عندما ترتبك الأصابع.. يلجأ الطهاة إلى الملاقيط

أداة تحول الطاهي إلى جراح يتعامل مع الطعام بعناية فائقة

TT

بين الفينة والأخرى، تقفز أداة من الأدوات خارج حدود استخداماتها المهنية لتصبح أداة أساسية في مطابخ المطاعم. سبق في ذلك موقد اللحام المستخدم في صهر المعادن، والذي يستخدم نموذج معدل منه في المطبخ لتحويل السكر إلى كراميل. وفي هذه الأيام يستخدم نموذج مطور من المبارد المستخدمة في الأعمال الخشبية في المطبخ على نطاق واسع لبشر قشر الليمون.

وتأتي الملاقيط الطبية كأحدث هذه الأدوات المتعددة الاستخدامات في مجموعة أدوات الطهي. ففي بعض المطاعم الأكثر طموحا في البلاد، يمكن هذا الملقاط الطاهي من وضع اللمسات الأخيرة، والتي قد تبدو مستحيلة، على الأطباق التي يقدمها. ويقول غرانت أشاتز، رئيس الطهاة بمطعم «ألينيا» في شيكاغو «كنت أستخدم الملقاط للتعامل مع طبقة رقيقة من بوريه الفراولة المجمدة باستخدام النيتروجين السائل، وذلك لأنك إذا لمستها ينفصل بعضها عن بعض. يسمح الملقاط بضبط الحواف بالحجم والملمس».

ولقد اشترى مطعم «ألينيا» 100 من هذه الملاقيط. ويضيف أشاتز «الآن نعطيهم للطهاة لدينا عند البدء في العمل. معظمهم يضعها في جيب المعطف الخاص بالطاهي. إنها موجودة وتستخدم دائما».

تغير الملاقيط الطريقة التي يتحرك بها الطهاة في المطابخ في مطاعم مثل «كورتون» في نيويورك، و«ماكراديز» في تشارلستون بولاية كارولينا الجنوبية، و«مانريسا» في لوس غاتوس بولاية كاليفورنيا. وعندما تجلس على إحدى الطاولات في مطعم «كوميس» في أوكلاند بولاية كاليفورنيا، تستطيع مشاهدة الطاهي جيمس سيهابوت وفريق العمل الخاص به في المطبخ المفتوح بالمطعم يجمعون بتركيز كل طبق بسلسة من الحركات التي لا تصدر عنها أي أصوات تقريبا. وعندما يعكف جميع الطهاة على طبق واحد مستخدمين الملاقيط، فإن المشهد يبدو وكأنه لعبة صامتة.

وفي المجال الطبي، يستخدم الجراحون الملاقيط الطبية ذات الأطرف الحساسة والرقيقة في عمل الغرز الجراحية أو كي الجروح أو إزالة الخيوط المستخدمة في الجراحة. ويفضل الطهاة هذه الأنواع من الملاقيط لأنها أكثر نعومة من الملاقيط المستخدمة في إزالة الشعر الزائد من الحاجبين أو إزالة الشوك من سمك الهلبوت. ولا يسبب الملقاط ذو الرأس الملتوي أي خدوش تقريبا عند استخدامه لالتقاط الزهرة المقطوعة للتو من الأعشاب المزهرة. ويفضل الطهاة هذه الملاقيط عن استخدام الأصابع أو الملاقيط الكبيرة التي يحظر استخدامها في مطابخ بعض المطاعم نظرا لأنها غير مصقولة.

ويقول الطهاة إن الملاقيط بدأت في الظهور في المطاعم الأوروبية في منتصف تسعينات القرن الماضي. وكانت هذه الملاقيط بمثابة الرد الغربي على عيدان تناول الطعام، والتي كانت تستخدم على مدى قرون في إعداد الأطباق في آسيا.

وبدأت الملاقيط تكتسب شعبية في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة. فيقول تيم موسيغ، مدير قسم المشتريات في شركة «جيه بي برنس» المتخصصة في توفير معدات المطابخ، إن مبيعات الملاقيط شهدت نموا مطردا منذ أن بدأت شركته في تقديمها في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2008.

