طاهي مطعم «البولي» لا يمكنه الحجز في مطعمه

فيه يتحول المطبخ إلى مختبر

الطاهي فاران ادريا.. مهندس اطباق «البولي» («الشرق الاوسط»)
TT

الحجز في أفضل مطعم أصبح صعبا للغاية، حتى أن كبير الطهاة فاران أدريا في مطعم «البولي» الأشهر في العالم، الواقع في مدينة برشلونة الإسبانية، لا يستطيع أن يحجز لأصدقائه قبلها بمدة قصيرة.

ودائما ما تكون الأماكن محجوزة مقدما لمدة شهر في مطعم البولي الإسباني، الذي يفتح لمدة ستة أشهر فقط على ساحل برشلونة، وذلك رغم أنه يكلف حوالي 300 يورو (415 دولارا أميركيا) للفرد من قائمته، التي تشمل حوالي 30 ـ 40 طبقا رئيسيا.

يقول أدريا، إنه حتى إذا طلب الحائز جائزة نوبل للسلام طاولة فإنه يستطيع أن يوفر له مكانا فقط إذا قام أحد الزبائن بإلغاء الحجز، وذلك يحدث قليلا وعلى فترات متباعدة، ويضيف أدريا، 46 عاما، في حوار مع رويترز: «إذا كان لديك حجز ولم تستطع أن تأتي. فماذا تفعل؟ سوف تتصل بأحد أصدقائك وتقول له: لدي حجز في البولي، وذلك ما يحدث بالفعل. فليس لدينا إلغاء للحجز».

ويقدم مطعم البولي، الذي فاز بأفضل مطعم في التصويت الذي تجريه مجلة «المطعم» أربع مرات متتالية أطباقا صغيرة مقدمة بطريقة ساحرة، هي نتاج شهور من التجارب المطبخية، التي يطلق عليها البعض فن الأكل الفردي.

ويستخدم أدريا وفريقه المكون من 70 شخصا أدوات مثل النتروجين السائل، آلات فصل الزبد عن اللبن، والموازين بالغة الدقة لعمل الهلام الساخن، والفواكه المشوية والأطباق المبتكرة مثل كافيار البطيخ.

وتم تصميم بعض هذه الأطباق للمتعة وللتغذية، بينما صمم بعضها الآخر كنوع من التحدي. فرقاقة البسكويت الهشة التي يطلق عليها «اللبن الكهربائي» مصنوعة من فلفل السشوان، الذي تحدث صدمة التقائه باللسان خدرا مشابها للأثر، الذي يحدثه لعق قطبي البطارية، الذي يقول عنه أدريا: «بالتأكيد لم تشعر بمثل ذلك المذاق في أي طبق تناولته قبل ذلك».

وقد كشف كتاب جديد يسجل تجارب مرتادي ذلك المطعم أن بعضهم قد رأى أنه مبالغ فيه للغاية، فيقول الصحافي الأميركي بيل بفورد في كتابه «الطعام للفكر والفكر للطعام» إن زوجته أوشكت على الخروج من المطعم بعدما قدم لها طبق سيشوان غير المتوقع. ويضيف بفورد في اجتماع دائرة مستديرة للنقاد الذين وجهت لهم الدعوة لزيارة البولي: «لقد أحرق ذلك الشيء لسانها». ويفصل الكتاب كيف أصبح مطعم البولي في 100 يوم خلال عام 2007 المركز الرسمي لمهرجان الفن الدولي «دوكيومينتا»، الذي يقام كل خمس سنوات في كاسل بألمانيا.

ويوميا، كان يتم اختيار شخصين بشكل عشوائي من قاعات المعارض الفنية ليسافرا إلى مطعم البولي ويستمتعا بوجبة العشاء هناك، وكان الشرط الوحيد هو أن يدونا تجربتهما بعد ذلك.

يقول أحد الطلبة في أوائل العشرينات: «الوجبة، لقد كانت تجربة وفنا، لقد استمتعت بها بشدة وجعلتني أتقيأ». بينما كان البعض الآخر يتمتع بحس الدعابة، فيقول ألدو دويلي: «لقد تناولت الطعام في البولي، ولم يعد العالم كما كان عليه قبل ذلك، فأنت تتناول مأكولات تصبح فجأة كل شيء ولا شيء. هواء وأرض، حريق وثلج».

وبعكس الشائع في مجال الكتب المتعلقة بالطعام، فإن الكتاب الذي يتكون من 350 صفحة قد قام بتحريره شخصيتان بارزتان في مجال الفن، فنان البوب البريطاني المخضرم ريتشارد هاميلتون ـ أحد المرتادين الدائمين لمطعم البولي ـ وفينسينت تودولي المدير الإسباني لمتحف تيت للفن الحديث بلندن.

ويحتوي الكتاب على صور لحوالي 1500 طبق تم تقديمها في البولي منذ 1987، ولكن بدلا من أن يقدم وصفات طهي لتلك الأطباق، فإنه يقدم مناقشات حول العلاقة التي تربط بين الفن ومطبخ أدريا، وهو ما يثير إعجاب أدريا، الذي قال إنه يريد أن يعزز الحوار بين الطهي وعالم الفن.

وذلك لا يعني أن يصبح الطهاة رسامين أو أن يطهو الرسامون، ولكن أدريا يريد تعاونا ينتج عنه «إبداع عاطفي» يمنحك إحساسا مميزا.

ويضيف: «أتلقي رسائل إلكترونية يوميا حول الأشخاص الذين يريدون أن يقدموا أعمالا حول الطهي الفني، سواء المصورين، الرسامين، الفنانين من كافة أنحاء العالم، ولكنهم يريدون أن يقدموا أعمالا حول عملنا، فهم لا يريدون أن يقدموا عملا مشتركا». ولكن ذلك الكتاب الجديد قد أثار خوف أدريا، الذي يقول إنه كان خائفا من أن هاميلتون وفيسينت سوف يخصصان 18 شهرا من وقتهما لإنتاجه، مضيفا في حفل بلندن بمناسبة نشر الكتاب دوليا: «لا يستطيع أحد أن يتخيل شعوري اليوم، في مجال عملي حدثت العديد من الأشياء الطيبة ولكن ذلك هو الذروة».