«حدائق الأمير».. نفَس المطبخ النجفي في قلب لندن

إفطارات رمضانية على الطريقة العراقية

صاحب «حدائق الأمير» ليث البلاغي يراجع مع الشيف فارس الشمس أحد الطلبات (تصوير: حاتم عويضة)
TT

تضم لندن أكثر من 250 نوعا من المأكولات ويوجد بها عدد لا يحصى ولا يعد من المطاعم المميزة التي لاقت شهرة عالمية واسعة، وكان للمطبخ العربي نصيب الأسد، فشقت مطاعم عربية عديدة طريقها واستطاعت إثبات نفسها على خارطة الطعام في بريطانيا وساعدت في نشر المأكولات الشرق أوسطية وعرفت الغربيين على أشهر أطباق المنطقة العربية الغنية بالمذاق والطعم المميز، وآخر مطعم عربي ينضم إلى قافلة المطاعم العربية التي تعتبر بمثابة سفيرة لمطبخ البلاد مطعم «حدائق الأمير» العراقي في منطقة نايتسبريدج المفضلة لدى الزائرين العرب في لندن.

افتتح المطعم منذ حوالي ستة أسابيع على يد رجل الأعمال العراقي الشاب ليث البلاغي المقيم في لندن منذ فترة، وعلى الرغم من صغر سن البلاغي فإن حبه للطعام وتردده على أشهر مطاعم لندن الأوروبية مثل «تشبرياني وتشاو وزافيرانو» التي يملكها أصدقاء له، شجعه على افتتاح مطعم يتخصص بتقديم المأكولات العراقية التقليدية التي يشتاق ويحن إليها العراقيون والعرب المقيمون في لندن، وبنفس الوقت يكون المطعم خير سفير للأكلات العراقية التي لم تلق بعد طريقها إلى الشهرة في لندن بل اقتصرت شهرتها على طبق سمك المسكوف.

فعنوان مطعم «حدائق الأمير» مغر للعرب بمختلف جنسياتهم فهو يقع عند رقم 48 في شارع نايتسبريدج الرئيسي وهذا العنوان لا يغفل عنه أي إنسان ناطق باللغة العربية في العاصمة البريطانية. الوصول إليه سهل، فهو في قلب أشهر منطقة تسوق في المدينة حيث تنتشر أرقى المحلات التجارية وأشهر المطاعم العربية والغربية، غير أن مطعم «حدائق الأمير» كان هدفه تقديم المأكولات العراقية لا سيما مأكولات مدينة النجف ومدينة الشرفاء، التي يقدمها الطاهي فارس الشمس وهو واحد من أشهر طهاة النجف الذي انتقل مع زوجته للعيش في لندن حاملا في جعبته خبرة طويلة في مجال الطبخ وابتكار أشهى الأطباق العراقية والنجفية.

