جاكومو غاسباري.. طاه إيطالي يطبق علم «الايورفيدك» في أطباقه

«لا سينفونيا» مطعم من دون لائحة طعام.. وشكلك يحدد مأكلك

الشيف غاسباري في «لا سينفونيا» («الشرق الاوسط»)
TT

في خصوصية تامة وأجواء غريبة وفريدة تصل إلى مطعم «لا سينفونيا» الواقع في طابق النبلاء في فندق «تاون هاوس» في قلب الـ«غاليريا» الأشهر في عاصمة الموضة ميلانو، زبائن المطعم هم نزلاء الفندق وأصدقاؤهم، مطعم لا يشبه سواه من حيث الديكور، ولا يمكن أن تجد مبدأه في أي مطعم آخر في إيطاليا، يتولى فيه الطاهي الإيطالي جاكومو غاسباري رئيس الطهاة والطاهي التنفيذي للفندق والمطعم، مهمة تطبيق علم «الايورفيدك» الطبي الهندي القديم في أطباقه ومطعمه، لا يعترف بلائحة طعام واحدة، ولا يقدم نفس الطبق لأكثر من زبون، يكفي أن يلقي غاسباري نظرة على الزبون ويتكلم معه حتى يقرر المكونات التي تتناسب مع تكوينه الفيزيولوجي.

الفكرة غريبة ومضحكة بعض الشيء، إنما النتيجة كانت أكثر من مرضية، المطعم هو أشبه بممر يعبر من خلاله نزلاء الفندق إلى غرفهم، ويتميز بنوافذ عملاقة تطل على روعة «الغاليريا» بحكم موقع الفندق داخلها، وهذا أمر قد لا يصدق، الطاولات تختلف من حيث التوزيع، فبعضها مستدير وبعضها مستطيل، بعضها مع أرائك مخملية ملونة يطغى عليها لونا البنفسجي الداكن والأسود، وبعضها يقتصر على كراس من الجلد المرقط بنقشات عصرية، وهناك طاولة مميزة تتصدر النافذة العملاقة الرئيسية للمطعم وتطل على محلات «تودس» ومجوهرات «سواروفسكي»، وفي خصوصية وهدوء، تجلس على مقعدك بانتظار لائحة الطعام، لكنها لن تأتي إليك ولن تراها، بل سوف ترى الطاهي جاكومو غاسباري يستقبلك بابتسامة عريضة، ويبدأ يتحدث إليك ليتعرف إلى شخصيتك أكثر، ستشعر وكأنك تخضع لاستشارة طبية من قبل طبيبك الشخصي، وينتهي الأمر بقول الشيف: «أترك الأمر لي، أنت من فئة «كافتا» أو «بيتا» أو «فاتا»».

بعد معاينتي، أعلمني الطاهي بأنني أنتمي إلى فئة «الكافتا»، ونصحني بتناول الماء مع الأكل، وأكد لي حبي للأجبان، والخضار، والبطاطس، وهذا صحيح، إلا أنني أضفت إليه معلومة، وهي أنني، وعلى الرغم من نحافتي، فأنا من محبي الطعام، ولا أحبذ الأطباق التي يتعين عليك استخدام المجهر لرؤية ما فيها، فابتسم وقال: «أنا لا أنظر إلى الجسم من الخارج، إنما أرى ما في قلبه»، عندها طمأنت معدتي ووعدت نفسي بالمفاجأة.

بعد دقائق معدودة، أحضر النادل الطبق الأول، وكان عبارة عن سمك السلمون مع الكثير من الليمون تعبق منه رائحة زيت الزيتون الصافي، وإلى جانبه سلة من أشهى أنواع الخبز المحشو بالطماطم المجففة تحت الشمس ونوع آخر محشو بالزيتون الأخضر الإيطالي، فالطبق الأول كان بالفعل غنيا بالمذاق الرائع، الذي يتناسب بالفعل مع ذوقي الخاص، فأنا من محبي الطعم الحامض، وأفضل السمك على أي نوع آخر من اللحوم، فالنتيجة لغاية الآن مرضية، وبعدها وبسرعة فائقة، وصل الطبق الثاني، ويحمل اسم «النيوكي» ولكنه غير مصنوع من البطاطس أو المعكرونة، إنما استعاض الشيف بجبن الريكوتا ليحل محل المعكرونة أو أي نوع آخر من المعجنات، مع صلصة الطماطم الطازجة التي تم تقشيرها وخلطها في الخلاط الكهربائي مع زيت الزيتون من دون تحمية الزيت على النار، مع إضافة قطع من جبن البارميزان عمره 5 سنوات، وهذا التبديل سببه أن غاسباري من المهتمين بالأكل الصحي، ويقول إن أكثر من نصف الإيطاليين يعانون من أمراض السكري وفي طريقهم إلى السمنة الزائدة بسبب تناولهم المعكرونة يوميا، لذا يرى أنه من الضروري خلق نوع من التوازن في النظام الغذائي، ويقول غاسباري إن أهم شيء للحصول على طبق صحي هو الابتعاد عن القلي، وهذا الشيء ينطبق على جميع أنواع الصلصة، لذا يحرص دائما على تحضير الصلصات الطازجة، حتى لا تخسر أيا من عناصرها المغذية التي تضفي النكهة الكاملة لأي طبق.

وها هو الطبق الرئيسي يأتي إلى الطاولة وتفوح منه رائحة الزيت والحامض، وكان مكونا من قطعة من سمك «السي بريم» على حفنة من السبانخ وتحتها قطع رقيقة جدا من البطاطس المسلوقة المغطاة بزيت الزيتون.

