مع ازدياد عدد المطاعم التي تقدم الوجبات السريعة والمأكولات الدسمة المقليّة والغنيّة بالدهون المشبّعة، بدأ العالم في السنوات الأخيرة بالعودة إلى الأطباق التقليدية الريفية التي ترتكز بشكل خاص على منتوجات الأرض والبحر، في محاولة لتخفيض معدل البدانة بين السكان وبالتالي تخفيض معدل الأمراض التي تسبّبها، وزيادة نوعية الحياة التي نصبوا إليها جميعا. ومن هنا انطلقت المأكولات المتوسطية لتتصدّر هذه المبادرة كونها ترتكز على الخضار والفواكه والسمك والمواد الغنية بالفيتامينات، التي فقدت قيمتها في الماضي لاعتبارها «مأكولات شعبية»، مقابل الأطباق الغنية بالبروتينات وهيدرات الكربون. وهكذا عادت هذه الأطباق لتحتل مكانا مرموقا على الموائد التي كانت تفضّل في الماضي أطعمة غنية بالدهون المضرّة واللحوم الحمراء والمواد الخالية من الفيتامينات التي أثبت الأخصائيون ارتباطها بعدد غير قليل من أمراض القلب والأوعية الدموية وغيرها. وإسبانيا، وبشكل خاص إقليم الأندلس، هي الرائدة في هذه المبادرة التي بدأ الجميع يعي أهميتها وتأثيرها الإيجابي في تخفيض معدل الأمراض لدى السكان كون نظامها الغذائي يستند بشكل خاص على المواد الطبيعية.
وهكذا لاحظ الأخصائيون في نظم الأغذية النسبة المنخفضة في معدل الوفيات لدى الشعوب المتوسطية واستنتجوا أن استهلاك المأكولات المتوسطية بشكل عام، دون التركيز على مادة أو أخرى، يؤدي مع الوقت إلى تخفيض هذا المعدل، وأن ما نسميه بـ «المأكولات المتوسطية» ليس إلا استهلاك هذه المواد بالكثرة المناسبة والكمية التقليدية، أي حوالي 75% من الخضار والبقول والحبوب والفاكهة والأسماك وزيت الزيتون، و25% من باقي الأغذية.
وبما أن المطبخ الأندلسي يتوافق مع هذه التوصيات ويتخطاها أحيانا، ومع اقتراب فصلي الربيع والصيف واشتداد الحر، فقد اخترنا منه طبق «غاثباتشو» (Gazpacho)، وطبقين آخرين مشتقين منه، هما «سالموريخو» (Salmorejo) و«آخو بلانكو» (Ajo Blanco)، لا تخلو منها مائدة أندلسية، وغير أندلسية، طيلة فصلي الربيع والصيف، لكونها صحية ولذيذة ومقاومة لوطأة الحر. وهذه الأطباق ما هي إلا عبارة عن حساء بارد يرتكز على مواد محلية تعود إلى مئات السنين وتختلف، كغيرها من الأطباق، مع اختلاف المناطق والأذواق والمناسبات. يعتبر الغاثباتشو ملك المائدة الأندلسية، قاعدته الطماطم. وقد اخترنا الوصفة الأشبيلية لكونها الأشهى والأكثر تقليدية من بين الوصفات الأخرى، ويتم تحضيرها بالطريقة التالية: