الهند في طريقها لتصبح أكبر منتج للأجبان الإيطالية

البارميجان والموتزاريلا.. إيطالية الهوية وهندية الصنع

من المتوقع بأن تحتل الهند المرتبة الاولى من حيث تصنيع الاجبان الايطالية («الشرق الاوسط»)
TT

هل تعلم أن الجبن الإيطالي الذي ربما تشتريه في أي مكان أنت فيه في العالم، قد تكون مصنوعة في الهند، كيف يمكن ذلك؟ ذلك صحيح، فالهند، التي تملك ما يصل إلى 70 في المائة من أعداد الجاموس في العالم سريعا ما ستصبح أكبر منتج للجبن الإيطالي الأصلي بأنواعه، الموتزاريلا والبارميجان، الذي يصنع في القرى والأديرة الإيطالية.

ويصنع الجبن الإيطالي الأصلي في ساحتنا الخلفية في هيماتشال براديش وهاريانا. فلنذهب في جولة إلى مزرعة تصنيع الجبن الإيطالي في قرية غولبورا في ولاية هاريانا في شمال الهند، حيث أقام غيوسيب موزيلو، الموظف السابق في مصرف استثماري، الذي يتحدر من عائلة إيطالية يعمل أفرادها في صناعة الجبن، مع شريك هندي بونيت غوبتا، وهو موزع محلي لأنواع الجبن المتميز، مصنع إكسيتو غورميه، الذي يعمل كاملا بالماكينات. وتضم منتجات إكسيتو تحت اسم إمبيرو التجاري جبن موتزاريلا وجبن البيتزا وبوكونشيني وسكامورزا وماسكاربوني وريكوتا.

ويقول موزيلو: «في أثناء رحلة قمت بها إلى الهند في عام 2006، شاهدت أنواعا من جاموس الماء مشابهة بصورة ملحوظة لتلك الموجودة في إيطاليا. وبعد ذلك عرفت أن الجاموس الموجود في إيطاليا أصله من جاموس الماء الهندي». وبعد العثور على الجاموس المناسب، بدأ البحث عن الشريك المناسب لإقامة المشروع هنا.

وأضاف موزيلو أن إنتاجهم الحالي يأتي من اللبن البقري، حيث ما زالوا يضعون معايير لتوريدات اللبن الجاموسي من المزارعين المحليين. ويشير غوبتا، المدير التنفيذي لإكسيتو غورميه، إلى أن المزارعين يفضلون الأبقار على الجاموس لسببين. «أولا، أن البقرة تنتج 4.000 لتر من اللبن سنويا مقارنة بالجاموس الذي ينتج حوالي 2.200 لتر في المتوسط. ثانيا، تتألقم الأبقار بسهولة على ماكينة الحلب مقارنة بالجاموس». ولكن، نظرا للفرص الاقتصادية السانحة لجبن الموتزاريلا المصنوع من لبن الجاموس، الذي يباع بضعف ثمن الموتزاريلا المصنوعة من لبن الأبقار، من السهل على الشريكين أن يقنعا المزارعين المحللين باختيار تربية الجاموس.

وبدلا من دخول سوق التصدير، قرر الشريكان تكوين قاعدتهما الخاصة من المبيعات المحلية عن طريق الفنادق والمطاعم الكبرى، بالإضافة إلى تقديم منتجاتهما إلى مجتمع المغتربين وسكان الحضر، لكن يقول غوبتا: «سريعا ما سنصدر إلى الشرق الأقصى والشرق الأوسط والأسواق الأوروبية».

ووفقا لموزيلو، تتبع الشركة إجراءات تضمن أن يكون المنتج عضويا تماما و100 في المائة نباتياً. وقال: «يتلقى موظفونا تدريبات في إيطاليا لمدة 3 إلى 4 أشهر، ويشرف على عملياتنا متخصص إيطالي في صناعة الجبن يمضي فترات منتظمة في الهند».

وقد افتتحت الشركة حديثا مصنعا قريبا من تشانجديغاره. وبينما تم استيراد الماكينات الأساسية في المصنع من إيطاليا، إلا أن الشركة تكمل مرافقها والمعدات المساعدة من السوق المحلية.

وتبدأ القصة الأخرى في باونتا ساهيب، في ولاية هيماتشال براديش، حيث تورد شركة التصدير الدولي في الهيمالايا جبناً إيطالياً مصنوعا محليا إلى دول أجنبية.