يتميز المطعم بديكور عربي، فمنذ أن تطأ قدماك أرض المكان تشعر وكأنك تنتقل إلى بلاد أخرى، فتعبق في المكان رائحة البخور وتتدلى من السقف ثريات من الكريستال ويتصدر الحائط الرئيسي في المطعم حوض عملاق للأسماك، والكراسي من الخشب المطعم باللونين العاجي والذهبي ليزيد المكان رونقا عربيا، ويقول ليث البلاغي إنه أشرف على الديكور بنفسه وكان همه الأول والأخير هو بعث الروح العربية في المكان وحرص على وضع الطاولات على مسافات بعيدة عن بعضها بعضا لإعطاء أكبر قدر من الخصوصية للزائرين، ويتسع المطعم لحوالي 150 شخصا ومعظم العاملين في المطعم من الجنسية اللبنانية والعراقية والمصرية ويتولى الطاهي فارس الشمس مهمة قيادة المطبخ وابتكار الأطباق الجديدة والتفنن في لوائح الطعام وتجديدها ويعمل معه حوالي 5 طهاة آخرين متمرسين يقوم كل منهم بمهمة خاصة، وإلى جانب تخصص المطعم بتقديم المأكولات العراقية فإنه يتم تقديم المازات اللبنانية ومن المنتظر ذهاب الطاهي الشمس إلى دولة الإمارات لتعلم بعض أشهر المأكولات الإماراتية لتقديمها للزوار العرب في لندن، وفي مقابلة مع «الشرق الأوسط» قال الطاهي فارس الشمس إنه يعشق الطبخ فهو بدأ يطبخ منذ أن كان طفلا إلى جانب والدته ووالده، فعائلته تملك واحدا من أكبر مطاعم النجف اسمه «مطعم الشمس»، وأخبرنا مازحا أنه «ولد في المطبخ» مشيرا إلى تاريخ عائلته الطويل في مجال الطبخ والتخصص في تقديم الأطباق النجفية الشهيرة، وأضاف الشمس بأن مدينة النجف من المدن الشيعية المقدسة وتقع قرب الكوفة والحيرة وكلمة نجف تعني «المكان الذي لا يعلوه الماء» وتعتبر المدينة مقصدا مهما للزوار من مختلف بقاع العالم وهذا ما ساعد على انتشار المأكولات النجفية وتعرف الجنسيات العربية الأخرى عليها من خلال زياراتهم للمدينة.

وعن المطبخ العراقي يقول الشمس إنه يمكنه اختصاره بكلمة واحدة هي «النفس الطيب»، فبحكم موقع العراق الجغرافي القريب من إيران نرى العراق متأثرا بالمطبخ الإيراني من جهة وبالمطبخ التركي من جهة أخرى وهو مزيج واضح لمأكولات البلدين المذكورين، والمعروف عن العراقيين أنهم من الشعوب التي تتمحور حياتهم حول موائد الطعام، فلكل مناسبة سعيدة أو حزينة طبق معين يرافقها، والأكل يحتل مكانة كبيرة في عادات العراقيين ولقاءاتهم وللأكل طقوسه في العراق تتناقلها الأجيال. كما أن لكل أكلة عراقية وقتها ومناسبتها فعلى سبيل المثال لا تؤكل الهريسة إلا في مناسبة عاشوراء فطعمها يكون ألذ بكثير، كما أن العراقيين يحبون المأكولات الدسمة لذا يستعمل الدهن والسمن الحقيقي في مختلف الأطباق العراقية، ويقول الشمس إن الطبخ في لندن كان تحديا كبيرا بالنسبة له، لأنه كان عليه أن يأخذ بعين الاعتبار الذوق العربي المهاجر وذوق الأوروبيين، وكان لا بد من التقليل من استعمال الدهون والسمن في مختلف المأكولات، ففي العراق يأكل العراقيون في الفترة الصباحية الكباب واللحوم، إنما هذا النمط الغذائي لا يمكن تطبيقه في لندن، فالأمر يختلف.

وبالنسبة لزوار المطعم فهم وحسب ما قاله الطاهي الشمس من مختلف الجنسيات العربية وهو يسعد جدا بتعليقات العراقيين الذين يتذوقون أكله لأول مرة، حيث قال أحدهم وهو مهاجر منذ 40 عاما إنه لم يتذوق المأكولات التقليدية العراقية بهذا الطعم منذ أن غادر العراق منذ عشرات السنين.

بالنسبة لأهم المكونات المستعملة في المطبخ العراقي يقول الشمس إنه يعتمد على البهارات التي يضعها في تتبيلاته العديدة وهي تستورد بكاملها من الدول العربية والعراق، أما بالنسبة للحوم فهي محلية وحلال.

