مطاعم الإسكندرية.. حدوتة عشق مقدونية

النكهة اليونانية تغلف المدينة من شرقها لغربها

TT

أينما وليت وجهك في الإسكندرية ستجد العبق اليوناني للمدينة حاضرا. فلا تزال الأسماء محفورة على واجهات المحلات التجارية والمطاعم والمقاهي شاهدة على تاريخها العمراني والحضاري، وكأن الرابط الأبدي بين مدينة الإسكندر المقدوني وبين الحضارة اليونانية أبى أن ينقطع. فالإسكندرية تملك تلك النكهة اليونانية السكندرية الخاصة التي يمكنك استنشاقها في وسط المدينة، الذي كان مركزا لليونانيين فأقاموا المطاعم والمقاهي ومحلات البقالة والحلويات والكازينوهات والبنسيونات، ولم يترك كثيرون منهم الإسكندرية التي عاشوا فيها على الرغم من ثورة التأميم التي شنها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، بل حرصوا على أن يُخلد أبناؤهم ذكرياتهم في المدينة. وتوارث الأبناء والأحفاد تلك المحلات ليستكملوا حدوتة العشق اليونانية السكندرية، ولتظل تتناقلها الأجيال. وتأخذك «الشرق الأوسط» في جولة بين أشهر المطاعم اليونانية التي تمنحك فرصة لتجربة طعم الحياة الكوزموبوليتانية في مدينة الذكريات. «إيليت»، ويقع في شارع صفية زغلول الشهير بالإسكندرية وعلى مقربة من ميدان محطة الرمل. يعتبر من أشهر المطاعم اليونانية بالإسكندرية، واستمد شهرته من صاحبته مدام «كريستينا كوستانتينو»، وهي من أشهر اليونانيين الذين أقاموا بالإسكندرية، وكانت إحدى ملهمات الشاعر المعروف كفافيس في سنواته الأخيرة. ويدير المطعم حاليا ابنها ألخيس ماسيوس، ويتميز بكونه أكثر من مجرد مقهى أو كافيتريا، بل متحف فني وثقافي يقصده الفنانون والكتاب والمشاهير. وتزين جدران المقهى مجموعة من اللوحات لأشهر الفنانين، منها لوحة للفنان اليوناني فافياديس والفرنسي براك وبورتريه لكفافيس شاعر الإسكندرية. وهناك ركن به لوحة للفرنسي «ماتيس» وآخر للوحات سيف وأدهم وانلي ومعهما بيكاسو وعصمت داوستاشي، وكلها لوحات قيمة لا تقدر بثمن. ارتاد «إيليت» كثير من المشاهير، ومنهم: الروائي العالمي نجيب محفوظ وأم كلثوم والملكة فريدة والملكة ناريمان وزوجها، والمغني اليوناني السكندري ديميس روثوس والفنانة داليدا ويوسف شاهين.

يتخذ المطعم شكل كوخ خشبي كبير، ويقدم المشروبات والمأكولات اليونانية والشرقية كافة ذات المذاق الخاص بأسعار زهيدة على أنغام الموسيقى الشرقية والأوروبية الكلاسيكية. وتبدأ أسعاره من 20 جنيها (نحو 3.6 دولار) لطبق الباستا مع الفطر، والموساكا اليونانية بنحو 30 جنيها (نحو 5.5 دولار) ويمكن تناول أي مشروب في حدود 10 جنيهات (أقل من دولارين). وفي مقابل «إيليت»، يقف مطعم «سانتا لوتشيا» بواجهته الكلاسيكية الفخمة. ويعود تاريخ إنشائه إلى بدايات القرن العشرين، ويملكه الخواجة «ينّي» وهو رجل أعمال ولد في الإسكندرية لأب وأم يونانيين، ويدير عدة مشروعات في القاهرة والإسكندرية. وما زال «سانتا لوتشيا» ملتقى الشخصيات البارزة في المجتمع السكندري وأفراد الجالية اليونانية والأرمنية والإيطالية بها. «حلواني بودرو» من أعرق المحلات