وبين طبق وآخر يطل غاسباري ليأخذ رأي الزبون في الأطباق التي اختارها له، وعن سؤالي عن سر السرعة الفائقة في تحضير الأطباق، رد غاسباري: « اطمئني، كل الأطباق طازجة ويتم تحضيرها لحظة تقديمها «ألا مينوت»، إنما أطباقي فهي تعتمد على البساطة وعدم التكلف وهذا ما يجعل عملية تحضير الطعام سهلة وعملية».

وقبل وصول طبق الحلوى، الذي لم أكن أعول عليه كثيرا لأنني لست من محبي الحلوى وأفضل المأكولات المالحة والحامضة على السكر أو الشيكولاته، راح غاسباري يفسر لي فلسفة الايورفيدك الهندية القديمة في مطبخه، فغاسباري هو بالأصل من مدينة ميلانو، ومنذ أن كان في الثالثة والعشرين من عمره توجه إلى المطبخ الصحي، وكان هدفه الرئيسي هو تحضير أطباق لذيذة بطريقة صحية، فنظرته إلى مهنته أشبه بنظرة الفنان إلى قطعه الفنية، فهو يرى أن الطهو فن جميل ورقيق، ولا يجوز أن نشوهه بمكونات خاطئة، أو بمعنى آخر لا يجوز أن نشوه المكونات من خلال معاملتها بشكل غير صحي.

درس غاسباري في معهد «ريكاورو تيرمي» للفندقية وتخرج عام 1981، عمل في عدد من المطاعم الإيطالية مثل مطعم «كاستيلاني»، وبعدها انتقل إلى «يودين» للعمل مع الأخوين كوستانتيني في مطعمهما «كوستانتينو كوستانتيني» وانتقل بعدها إلى جزيرة سردينيا واكتسب شهرة واسعة بعد عمله جنبا إلى جنب مع الطاهي فرانشيسكو بيكوريللي في «فورت فيلادج»، وفي عام 1991 افتتح مطعم «إيل ناتوراليستا» وحصل فيه على جائزة «ميركوريو دورو» للتميز، واستمر في نجاحه إلى أن انتقل إلى سنغافورة وعمل في فندق الـ«شيراتون» وحاز على لقب أفضل طاه أوروبي في آسيا، وبعدها التقى بأعضاء من عائلة روسو صاحبة أكثر من 17 فندق ومطعم حول العالم، وانتقل للعمل معهم في عدة دول إلى أن افتتحوا فندق «تاون هاوس سبع نجوم» في ميلانو، ليصبح غاسباري بذلك طاهي فندق ومطعم النجوم السبع الوحيد في إيطاليا، وتخصص غاسباري في علم الايورفيدك الهندي وتعرف من خلاله على العلاقة التي تربط بين الرائحة والعطر والمذاق، واستطاع غاسباري ابتكار أطباق لذيذة وصحية في الوقت نفسه، تعتمد في مكوناتها على عناصر متوازنة من الماء والبروتين والسعرات الحرارية المنخفضة في قالب يرتكز على علم الايورفيدك الذي يخلق توازنا حقيقيا ما بين الجسد والصحة.

ويقول غساباري إنه يعشق الابتكار ولا يؤمن بالمطبخ المألوف، ويشعر بالفرح عندما يعامل كل زبون بشكل خاص ويقدم له ما لا يقدمه لغيره إلا عند الطلب، ويعرف بنفسه على أنه شخص اجتماعي يحب التعامل والتواجد مع الآخرين، لذا يحرص دائما على التعرف إلى ضيوفه لتبادل الحديث معهم لمعرفة مواصفاتهم الفيزيولوجية التي يعتمد عليها علم الايورفيدك وهي تختصر بـ3 تسميات: «فاتا» و«كافتا» و«بيتا». إذا كنت تنتمي للواء الـ«فاتا»، فهذا يعني أنك من محبي المأكولات المالحة المتوازنة والمأكولات التي تحتوي على طعم اسيدي والأطباق الساخنة جدا.

إذا كنت تنتمي للواء «بيتا»، فستكون من محبي المذاق المر والأطباق الحلوة والأطباق الفاتحة للشهية مثل المقبلات.

إذا كنت تنتمي للواء «كافتا»، فهذا يعني أنك من محبي المأكولات التي تحتوي على الفلفل الحار والطعم المر.

الفئات الثلاث تتفرق بـ6 مذاقات، الحلو والمالح يميلان إلى الـ»كافتا»، والطعم الاسيدي والمالح يميلان إلى الـ«بيتا»، وفواتح الشهية والمتبلات تميل إلى «فاتا»، فيقوم غاسباري باتباع الخطوط العريضة لتفاصيل هذا العلم مع مراعاة الذوق الخاص بكل زبون بعد أن يقوم بتجميع كل ما يحتاج من معلومات منه لابتكار أطباق خاصة به عنوانها الصحة والعافية.

* وصفة صحية خاصة من ابتكار جاكومو غاسباري

* - كوبان من الدقيق.

- 400 غرام من جبن الريكوتا.

- ملعقة ملح.

- نصف بيضة مخفوقة قليلا.

- ملعقتان من جبن البارموزان.

- قشر نصف ليمونة.

- عصير الطماطم الطازجة. - 3 حبات طماطم خضراء.

- 70 مل من زيت الزيتون الصافي.

* طريقة التحضير

* يمزج في وعاء كبير كل من جبن الريكوتا والملح وقشر الحامض والدقيق والبيض.

قم بتجميع المزيج على شكل كرات صغيرة، وضعها في الماء المغلي للسلق لمدة دقيقة واحدة، تخلص من الماء من خلال وضعها في مصفاة.

ضع القليل من الزبدة في مقلاة على النار، اقْلِ كرات الجبن فيها لمدة قصيرة وقدمها مع صلصة الطماطم الطازجة وزينها بجبن البارميزان.

للمزيد من المعلومات www.townhousegalleria.it