ويقول المدير التنفيذي مانموهان مالك، المدير التنفيذي للشركة: «رأيت متجرا إيطاليا يقدم جبن لبن جاموس الماء كطعام شهي. وبمجرد أن رأيت جاموس الماء في الصور، حيث كانت مثل الجاموس العادي، علمت ما ينبغي علي فعله». وفي الهند، بدأ مالك بزيارة جميع مصانع جبن الموتزاريلا تقريبا، لكن لم تكن الأمور سهلة، لأنه لم يكن معتادا على الجبن الإيطالي. وحينها ظهر رافاييل شيوفي في الصورة.

اتصل مالك بشيوفي، وهو صانع جبن من الجيل الخامس في ساحل سورينتو، الذي كان يعمل مستشارا لمنتجي الجبن في بلغاريا وروسيا، ودعاه إلى باونتا ساهيب. وتضمنت علامة بافالوبيلا التجارية التي أسسها مالك الجبن الموتزاريلا وماسكاربوني وريكوتا.

وطلب مالك الحصول على معدات خاصة من ألمانيا لتنقية اللبن من الشوائب، وطلب من شيوفي الإشراف على العملية بأسرها من حلب الجاموس وحتى صناعة الجبن. ويقول: «بدأت أنا ورافييل في مراقبة المزارعين. وأعطيناهم عقودا حصرية بشرط ألا يخلطوا اللبن. وفي 50 مزرعة تعاقدنا معها، كان لدينا فريق من العاملين يشرحون للمزارعين الإجراءات الصحية من أجل تلبية احتياجات المستهلك الأميركي». ويتسع مصنعهما، الذي بدأ التشغيل في مارس (آذار) 2006، لإنتاج 680.000 كليو سنويا من جبن الموتزاريلا المميز. وسجلت الشركة، المدرجة في بورصة بومباي، نموا بنسبة 91.27 في المائة في صافي الأرباح. وفي الولايات المتحدة، كان مشاركوهما شركة أرتينغال إيطاليانو في وسكونسن، وكان الجبن الذي يوردانه يقدم في المطاعم الفاخرة.

ويقدم التاريخ سببا واحدا على الأقل للهنود ليزدهروا في صناعة الجبن، وهو جاموس الماء. يقول مالك: «ربما لم نرث تقاليد صناعة الجبن القديمة مثل هولندا أو إيطاليا، لكن الخبر الجيد هو أننا نملك 70 في المائة من الجاموس المائي في العالم. وذلك النوع ذاته هو الذي يفخر الإيطاليون بأن الجبن الفاخر الذي يصنعونه منه. وفي القرن السابع، كانت الأسطورة بأن الجاموس أرسل إلى إيطاليا من الهند».

ومنذ عدة أشهر، وافق الطاهي الإيطالي، جيوفاني ليوباردي، على الإشراف على المطبخ في ذا ميد، وهو مطعم جديد في راديسون في نيودلهي، ولم يكن قلقا بشأن من سيورد له الجبن. ويحصل ليوباردي على معظم جبن الموتزاريلا وسكارموزا المدخنة والجودة وماسكاربوني من فلاندرز، وهو مصنع منزلي في قرية بيجواسان في هاريانا.

وهنا وسط أميال من الحقول الخضراء، يعمل المالك سونيل بهو طوال الوقت من أجل إنتاج 300 كيلو من الجبن يوميا. وهنا أيضا اجتمع ليوباردي وبهو ليضعا أفكارهما معا من أجل إنتاج جبن بوراتا، المميز من جنوب إيطاليا. وهي عبارة عن كرة بيضاء صلبة من الجبن، محشوة بجبنة دسمة، عندما تقطع إلى نصفين تصبح مثل شرائح البيض المسلوق. إنها جبن جنوب إيطاليا المصنوع في هاريانا. ويقول في تواضع إن عمله «ليس كبيرا للغاية»، لكنه يحقق ربحا 60 مليون روبية في العام، حيث يورد الجبن في جميع أنحاء البلاد إلى سلاسل من الفنادق والمطاعم، ويشهد نموا سنويا بنسبة 20 في المائة.

ويقول: «لقد بدأت ذلك العمل في عام 1991 ببقرة واحدة، على سبيل الهواية، ولم أفكر يوما في أنه سيكون مصدر رزق لي. وكان في ذلك الوقت المتاح في الهند الجبن المعلب والمعالج».

