أكلات جازانية تفرض نفسها على المائدة السعودية

فيها «المرسة» و«المغش» و«المفتوت»

TT

على الرغم من زحف المطبخ الاجنبي بمختلف مكوناته ووجباته السريعة، لا يزال المطعم العربي القديم راسخا بمذاقه الفريد الضارب في عمق الزمن والذي ارتبط بوجدان الانسان ولم يفارقه حتى اذا ارتحل من موطنه الاصلي. ولا تزال الأسماء التي تضمها قائمة الطعام في جازان تثير الشهية بحسبانها متداولة في رقعة واسعة من منطقة جنوب الجزيرة العربية، مثل المرسة، والمغش، والمفتوت الى جانب أدوات الطبخ التقليدية التي تمنح تلك الأطباق المذاق الفريد.

منطقة جازان التي تمتاز بالكثافة السكانية يحرص أهلها على المحافظة على موروثاتهم القديمة والشعبية، ومنها محافظتهم على نوعية الأكلات الشعبية القديمة واللذيذة التي اشتهرت بها المنطقة منذ القدم والتي يمتاز بعضها بأنه من أطباق المرتفعات الجبلية وأخرى من أطباق البحر التي تمتزج بالأسماك وغيرها من المنتجات البحرية.

المذاق الرائع للأطعمة الجازانية يكمن في احتراف صناعته، وتحرص الامهات على تعليم بناتهن هذه الفنون منذ وقت مبكر، وحتى المطاعم التي تعد مثل تلك الوجبات تعتمد على نساء يقمن بصنعها في المنازل ثم تؤخذ الى المطاعم. ففي كل منزل جازاني تجد ما يسمى (بالميفا) او التنور للخبيز والحنيذ وعمل المغشات وغيرها من إعداد للدقيق والبر والخمير والخضير الشهي والمدوّل، والميفا هو عبارة عن تنور يوضع خارج المنزل مصنوع من الفخار ويثبت في الأرض بالطين والبعض يستخدم الاسمنت في تثبيته أيضا وهو يستخدم للحنيذ والمدول وخبز العيش مثل الخمير والدقيق وشوي السمك ودائما تجد الحطب بكثرة بجوار الميفا.

وتعتبر «المرسة» سيدة المائدة الجازانية، فهي من الأكلات الشهيرة التي حازت حب وإعجاب الناس داخل وخارج جازان، ووجودها مفروض على كل الموائد في وجبة الغداء على وجه الخصوص، وهي عبارة عن الدقيق أو البر معجونة بالموز موشحة بالسمن البلدي البقري الأصلي والعسل الذي لا تحلو المرسة الا به، وتنتزع الحب والاعجاب من بين بقية الاطباق الاخرى.

ويستخدم المغش (المدول) وهو اناء حجري يوضع به اللحم والماء والبهارات وقليل من الخضروات مثل الجزر والبطاطس والطماطم والبصل ويوضع في التنور لمدة زمنية تتراوح بين ساعة او ساعتين ومن ثم يخرج من (الميفا) ويقدم حارا شهيا لذيذا بالمرق واللحم ويتناول مع أقراص الخمير أو اللحوح أو الدقيق.

ومن الأدوات الرئيسة في الطعام الجازاني (الحيسية) أو المفتوت التراثي وهو إناء من الفخار تعجن به أقراص الخمير أو البر، ويفت مدقوقا بأداة تسمى (المفت) حتى يصبح لينا، وذلك بإضافة المرق إليه، وبعد الانتهاء من فته يوضع عليه اللحم، ويعتبر من أشهر المأكولات القديمة التي اقترن اسمها بالمنطقة، وتقدم كوجبة أثرية وشعبية في الأعياد والمناسبات القروية.

كما اشتهرت المنطقة بالأكلات المتنوعة الكثيرة التي تنفرد بها عن باقي مناطق المملكة، مثل المفالت والهريسة والحلبة والغلف وغيرها، وبعض الأطباق التي تحتوي على الأسماك الشهية المختلفة مثل أسماك البياض والكنعد والشعور والعربي والهامور والحريد مشوية بـ(الميفا) الشهير أو مقلية بالزيت. وبالرغم من الازدهار الاقتصادي الذي تتمتع به المنطقة كغيرها من المناطق السعودية، الا أن أهاليها لا يستطيعون الاستغناء عن هذه الأكلات التقليدية حيث تجدها دائما في مناسباتهم التي تجمع عددا كبيرا من الناس كمناسبات الختان والأفراح والأعياد، حيث تعتبر تلك الأطباق أساسية في إكرام الضيوف، كما تعتبر من الأطباق الرئيسية في الوجبات اليومية.

أطباق جازان تتبع أهلها اينما حلوا فقد انتقلت الى العديد من المناطق الاخرى في السعودية واصبحت لها مطاعم اشتهرت بها في المدن الكبرى مثل الرياض وجدة والدمام والمدينة المنورة وغيرها.

ويحرص اهل جازان على ابراز أطباقهم المميزة في المواسم والاحتفالات والمهرجانات الكبرى، وقد شهد المهرجان الشتوي الذي أقيم أخيرا زخما وثراء من هذه الأطباق الشعبية المشهورة حيث قامت كل محافظة بتقديم أطباقها الشعبية المشهورة للزوار.

وما زال أهالي منطقة جازان يحتفظون بأدوات المطبخ القديمة مثل المغش والحيسية والمفت والملحا والميفا وكذلك الملحا التي توضع بجانب الميفا وهي إناء فخاري يثبت بالطين ويستخدم لصنع اللحوح والفطائر بأنواعها.