من أشهر الأطباق التي يقدمها في مطعم «حدائق الأمير» طبق «فروج حدائق الأمير المسحب» وهو عبارة عن فروج مسحب يتم وضعه في صلصة خاصة لمدة زمنية طويلة وبعدها يشوى على الحطب، ومن الأطباق الشهيرة الأخرى طبق البرياني بالدجاج وطبق الشبذي «السبانخ مع الحمص» وسمك المسكوف والبامياء. تتميز المأكولات العراقية في المطعم بنكهات قوية ويعود الفضل في ذلك إلى استعمال البهارات التي لم يكشف الشمس عنها واحتفظ بسرها لنفسه لكنه لم يخف علينا تفضيله لاستعمال الزعفران، ويقول الشمس إنه يعشق الطبخ وعندما يقوم بتحضير أي نوع من الطعام ويقوم بذلك في الصباح الباكر ليكون كل شيء جاهزا عند الظهيرة والمساء، يقوم بعمله وكأنه يطبخ لعائلته في بيته، رأي الزبائن مهم جدا بالنسبة إليه، لذا يحرص على لقاء الزبائن بعد تناولهم الوجبات للتأكد من أن الأكل كان على ما يرام، فمهنة الطبخ بالنسبة إليه لا تنتهي عند انتهاء الدوام في ساعات الليل المتأخرة لكنها تبقى في ذهنه حتى عندما يخلد للنوم، وهو الآن بصدد تحضير الوجبات الرمضانية للشهر الفضيل، وسيقوم بابتكار أطباق خاصة تناسب وجبات الإفطار وأخرى خاصة بالسحور؛ حيث إن المطعم سوف يفتح أبوابه حتى الفجر، فمن المنتظر أن يزور لندن في فترة شهر رمضان أكثر من 165 ألف مواطن من البلدان الخليجية وهذا ما يدعو المطاعم العربية إلى تأمين كل ما يحتاجه الزوار العرب في لندن.

اكتسب فارس الشمس شهرة واسعة في العراق وكان يطبخ لأهم الشخصيات وكان يشارك في الطهي لأرفع الشخصيات في مواسم الحج في السعودية، وبحكم أنه ابن النجف المدينة الدينية والسياحية والرياضية فكان يطهو للمحافظين والأعيان وضيوف الدول الزائرة للنجف، وحمل خبرته بالكامل إلى لندن. وبالسؤال عن الفرق في الطهي بين مطبخه في النجف ومطبخه في لندن، يقول الشمس «إن العراقيين لا يزالون يحافظون على العادات والتقاليد في الطهي ويستعملون الأواني الفخارية التي تساعد على الحصول على أعلى نسبة من النكهة، لكن القوانين الإنجليزية تحول دون استعمال مثل تلك الأواني إلا أنه يمكن الاستعاضة عنها بطرق أخرى ليس من شأنها التأثير على النكهات التقليدية التي نسعى لتقديمها في المطعم».

وبالنسبة للأسماك، يفضل في لندن استعمال نوع سمك السي باس أو القاروس على الأسماك التي تستعمل في العراق في وصفة المسكوف وهي البني والقطان، تستغرق عملية شي السي باس 15 دقيقة، في حين يستغرق شي البني والقطان ساعة إلى ساعة ونصف من الزمن لأن هذا النوع من السمك أكثر سماكة لذا يجب وضعه على النار لمدة أطول.

ويقدم المطعم طبقا خاصا يومي الجمعة والسبت يعرف باسم «القيمة النجفية» وهذا الطبق من أكثر الأطباق صعوبة في التحضير، وهو يحتوي على اللحم والحمص والبهارات وصلصة الطماطم، المهم فيه هو عملية الضرب والمزج بواسطة اليد مما يستغرق وقتا طويلا، ويقدم المطعم أيضا مختلف أنواع الكبة مثل «كبة التمن» و«كبة البطاطا»، ومن المنتظر تقديم طبق «التشيليفراي» (قطع من اللحم مع البصل يؤكل مع الخبز) سيقدم لأول مرة مع الأرز خلال شهر رمضان.

ومن أهم محطات الشيف الشمس المهنية تحضيره طبق «القيمة النجفية» لـ4 آلاف شخص في النجف، استخدم فيه قدرا عملاقا من أرز البستمي وبقرتين.

للمزيد من المعلومات www.princegardens.com