اليونانية في مدينة الإسكندرية المصرية، ويقع في شارع سعد زغلول بمحطة الرمل. وتملكه لوكيا بيرليس عن والدها الذي امتلكه بدوره عن جدها جورج ديمتري فيرليس في عام 1909، الذي سماه في البداية «بيتيت تريانو». يشتهر بودرو بالحلوى اليونانية الفلوجيريس، وكومبوت الكرز «جيليكو كيراسي»، وكذلك الحلوى التركية التي اشتهر بها «إكيميك أتايف»، وهي عبارة عن كنافة عليها كريمة لباني ومكسرات، ويمكنك الاستمتاع بتناول الكرواسون الحلويات بعجينة (الميلفوي) والبسكويت والمخبوزات الفرنسية مع قدح من الشاي. ويتميز «بودرو» بحديقة غناء تظللها كرمة عنب عتيقة عمرها نحو مائة عام، وفي الحديقة يمكنك تجربة الجيلاتي بنكهاته المتعددة، أو تناول الأرز باللبن والعصائر الطازجة. وتعتبر حديقة «بودرو» من أفضل الأماكن التي يمكن الاحتفال فيها بليلة رأس السنة وسط الأشجار الغناء. وبيرليس، مؤسس «بودرو»، أسس «تريانون» مع عائلتي قسطنطينيدس وبيريكوس عام 1935 أسفل فندق «متروبول» العريق ليصبح من العلامات المميزة لمحطة الرمل بقلب الإسكندرية، وهو لا يزال محتفظا بديكوراته الكلاسيكية. وهو مكان عشقه الكاتب الكبير توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وإبراهيم عبد المجيد وإدوارد الخراط. وقد توسع ملاك «تريانون» المصريين وأقاموا سلسلة تحمل اسمه في الإسكندرية في سموحه وسيدي بشر. ويقدم «تريانون» إلى جانب الحلويات والمشروبات بأنواعها كثيرا من الأصناف والأطباق المصرية وأشهرها الفتة إلى جانب الوجبات الغربية والبيتزا والباستا الإيطالية. وعلى بعد خطوات، يستقبلك حلواني «ديليس» الذي أسسه كليوفولوس موستاكاس في مواجهة الكورنيش بمحطة الرمل، ويعتبر من أشهر محلات الحلويات في الإسكندرية منذ بداية القرن العشرين. ومعروف أن تورتة الزفاف الملكية الخاصة بالملك فاروق والملكة فريدة صنعت في ديليس. ويشتهر ديليس بواجهاته التي تمتلئ بالتورتات متعددة الأدوار التي يبرع في تزيينها. ويمكنك الجلوس في ديليس إما بالخارج مستمعا بالهواء المنعش على مقاعد من البامبو ومتابعة حيوية المدينة في ميدان سعد زغلول، أو بالداخل واحتساء مشروب ساخن أو بارد وتناول أروع الحلويات بشتى أنواعها كالحلوى اليونانية: فينيكيا ولوكوماديس «لقمة القاضي»، وفطيرة الشوكولاته بالكراميل، فضلا عن الـ«إنجليش كيك»، والكرواسون، والبروفيترول، والبريوش، بالإضافة إلى أنواع مختلفة من الآيس كريم، كما يعرض تشكيلة من الحلويات الشرقية والحلويات المحشوة بالمكسرات وأصناف الخبز بالإضافة للحلويات الخاصة بالمناسبات مثل حلويات أعياد الميلاد والفصح وسلال الحلويات والمخبوزات وتورتات مميزة حسب الطلب. وعليك بالذهاب إلى مطعم «أثينيوس» الذي أسسه كوستانتينوس أثينيوس عام 1900، واشتراه المصري نصار ليديره بالاسم الأصلي نفسه. وهو يقدم الأطباق اليونانية والإيطالية ويشتهر بالمأكولات البحرية الطازجة، ومن أشهر أطباقه: الدجاج المحشو بالسبانخ والريكوتا، والسوفلاكي والموساكا، وحساء الفطر على الطريقة الإيطالية. وأكثر رواده من الأجانب والسائحين