«كبد الأوز».. بين المذاق والأخلاق

الطبق الفرنسي المثير للجدل

TT

يقتفي هذا التحقيق سيرة إنتاج واحد من أكثر الأطباق الفرنسية شهرة في فرنسا والعالم. فكبد الأوزة أو كما يسمى بالفرنسية Foie Gras يعد من أشهى الأطباق وأغلاها ثمناً، إذ يبلغ السعر المتوسط لطبق من كبد الأوز الفرنسي المطبوخ 25 يورو كحد ادنى ليصل في المطاعم الفاخرة الى حوالي 200 يورو للطبق الواحد. مع ذلك فإن فرنسا تستهلك سنوياً حوالي 21 ألف طن في حين أن إنتاجها لم يتجاوز تسعة عشر ألف طن في عام 2006. وباستثناء سر النكهة وعذوبة مذاق هذا الطبق فلا أحد يعلم ما هو سبب الإقبال الشديد على تناول هذا الطبق في فرنسا، باستثناء المتعة. لكن مع ذلك يوجد تاريخ وقصص وحكايات، مزيج من الحقيقة التي يذهب ضحيتها طيور الأوز والإوز، والأساطير التي تحفز على هذا الإقبال الى الجودة في الصنع، وغير ذلك من أشياء وعوامل كثيرة تتضافر بعضها مع البعض الآخر لتصل في النهاية الى طاولة الطعام.

تذكر المصادر بأن تقنية Gavage أو (التلقيم) ابتكرت في مصر القديمة بحوالي 2500 سنة قبل الميلاد. ما يعني أن الفراعنة كانوا هم أول من بدأ في استخدام هذه التقنية من أجل حفظ الأغذية في مصادرها. فكانوا يلجأون الى هذه التقنية في تسمين طيور الأوز وذبحها بعد ذلك واستخدام ما ينتج منها في التغذية بشكل عام. واليوم تعتبر فرنسا البلد الرائد في استخدام هذه التقنية على الرغم من الجدل الدائر حول ما تعكسه على هذه الطيور من عذاب يستمر لأيام قبل البدء بإجراء الذبح الذي يصبح ضرورة حتمية. وفي حين أن فرنسا تسمح باستخدام هذه التقنية لأسباب عديدة أهمها على الإطلاق ارتباط هذا النوع من المأكولات بالثقافة والتقاليد الفرنسية. إلا أن عدداً من الدول الأوروبية ترفض استخدامها وتمنعها على أراضيها. مع أن الفراعنة هم أول من استخدمها وثمة إشارات وآثار كثيرة في مصر القديمة تشير الى استخدامهم لها، إلا أن المصادر أيضاً لا تؤكد أنهم استخدموا هذه الطريقة لأكل الكبد فقط، كما أن كبد الأوز غير موجود إطلاقاً في فن الأكل gastronomy المصري الحديث، ما يعني أن هدف التسمين عند الفراعنة لم يكن الكبد أبداً. والحق أن القوانين الفرنسية التي تسمح باستخدام هذه الطريقة العنفية في تغذية طيور الأوز أو طيور الإوز لانتشال كبدها وتصنيعه طعاماً فاخراً، إلا أنها حددت من خلال مجموعة قوانين الكيفية التي على هذه العملية في التغذية أن تسير عليها. مع ذلك، لا تخفف القوانين من رحلة العذاب التي تستمر لأسابيع. لم يكن الفراعنة آباء تقنية التلقيم وبالتالي تسمين الطيور يستخدمون هذه الطريقة الحديثة والمتعارف عليها اليوم مع الطيور الداجنة. بل وفقط مع الطيور المهاجرة التي يعتبر الأوز والإوز من أهمها. فكانوا ينثرون حبوب الذرة بكميات كبيرة على جانبي نهر النيل لكي تأكل هذه الطيور وتصاب بالتخمة وتسمن بمدة زمنية سريعة قياساً الى نموها الطبيعي. ولذلك فإن الكبد لم يكن هو هدف التسمين، إنما، كان الهدف تسمين الطيور بشكل عام من أجل أكلها فيما بعد. ثم لاحقاً تطور مفهوم التغذية عندهم ليتم من خلال التلقيم المباشر للطيور وتسمينها. وكانت هذه الطريقة تتم في مصر القديمة حتى وجود الدولة الرومانية التي أخذتها عن المصريين في القرن الخامس قبل الميلاد دون أن تأخذ من شهرة مصر في ابتكار هذه الطريقة. وكما في مصر كذلك عند الرومان لم يكن الهدف هو كبد الأوز، بل الطير كله الذي كان يذبح ويستخدم في الأكل وكذلك تستخدم شحومه في الإنارة وبعض الصناعات. وقد ذكر الشاعر والرحالة اليوناني Cratinus هذا الأمر حين زار مصر القديمة عام 361 ق.م معتبراً أن هذه التقنية إضافة الى تقنية تسمين العجول هي من أهم ثروات المصريين الاقتصادية في ذلك الزمن. مع بزوغ نجم الإمبراطورية الرومانية، وسيطرتها على حوض البحر المتوسط تأثرت بهذه التقنية، من خلال الاحتكاك المباشر، بعدد كبير من التجار المصريين، الذين كانوا يتعاملون تجارياً مع التجار الرومان. وبدأ الرومان استخدام هذه التقنية، لاستخلاص الشحوم من هذه الطيور وبيعها لاستخدامها في الإنارة عدا عن بيع اللحوم للعامة من الناس ولعلية القوم. لكن في وقت لاحق وجد خبير روماني بالأطعمة يدعى ماركوس طريقة عملية أكثر في عملية التلقيم لكنها تسبب الأذى للطيور من خلال إرهاق هذه الطيور بالأكل المستمر لعدة أسابيع قبل وقت الذبح. وكانت طريقته تعتمد بدرجة أولى على تضخيم الكبد من خلال تغذية الأوز بحبوب الذرة مخلوطة بالتين المجفف الذي يساعد على تكبير الكبد بصورة سريعة جداً. لكن هذه التقنية اختفت بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية. ولم يعد أكل كبد الأوز موجوداً حتى القرون الوسطى في أوروبا. ففي ذلك الوقت، تقول المصادر بأن السبب في عودة هذه التقنية يعود الى اليهود الذين استخدموا هذه التقنية ليس للحصول على كبد الأوز فقط وإنما للحصول على الدهون التي تنتج عن عملية التغذية. إذ ان اليهود يملكون طريقة خاصة في الأكل تسمى الكاشير Cacher أو الكوشير وذلك لأنهم لا يأكلون لحم الخنزير أو يستعملون دهونه في تحضير المأكولات. فكان استبدال دهون الطيور بدهون الخنزير التي كانت ولا تزال رائجة في أوروبا. فاليهود كانوا في مأكولاتهم بحسب مصادر ذلك الزمن يستعملون زيت الزيتون في منطقة حوض المتوسط وزيت السمسم في العراق وأفريقيا، حيث كانوا يوجدون. أما في أوروبا فلم تكن هناك مصادر للدهون غير الخنزير المحرم تناوله في الدين اليهودي ما جعلهم يبحثون عن مصادر أخرى للدهون، حيث وجدوها في الطيور. في مرحلة القرون الوسطى التي عاشتها أوروبا قاطبة. بدأ خبراء الأطعمة في فرنسا بالبحث عن طريقة يتم فيها استغلال ما يتبقى من هذه الطيور في تحضير عدد من الأطباق بدلا من رميها وإتلافها. فتوصل أحد هؤلاء الى ابتكار طريقة لتسمين الكبد الذي كان الطبق المحضر منه، يلقى إقبالا واسعاً من كافة طبقات المجتمع الفرنسي في ذلك الوقت. ذلك من خلال خلط حبوب الذرة مع التين المجفف الذي أعطى نتائج مذهلة في تكبير حجم الكبد الى أضعاف حجمه في وقت قياسي يمتد بين 14 و18 أسبوعاً. وتجاهد مجموعة من منظمات الدفاع عن حقوق الحيوانات في مكافحة وإلغاء هذه الطريقة التي تعامل فيها الطيور (بوحشية) لكن من دون أن تندثر هذه الدعوات في إلغاء هذه الصناعة أو حتى في تغييرها. إذ ان الطريقة تعتمد على تغذية طيور الأوز أو الإوز لعدة أسابيع، وهي تغذية تتم بالغصب حتى يبدأ الكبد بالتضخم لدرجة أن الطير يصبح غير قادر على المشي أو حتى الوقوف. وتتكرر عملية التلقيم لعدة أسابيع حتى يكون الذبح في النهاية الحل الوحيد لتخليص الأوزة من عذابها. اليوم، يعتبر إقليم الألزاس في شمال شرقي فرنسا وإقليم لاندز في جنوب غربها من الأقاليم الرائدة في صناعة كبد الأوز. وتنتج فرنسا حوالي تسعين بالمائة من الإنتاج العالمي كما أنها تستورد حوالي نصف الإنتاج من باقي الدول المنتجة. ما يعني أنها البلد الأكثر استهلاكاً لهذا الطبق. ويبرع الفرنسيون في تحضير عشرات الأطباق من كبد الأوز، كما أن بعض كبار الطهاة في فرنسا يتكتمون على طريقة تحضير أطباقهم، حفاظاً على جذب زبائنهم إليها. لكن مع ذلك توجد أطباق تقليدية تحضر من مئات السنين وبالطريقة نفسها وتختلف بين قرية وأخرى في الإقليم المنتج نفسه. ومن هذه الأطباق الأكثر شهرة في فرنسا الطبق التقليدي لقرية سكاي في جنوب غربي فرنسا وهو يحضر على الشكل التالي:

* طريقة التحضير لأربعة أشخاص

* المكونات:

- 600 غرام من كبد الأوز. - حبتان من اللفت.

- كراث عدد 2.

- جزر متوسط الحجم عدد 2.

- ساق الكرفس عدد 2.

- عصير ليمون (حامض) 20 سنتيلترا.

- 20 سنتلترا من مرقة دجاج.

- ملح وفلفل أسود (بهار).

طريقة التحضير: يزال الجلد عن الكبد بطريقة التقشير مع الحرص على عدم الإبقاء على أي أثر للجلد. كما يتم إزالة المرارة والأوردة الكبيرة والصغيرة. بعد ذلك يوضع في وعاء مع كمية كبيرة من المياه المملحة ويترك على نار هادئة لمدة ثلاث ساعات. تقشر كل الخضراوات وتقطع الى قطع صغيرة، بعدها تسلق لمدة خمس دقائق في الماء وتترك في مصفاة لاستخلاص الماء منها بالكامل. بعد سلق الكبد توضع الخضراوات المسلوقة في وعاء (صينية) وتوضع فوقها قطع الكبد بعد تقطيعه الى شرائح ويضاف الماء ويدخل الى فرن بدرجة 240 فهرنهايت. يبقى في الفرن لعشرين دقيقة، بعدها يتم إخراجه ويضاف اليه القليل من مرق الدجاج ويدخل مرة أخرى لعشر دقائق حتى يصبح جاهزاً للأكل.