«ماك عمر».. «ماكدونالدز» على الطريقة المراكشية

مساحته لا تتجاوز 5 أمتار مربعة

TT

إذا كانت مطاعم الماكدونالدز الأميركية هي إحدى أكبر وأشهر مطاعم الوجبات السريعة في العالم، فإن مطعم «ماك عمر»، الذي يوجد بمدينة مراكش المغربية، ليس سوى محل صغير تبلغ مساحته خمسة أمتار مربعة.

وإذا كانت مطاعم الماكدونالدز تشتغل بحسّ تواصلي وحملات اشهارية ملونة، عبر الجرائد والمجلات أو في الإذاعة و التلفزيون، فإن «ماك عمر» لا يعلق ولو مجرد لافتة صغيرة تعرف به، كما أنه لم يوزع يوماً ملصقات أو يشتري مساحات اعلانية تعرّف به،كما يفعل البعض هذه الأيام في شوارع المدينة، إعلاناً عن فتح محلات متخصصة في «البيتزا» وغيرها من الوجبات السريعة.

وإذا كان الطعام الأساسي الذي تعده مطاعم الماكدونالدز هو «الهمبرغر» بكل أنواعه وألوانه، مرفقاً ببطاطس مختلفة الأشكال، كما تقترح وجبات الإفطار والمشروبات الغازية وشتى أنواع العصائر والقهوة والحلويات، فضلاً عن المثلجات والسلطات، فإن «ماك عمر» متخصص في الطبخ المغربي، بشتى أصنافه وأشكاله ومأكولاته، والتي غالباً ما تـُرفق وجباته بكؤوس الشاي.

وإذا اعتبر الماكدونالدز رمزاً للرأسمالية العالمية وتجسيداً لمبدأ العولمة، عبر شعاره الشهير الملون بالأصفر والأحمر، والمرفوع في معظم دول العالم، فإن «ماك عمر» مجرد مطعم شعبي مراكشي، يشتغل من دون حاجة إلى تلميع صورته، التي يأخذها من وجوه وجيوب زبائنه، ولذلك فهو لا يرفع شعاراً خاصاً به، وبالتالي فهو لا ينشغل باختيار الألوان التي ستشكله، أو أن يستنسخ ليـُشكل سلسلة مطاعم شعبية تزاحم سلسلة مطاعم ماكدونالدز الشهيرة عبر العالم.

وإذا كان مستخدمو الماكدونالدز موحدين في ملابسهم ومتأنقين كما لو أنهم يحضرون حفل تخرج من إحدى الجامعات الشهيرة، فإن مستخدمي «ماك عمر» يكتفون ببدلات بيضاء ويعطونك الانطباع، وهم يبتسمون في وجهك أو يسألونك عن أحوال العائلة، بأنك نازل ضيفاً في منزل الأهل لا في مطعم شعبي، يتطلب العمل وفق قاعدة العرض والطلب ومنطق البيع والشراء. أخذ «ماك عمر» اسم صاحبه،«بـّا عمر»، الذي، قبل أن يستقر بالمطعم الحالي الموجود على بعد أقل من 400 متر عن مطعم الماكدونالدز الكائن بشارع جليز، اشتغل في محلين سابقين على مدار أكثر من عشرين عاماً. وإذا كان المطعم السابق، مثلاً،يحمل اسم «النيل الأزرق»، فإن للحالي اسم «ويمبي». وهي في الواقع أسماء لا يكثرت لها الزبائن كثيراً، ما دام أن تسمية «ماك عمر» ظلت تلتصق بكل المحلات التي مر منها «بـّا عمر». وفي الوقت الذي يعلق فيه الماكدونالدز لوحات إلكترونية تعرف بالمأكولات وتحدد الأثمان، فإن «ماك عمر» لا يعلق شيئاً. فهنا، كل الزبائن يعرفون أنهم سيأكلون ما شاءوا من الوجبات الشعبية، من دون أن يتجاوز واجب الوجبة المطلوبة سقف 20 درهما (دولاران). ويشتغل «ماك عمر» على مدار اليوم، بالليل كما بالنهار، حيث كل المأكولات المغربية المعروفة متوفرة، من الطاجين والطنجية والكسكس إلى العدس والفاصوليا والبيصارة.

وإذا كان من عادة زبناء الماكدونالدز أن يؤدوا مقدماً مقابل ما طلبوه قبل تذوق الوجبات، فإن «ماك عمر» يترك للزبون فرصة سدّ جوعه، وحتى في حالة ما إذا كان الجيب «بارداً» فيمكنه أن يؤجل الدفع إلى وقت لاحق أو أن ينسى الأمر، إن شاء. وقال الزبون محمد الخنيفري، لـ «الشرق الأوسط»، وهو يهم بمغادرة المطعم «أنا مراكشي، وأقصد منذ 21 سنة المطاعم التي اشتغل فيها «بـّا عمر». الثمن أكثر من مناسب، رغم أن المطعم يوجد بحي جليز الشهير، كما أن التعامل طيب والأكل شهي تشعر معه كما لو أنك جالس في بيتك».

من جهته، بالكاد تذكر عبد الصمد، ابن «بـّا عمر»، الاسم الرسمي للمحل، وقال لـ«الشرق الأوسط»:«إن الناس يعرفون المطعم أكثر بتسمية «ماك عمر»، وهو اسم أطلقه بعض الزبائن على سبيل التفكه، فصار لقباً وشهرة للمطعم». وبخصوص ما يميز «ماك عمر» حتى صار مشهوراً بين المراكشيين، أجاب عبد الصمد «ان ذلك كله يرجع لعدة أسباب، أهمها أن كل المأكولات الشعبية المغربية موجودة، كالكسكس، والطاجين بالخضر أو بالكفتة والبيض، و«التقلية»، والعدس، والبيصارة، واللوبية (الفاصولياء)، كما أن الأثمان لا تتعدى عشرين درهما كما هو الحال مع «الطاجين»، فضلا عن أن المطعم مفتوح على مدار اليوم، بالليل كما بالنهار. كما أن بعض الزبائن يقصدون المطعم رغم أن جيوبهم يمكن أن تكون فارغة، حيث يسدون جوعهم ويذهبون في انتظار أن يسددوا دينهم في ما بعد». وأضاف عبد الصمد، قائلاً:«إنه يوجد بين الزبائن المطعم الشعبي سياح أجانب، وهم غالبا ما يطلبون الطاجين بالخضر. والحمد لله،فلا أحد اشتكى يوماً من غلاء الأكل أو من سوء المعاملة. والأهم أن الثمن في متناول كل الطبقات، والدليل أن ثمن وجبة «بيتزا» واحدة يمكن ان تسد جوع أربعة أو خمسة أفراد، كماً وكيفا.

وبخصوص ما أثار انتباهه أكثر في الزبائن المطعم،ختم عبد الصمد (ضاحكا) «تخيل أن منهم من يطلب «الكرعين» (الكوارع) أو الطاجين في الصباح، بالتزامن مع وقت الإفطار»!