لكن الأمر لم يعد كذلك في الوقت الحالي، ومشروع بهو وحده يصنع 9 منتجات ألبان، منها جبن ريكوتا وجودة وماسكاربوني والموتزاريلا والقشدة المخمرة.

ويضيف: «أن السوق صعبة، لكن تنافس ماسكاربوني والموتزاريلا اللذان ننتجهما الأسماء الإيطالية الشهيرة».

وبعيدا عن فلاندرز، ينتج أوميش بترا في هاريانا منتجات ألبان بوشيت ميلك في قرية دولتبور في هيسار. وقد بدأ بترا، الطبيب البيطري والخبير التغذية، في صناعة جبن البارميجان وجبن الفيتا الطرية منذ 13 عاماً عندما بدأت سلاسل مطاعم البيتزا تدخل في الهند لأول مرة. وفي العام الماضي، أقام متجراً يسمى باشون تشيز في مركز دلهي التجاري الشهير. وهناك يمكنك أن تجرب وأن تشتري جبنتك المفضلة. ويعد جبن البارميجان الذي يباع 200 غرام منه بسعر 255 روبية أغلى الأنواع. والسبب كما يقول بترا: «أننا نخزنه في درجة حرارة تقل عن 10 درجات مئوية لمدة تزيد على 18 شهراً قبل أن يصبح له ذلك القوام والمذاق». ويبلغ سعر 200 غرام من الجبن الفيتا بالبصل والكزبرة والفيتا بالزيتون 250 روبية، أما 200 غرام من الجبن الشيدر المدخن فثمنه 165 روبية. ويقول: «إن سوق الجبن في شمال الهند كبير، ويوجد في نيودلهي العديد من المشترين للجبن المحلي».

لماذا يأتي الإيطاليون إلى الهند؟ لقد أصيبت نابولي، مركز صناعة الجبن الموتزاريلا من لبن الجاموس، بضربتين جراء الأزمة الاقتصادية ومشكلة أكوام القمامة التي أدت في العام الماضي إلى مخاوف من تسمم الماء والهواء. وقد أصاب التراجع الاقتصادي سوق التصدير، ليقل الطلب إلى النصف. علما بأن الهند بها 70 في المائة من ثروة الجاموس في العالم، التي تقدر بـ25 مليون رأس، بينما تملك نابولي 300.000 رأس. وتنتشر قصة الجبن الإيطالي في أقصى جنوب الهند، حيث ينتج مصنعان في أوروفيل بالقرب من بونديشيري ودير في رامامورثي نجار في بنغالور، كميات من جبن البارميجان والموتزاريلا والجودة، بل ويضيفان إليه مذاق الكمون والكزبرة والبصل.

وفي مدينة بوني في غرب الهند، حاول سوهراب شينوي من مزارع ايه بي سي صناعة بعض الجبن لتناوله بعد وجبات العشاء مثل جبن اسي سندري الفرنسي، المغطى برماد الخشب، وجبن بوخيت دانجو، الذي يترك لينضج في الفحم لمدة 3 أشهر. ويضيف شينوي إلى الجبن مذاق التوابل والثوم، والويسكي والجوز، والكونياك واللوز. ولديه مجموعة تحمل مذاق الكاري، إنه مذاق هندي بالفعل.

ويقول شينوي: «يذهل الناس، خاصة المغتربين، من مدى اقتراب منتجاتنا من المنتجات المستوردة. ولم نعد نحتاج إلى الدعاية الكبيرة للجبن. فالناس تعرفه ولديها أنواع تفضلها شخصيا. وفي الأعوام العشرة الماضية، زاد حجم أعمالنا أربعة أضعاف».

وفي الوقت الذي يتعلم فيه الهنود سريعا وصفات بوراتا وغروغونزولا، بدأت أنواع الجبن المحلي تختفي من المنافسة. ولم يعد جبن كاكو الذي ينتج في جيهان آباد في بيهار متوفراً، وأصبحت الأخبار التي تتحدث عن منتجي جبن كاليمبونغ تدور حول اندثار مهنتهم. لكن ما زال جبن بانديل في البنغال مستمراً على الرغم من أنه لم يعد ينتج في المدينة. ويصنع ذلك النوع من الجبن بالطريقة ذاتها التي تصنع بها بعض الحلوى الشهيرة من منتجات الألبان في البنغال. ويتوفر ذلك النوع حاليا فقط في مجموعة من المحلات في سوق كالكوتا.