«البيك الشيباني».. مطعم النجوم والسياسيين

يعيد إنتاج تراث المطبخ اليمني بمذاق عالمي

TT

عبر أطباقه الشهية بمذاقها الأخاذ، استطاع مطعم البيك الشيباني بصنعاء، أن يضم اسمه إلى قائمة أهم المحطات والمقاصد السياحية في العاصمة اليمنية، وباتت زيارته وتناول وجبة فيه أمرا يتصدر جدول السياح العرب والأجانب القادمين إلى اليمن، إلى جانب الوفود الرسمية ونجوم السياسة والفن والإعلام والمجتمع، على نحو جعل منه محطة سياحية بارزة. وخلال الأعوام الخمسة الماضية، أصبح مطعم البيك الشيباني بطوابقه الثلاثة مكتظا على الدوام بالسياح العرب والأجانب والوفود الرسمية الزائرة إلى جانب زبائنه من اليمنيين، ولا يختلف زوار المطعم على تباين خلفياتهم الثقافية على تميز وفرادة الأطباق التي يقدمها. حتى أن عبارة أطلقها صحفي عربي بعد وجبة غداء دسمة، صارت مثلا شائعا بين الزوار والسياح، وذلك حينما قال: من لم يأكل في مطعم الشيباني، فإنه لم يزر اليمن. ولم يجد نجم الكوميديا سعيد صالح في غمرة استمتاعه بالأكل بدا من القول (إيه ده.. أنا ما أكلتش حاجات بالطعم ده قبل كده) ويقدم هذا المطعم الوجبات التقليدية اليمنية التي ورثت أهم خصائص ومقومات المطبخ الهندي والتركي والفارسي، بحكم العلاقات التاريخية والثقافية التي جمعت هذه الشعوب باليمن. واستطاع المطبخ اليمني المزاوجة بين خصائصه التقليدية والخصائص الوافدة ببراعة وإتقان، مما أكسبه هوية وطعما خاصا، ويعتبر مطعم البيك الشيباني لصاحبه عبد القوي الشيباني التجلي الأكثر وضوحا لإرث وتراث المطبخ اليمني، فمذاق أطباقه الشهي والمواصفات التي أقل ما توصف بكونها عالمية، هي توظيف دقيق لهذ التنوع الفريد الذي يمتاز به المطبخ اليمني، ويمكن اعتبار التجربة على مستوى آخر إعادة صياغة لقيم ثقافية، قوامها عدد من الثقافات المحلية والمستجلبة.. ومطعم الشيباني بذلك مرجعية حية لتراث المطبخ، يعيد إنتاجه وفقا لأحدث أساليب الطبخ والمذاق والمزاج، ودونما تفريط في الخصائص التقليدية. تتنوع الأطباق وتتعدد في هذا المطعم، مع وجود مشترك بينها وبين الأطباق في مجتمعات عربية أخرى، إلا أن طريقة طهيها وتقديمها وجاذبية مذاقها تعطيها خصوصية وطعما لا يقاوم. تبدأ الوجبة في المطعم بتقديم سلسلة من المقبلات، أولها كوب الحساء (المرق) الذي هو خلاصة لحم الخراف البلدية بطعمه المدهش، ويعد تناول كوب الحساء مضافا إليه الليمون متعة لا تقل عن متعة تناول اللحم نفسه، ثم مجموعة من السلطات المكونة من الطماطم والجزر والخيار والخس والملفوف يضاف إلى بعضها الجبن الأبيض والمايونيز والفلفل الأخضر الحار إلى جانب أنواع مختلفة من المخللات والبسباس (الشطة الخضراء المسحوقة مع الطماطم).