زوار الإسكندرية. في الجوار، قريبا من المسرح الروماني، أهم المناطق الأثرية بالإسكندرية، يقبع مقهى ومطعم «بسترودس» بواجهتيه، المطلة إحداهما على شارع فؤاد، والأخرى في اتجاه المسرح الروماني. وأسسه اليوناني بسترودس وزوجته عام 1920 بعد هجرته من اليونان، وكان المكان المفضل لنخبة المجتمع السكندري منذ ذلك الوقت. ويحكى أن الملك فاروق كان يعشق الاستمتاع بأمسياته الصيفية في ذاك المكان. يقدم بسترودس أشهى وألذ المأكولات المصرية والغربية بأنواعها، ويعتبر مكانا مناسبا لاحتساء الشاي لرواد سينما أمير ودار أوبرا الإسكندرية «مسرح سيد درويش». ولاحتساء أفضل قهوة يجب أن تذهب لمقهى «البن البرازيلي» بشارع شريف بالمنشية، حيث تفوح رائحة البن الطازج. ويعد «البن البرازيلي» أقدم محلات القهوة والبن في الإسكندرية، أسسه الخواجة سيدارس عام 1928، ولا يزال البن يأتي من البرازيل وكوبا، ولا تزال ماكينة طحن القهوة التي بدأت دورانها في المحل مع تأسيسه شاهده على تاريخ وحكايات عديدة. وإذا رغبت في التهام الحلويات المميزة، فلا تزال محلات الحلويات اليونانية مثل «خاموس» في الإبراهيمية و«سبورتنج» تقدم أشهى الحلويات اليونانية والغربية والشرقية، وقد أسسه الخواجة ديمتري خاموس عام 1900، وتوارثه ابنه نيكولا وزوجته ألكسندرا وابنهما ديمتري. ولا يمكن أن تجد «خاموس» شاغرا في أي وقت من الأوقات، نظرا للطلبات التي تنهال عليه خاصة في أوقات الأعياد والمناسبات الدينية الإسلامية والمسيحية. ويعتبر مطعم «كالا» بفندق سان ستيفانو، بديكوراته ذات الطابع اليوناني التي تمزج اللونين الأبيض والأزرق، أحدث المطاعم التي تقدم مذاقات البحر المتوسط، ويضفي موقعه المطل على شط الإسكندرية سحرا خاصا يجعل الضيوف يستمتعون بتجربة لا تنسى. يقدم «كالا» لرواده مختف الأطعمة، ويتكون البوفيه من مجموعة من الأطباق الشهية التي تبدأ بطبقين منفردين من الشوربة الساخنة اللذيذة، ثم الاختيار من باقة الخضراوات الطازجة وأنواع الصوص المختلفة، بالإضافة إلى ركن السلطات والمزات اللبنانية. أما بالنسبة للطبق الرئيسي فيتميز بمزيج من اللحوم والأسماك من المطبخ الآسيوي والأوروبي والشرقي. ويزين بوفيه الحلويات ذات المذاق الطيب وجبة الغداء. يقدم مطعم كالا بوفيه الغذاء من يوم الأحد إلى الخميس، بسعر 95 جنيها للفرد (أقل من 20 دولار). وفي الناحية الأخرى من الإسكندرية، وفي منطقة أبو قير، يسكن مطعم «زيفريون» للأسماك على شاطئ البحر، حيث يمكنك الاستمتاع بأشهى وجبة بحرية طازجة. ما عليك سوى أن تنتقي الأسماك والفواكة البحرية التي ترغب فيها، وما هي إلا دقائق لتكون أمامك جاهزة لالتهامها. يمتلك المطعم الخواجة بيركليس الذي ورث المطعم عن والده الذي عشق الإسكندرية وأبى أن يتركها. يشتهر «زيفريون» بطريقة إعداده للكاليماري والجمبري المشوي والسبيط، والسمك المشوي على الطريقة اليونانية. وأسعار الأسماك، وفقا لنوعها، نحو 80 جنيها للكيلو (14.5 دولار) فأكثر. ويتراوح سعر كيلو الجمبري بين 120 إلى 160 جنيها (22 - 29 دولارا) حسب الموسم.