الشطة.. لذتها في لذعتها

أسماؤها عديدة وحدتها واحدة

TT

حمراء، صفراء، خضراء وحتى سوداء. صغيرة وكبيرة، كاملة ومسحونة. متعددة المسميات وان أجمع عشاقها أن أجودها أشدها حرقة. في السودان يسمونها شطة، وهريسة في تونس، وتشيلي في آسيا، واللاتشياو في الصين، وتشيلي بيبر في بريطانيا وكندا، وبابريكا في معظم الدول الاوروبية، وكابسيوم في الهند واستراليا، ودليخ في اثيوبيا، أما في الكاميرون غرب افريقيا فانها كنز لا بديل عنه لكل مائدة، وهي الاكثر سخونة والألذ نكهة. وان كان العالم على نطاق واسع قد عرفها في البدء عن طريق الغزاة من الرحالة الاسبان الذين نقلوها من اميركا اللاتينية وجزر الويست انديز الا ان ربع سكان العالم اليوم يعتبرونها جزءا اساسيا من مكونات طعامهم وعادات وتقاليد مطابخهم. يتفنون في زراعتها او استيرادها لاعدادها وتجهيزها سواء لوحدها مستقلة منفردة، او كجزء لا يتجزأ من مكونات اعداد اطباق بعينها. كما تعتبر في أكثر من دولة كالمجر مصدرا اساسيا من مصادر العملة الاجنبية، ويهتم المجريون بكل الانواع، سواء الحارة او الباردة التي تستخدم لمذاقها ولونها، وتدخل كمكون اساسي في اطباق اوروبية مثل القلاش النمساوي، كما تستخدم الانواع الكبيرة الحجم للمحاشي والسلطات.

وتقول مصادر إن هناك اكثر من 400 نوع بمختلف الاحجام والالوان ودرجات الحرارة. ورغم ان شهرتها الاولى انها ذات طعم حارق او حار الا ان لها مذاقات اخرى منها الحلو، والاقرب لطعم بعض الفاكهة، بل الماسخ ذو النكهة القوية، والرائحة الشهية لذلك يكثر استخدامه منفردا او مخلوطا ضمن مجموعة من البهارات الاخرى سعيا وراء تلك النكهة المحببة.

في هذا المقال سنركز على الحار منها. وبالحرارة هنا لا نقصد بالطبع الدرجات المئوية، وانما ما تسببه من لذعة وحرقة. خاصة وقد زادت حديثا درجة الاهتمام بهذا النوع ليس كفاتح شهية، وعامل من اهم عوامل تبهير ونقع الطعام. بل اصبح ذا اهمية طبية بعد ان اكدت دراسات انه مصدر جيد كمبيد للبكتريا سواء في الطقس الحار او البارد. والطريف أنه لم يتخلف عن مواكبة حملات التخسيس. واللحاق بمحاولات الخلاص من الوزن الزائد، لما يقال من فاعليته في حرق الزائد من السعرات الحرارية كما تشير قراءات انها تدخل في بعض أدوية الأمراض الجلدية. هذا وكلما تفنن الطهاة في استخدام هذا النوع من الخضار، واصلت الشعوب التهامه والشغف به متلذذة بطعمه اللاذع وما يكسبه للطعام من متعة. ولتناول المزيد نجدهم يبتكرون وسائل للتخفيف من اثار حرارته التي يبددها البعض بازالة البذور، او بشرب قليل من الحليب لاطفاء الحرقة، او شيء من الزبادي، او تناول كمية من السكر بالاضافة لتناول لقيمات من لب الخبز او الرغيف. مع ملاحظة ضرورة الابتعاد التام عن شرب مياه باردة حتى لا تزداد حدتها حدة، فيما يؤمن البعض بتناول كوب من الشاي.

