما، وقطر يتراوح بين ثلاثين سم وبين متر ،على شكل دائرة يحملها الرجال على أكتافهم، وقد تحمل على خشبتين بين رجلين في حجمها الكبير، وتكون مثار فخر بين الأسر عند تقديمها كهدية لأصحاب الزواج في قصور الأفراح وتعرض أمام الضيوف بصورة جذابة على خط مستقيم أو مرصوصة فوق بعضها، والبعض يقوم بدهنها بالسمن البلدي لتكون أكثر بريقا ولمعانا وألذ طعما. والمقادير لا تزيد عن كيس من دقيق البر البلدي، أو ما يماثله بوزن أربعين كيلوغراما، يتم عجنه بالماء، يتناوب على عجنه ما بين ثلاث وخمس نساء حتى يكوّن كتلة واحدة، وأحيانا ينثر عليها كميات من السنوت البلدي أو عدد من حبات البيض، يستمر عملها لأكثر من ساعتين تقريبا، تقدم مع المرق والعسل والسمن وقد تؤكل من دون إدام للذة طعمها، ولعلمكم فالكثير من زائري الباحة أول ما يتبادر إلى ذهنهم عند الوصول السؤال عن الخبزة، وتظل علامة الاستفهام معلقة لحين العودة، إذ يحملها البعض معه كأغلى هدية أشبه بالكليجة القصيمية والحلوى العمانية.