أما الأطباق الرئيسية، فلا تقل تنوعا وتعددا، وإن كان اللحم المسلوق والأرز البخاري أبرزها، إلا أن هناك أطباق أخرى كالسمك المتبل والمشوي في الأفران التقليدية، والجمبري الطازج المقلي وطبق العقدة (وهو مزيج من شرائح اللحم الصغيرة، مضافا إلى البطاطس والفلفل الأخضر والبهارات الحارة)، ثم السلتة وهي أشهر الأطباق التقليدية اليمنية، وهي طبخة مكونة من اللحم المفروم والأرز والبيض ومرق اللحم، تضاف إليها الحلبة المطحونة السائلة وتقدم في أوان فخارية تعرف بالحرض، وتتميز هذه الأواني بالاحتفاظ بالحرارة ويبقى الطعام بداخلها يغلي طوال فترة الأكل، وهو أمر له أهميته في المناطق الباردة كصنعاء وذمار، وتؤكل مع الخبز البلدي الذي تعددت أنواعه ومذاقاته (الرشوش، الرطب، الكرس) ويخبز في أفران خاصة بالمطعم (تنور). وتقدم إلى جانب هذه الأطباق، عصائر الفواكه الطبيعية والمشروبات الغازية والمياه المعدنية، أما أطباق الحلوى فتشمل بنت الصحن، وهي عبارة عن فطيرة مكونة من عدة طبقات تصنع من الدقيق والسمن والبيض المخلوط بالحبة السوداء، ويرش سطحها بالسمن والعسل الطبيعي، ثم فتة الموز والعسل وتتكون من الخبز البلدي المفتوت المخلوط مع عجينة الموز أو العسل إلى جانب الفواكه الطبيعية المعروفة والطازجة وإن كان الموز يؤكل هنا بغمسه في العسل البلدي، وتختتم رحلة تناول الطعام بتناول كوب من الشاي الأحمر المغلي مع الهيل والقرفة. وتعد البهارات الحارة أحد أهم خصائص الأطباق في مطعم الشيباني، وهي امتداد لتـأثيرات المطبخ الهندي بحكم العلاقات الوثيقة بين جنوب اليمن والهند عبر العصور، لذا فالأكل في هذا المطعم متعة لا تضاهيها متعة، ولا بد معها من التخلي عن برامج الحمية والرجيم ولو مؤقتا، فمظهر الأطباق الشهي والمذاق الطبيعي الطازج وروائح الطعام الفواحة الحارة، تحاصرك لتفتح شهيتك على مداها فتأكل وتشبع، حتى يخيل إليك أنك لن تجوع بعد ذلك أبدا. يحرص السياح العرب، خاصة القادمين من دول الجوار، والذين تزايدت أعدادهم بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة نتيجة زيادة معدل تدفق السياحة البينية مع اليمن، على زيارة مطعم الشيباني وتناول وجباته الشهية، وهم يروون في غمرة استمتاعهم بالطعام حكايات أقرب ما تكون إلى الأساطير حول سر هذه المذاقات الشهية، لكن صاحب المطعم عبد القوي الشيباني يؤكد في تواضع جم أنه ليس هناك أسرار في طهي الأطعمة، وإنما هي أنفاس يتميز بها الطباخون. لكنه يشير إلى أن الخراف التي يذبحها المطعم تتميز بتربيتها في مزارع طبيعية، وتعلف أوراق أشجار الأراك المعروفة وهو ما يضفي على طعم لحومها مذاقا طبيعيا وشهيا. وزبائن مطعم الشيباني من اليمنيين لا يقلون اهتماما وإقبالا، فالقادمون من مختلف محافظات البلاد يجدون في هذا المطعم إطارا يجمع أطعمة وأطباق مختلف المناطق اليمنية، ويتوفر لهم ما يفضلون من أطعمة مناطقهم بأشهى وأحلى المذاقات. وجدران مطعم الشيباني مزينة بصور فوتغرافية بإطارات فخمة وكبيرة تجمع صاحب المطعم مع زوار المطعم من نجوم السياسة والفن والإعلام العرب والأجانب، ممن زاروا المكان وأخذوا بسحر طعامه، فتجد صورا لـ محمد عبده، وأيوب طارش، وهيام يونس، ومارسيل خليفة، ومحمد مرشد ناجي، ونجم الكوميديا سعيد صالح، وسفراء النوايا الحسنة محمود ياسين، وحنان ترك. ومن الشخصيات السياسية، تجد صورة لعبد الرحمن العطية الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، الذي لم يتردد في تسجيل شهادته في دفتر الزوار مشيدا بالمطعم، وهوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي بالإضافة إلى وزراء ونواب يمنيين وقادة أحزاب وصحفيين ومسرحيين، إلى جانب شهادات تقديرية من وفود زائرة ومؤسسات حكومية وخاصة ومنظمات مدنية تشيد كلها بهذا المطعم وتميز خدماته. لكن المفارقة أن مطعم الشيباني، برغم ما حصده من شهرة سياحية وإقبال متزايد من بين سلسلة مطاعم تحمل ذات الاسم والخدمات، يقدم وجباته بأسعار موحدة ومناسبة، فبإمكانك تناول الطعام على نفس الطاولة التي جلس عليها أي من نجوم السياسة والفن والإعلام دون أن تدفع أجرا إضافيا، فالمطعم يحافظ بدقة على طابعه الشعبي رغم مكانته السياحية، وتعد أسعاره معقولة ومناسبة بالنظر لنوعية الأطعمة التي يقدمها. ويكمن القول إن مطعم البيك الشيباني يقدم المطبخ اليمني للعالم، وربما يعطيه حضورا مستقبلا على قائمة الأطعمة في أشهر المطاعم والفنادق المحلية والعالمية، وقبل ذلك يمكن أن يشكل عنصر جذب سياحيا جديدا، يزيد معدل تدفق حركة السياحة العربية والدولية إلى اليمن.