الجدير بالذكر ان استخدام هذه الثمار ليس امرا عشوائيا، بل يعكس الكثير من السلوك الاجتماعي للشعوب. ففي حين يلتهمها البعض كرمز للرجولة والشدة. نجدها عند اخرين دلالة على حرارة من تعدها من النساء. وبينما ينظر لها البعض كعامل اقتصادي بحت يستخدم لفتح شهية الفقراء من الشعوب ما يساعدهم على التهام طعامهم البائس. يقبل عليها بعض الاوروبيين كدليل على انفتاحهم على بقية الحضارات بسبب كثرة تعايشهم واسفارهم واستمتاعهم بمذاقات تختلف عما تعودوا عليه. وفيما يعتبر البعض إضافتها من البداية لمكونات الطبخ ضرورة اساسية لينضج الطعام ممزوجا بطريقة لذيذة شهية، كما هو الحال عند اعداد طبق الذقني الاثيوبي الشهير. فان الامر مختلف في المطبخ السوداني الذي يعتمد تقديمها منفصلة، في صحن جانبي «ملاحة»، ليتناولها من يشاء. وفي ذلك مراعاة لمذاق من لا يتحملونها خاصة الاطفال. واهتماما بصحة المرضى ممن ينصحهم الاطباء بضرورة تجنبها تجنبا كاملا. هذا وان كانت كثير من هذه الثمار تباع في كثير من الاسواق الشعبية مسحونة. يبدعون في جمعها على شكل تلال، كالتي تنتشر بين بائعات بسوق ام درمان السوداني، والسويقة المغربي، ومعظم الاسواق الاسيوية. وينتشر اريجها فيشمها المتسوقون، فتهاجمهم دورات من العطس، يغالبونها باهمالها كعارض طارئ، مواصلين شراء ما يحتاجونه منها. الا انها في كثير من الاسواق الاوروبية تباع داخل عبوات زجاجية. مع اهتمام بالغ بضرورة تعليق تنبيه واضح يبين مدى سخونة كل نوع من انواعها التي تباع طازجة، ويرتفع ثمنها كلما زادت لذعتها ومكان زراعتها. ويؤثر في ذلك بالطبع عوامل العرض والطلب والشحن واسعار المحروقات والدعاية. ومع التطور الذي يواكب عمليات اعداد الطعام حاليا لم يعد الكثيرون يكتفون بتناول ثمار «الشطة» كاملة بل اصبحت تسحن وتضاف اليها مكونات اخرى لتنافس بقية ما يباع من انواع «صوص وغموس» ففي السودان مثلا يعرفون نوعين من الشطة الحمراء والخضراء. واخيرا اصبحت السيدات الشابات يبدعن في اعدادها بسحن الثمار ناعمة ثم يضفن اليها ملاعق من الفول المسحون «الدكوة» مع فصوص من الثوم والملح وعصير الليمون. وفي كثير من الدول الاسيوية يخلطونها مع عصير المانجو وقطع من ثمار الاناناس فيأتي الطعم «حلوا ومالحا مميزا» وفي الكاميرون تضاف اليها حبات من القرنفل وقطع من الزنجبيل الطازج. أما في تونس والجزائر وليبيا فان تحضير الهريسة اضحى يوازي المهارة في تحضير الكسكس. وغالبا ما يحتاج اعدادها لاكثر من ساعة، حيث يتم غمرها في قليل من الماء ثم «هرسها ومن هنا جاء الاسم» باستخدام الساحن الكهربائي. ويستخدمون عادة اكثر من نوع من الثمار الحراقة يضيفون اليها فصوصا من الثوم وحبات من الكراويا والكزبرة والملح والحامض ثم تغمر في كمية وافرة من زيت الزيتون، ما يكسبها طعما رائعا، كما يمنع اختلاطها بالهواء، فلا تخرب طيلة فترة استخدامها مع الحرص على تعبئتها في برطمان زجاجي محكم الاغلاق. وقد انتشر استخدامها لعدد من دول الجوار الاوروبي، خاصة فرنسا وايطاليا واسبانيا، حيث اصبح تصدير الهريسة تجارة رائدة، ونوعا من انواع التبادل الحضاري بين شعوب المتوسط علّ حرارتها توحدهم اكثر فاكثر.