وتقدم شركة «جيه بي برنس» ثلاثة نماذج من الملاقيط صنعتها شركات توريد الأدوات الطبية؛ وهي الملقاط ذو الرأس الملتوي والملقاط ذو الرأس المعقوف والملقاط ذو الرأس المدبب. ويزداد طولها جميعا عن الست بوصات بمقدار قليل. وأعلاها سعرا يتكلف عشرة دولارات تقريبا (كما تبيع الشركة ملاقيط أطول يمكن استخدامها في إعداد الأطباق أو الطهي).

وكلما كان الطبق أكثر تعقيدا ونظاما، فمن المرجح أن تكون الملاقيط لعبت دورا في إعداده. يقول الطهاة إن الملاقيط تمكنهم من تجميع تركيبات دقيقة بسرعة، وبهذا الاتساق تظهر الأطباق بالدرجة نفسها من الدقة كل مرة.

وقال دانيال هوم، كبير الطهاة بمطعم «إيلفن ماديسون بارك» في مانهاتن، «كلما أصبح الطعام أكثر دقة، تجد الكثير من اللمسات. قد يكون هناك عشرة أشياء في طبق واحد، لكن الملاقيط تحافظ على نظافة يديك، وبالتالي تحافظ أنت على نظافة الطبق».

وبالقدر نفسه من الأهمية تظهر هذه الملاقيط كل هذا العمل وكأنه أمر هين. إذا ما تم نثر سداة نبات أبو خنجر، أو وضع الأعشاب صغيرة الحجم الموجودة على طرف الخضراوات التي تم تبخيرها، أو الشرائح الرقيقة من الخضراوات التي تكسى بها الأطباق، على طريقة الفنان التشكيلي سلفادور دالي، أو اللحم البقري الياباني المملح، فستمكنك الملاقيط من وضعها جميعها هناك بدقة جراحية.

وقال الطاهي ديفيد تشانغ، الذي يستخدم طاقم العمل الخاص به في مطعم «موموفوكو كو» الملاقيط على نطاق واسع «من الصعب أن تجعل الأمر يبدو وكأنك لم تتعمده. والأصعب من ذلك أن تجعله يبدو طبيعيا عند تقديمه. هذا ما نسميه (عند تقديمه). فهو ليس عملا أخرق بل إنه طبيعي. قد تبدو الملاقيط سخيفة، لكنك تستخدمها لجعل الأطباق تبدو طبيعية».

يبدو هذا النوع من النزوع إلى الطبيعة هو شكل الطعام الشهي. يمهد التناسق والهندسة الطريق إلى مزيج فني وأشكال متتالية. فعلى سبيل المثال، تبدو الخضراوات صغيرة الحجم وكأنها تنساق بهدوء بفعل نسيم الهواء. قد يبدو الأمر وكأن جميع الأشياء تم تقليبها معا، لكنها غير مقصودة كما هو الحال في قصة الشعر head) – (bed التي يكون فيها الشعر مبعثرا وغير متماثل.

وقال جون شيلدز، كبير الطهاة في مطعم «تاون هاوس» في مدينة شيلهوي بولاية فرجينيا (والذي استخدم الملاقيط منذ أن كان يعمل في مطعم «ألينيا»): «كلما اقتربت من حافة الزهرة أو صدفة القوقع أو خلية النحل، تلاحظ نوعا من النظام في كل منها، لكنها في بيئة طبيعية. انظر الآن إلى شجرة ما، إنها تبدو غير متناسقة، لكن عندما تقترب منها تجد أنها مثالية».

يثق الكثيرون في الطاهي الفرنسي ميشال برا، الذي يحتفظ بالملاقيط في السترة البيضاء الخاصة به، باعتباره أحد رواد مذهب النزوع إلى الطبيعة في تذوق الطعام. ويشتهر الطعام في مطعم «برا»، وهو مطعم ثلاث نجوم في مدينة لاجيول الفرنسية، بالدقة، على الرغم من أنه يستلهم أشكال أطباقه من حديقة منسقة لا من نزهة عشوائية بين الغابات.

وفي بعض الأحيان، تضع الملاقيط بعض العناصر التي قد تبدو كبيرة للغاية على أن توضع باستخدام الملاقيط. ففي مطعم «إيلفن ماديسون بارك» تستخدم الملاقيط لوضع فطر البوق الأسود مقرونا بقطع اللحم الصغيرة، قبل أن يتم وضع الصلصة عليها باستخدام الملعقة. وإلى جانب مساعدة الطهاة على تكوين الطبق بدقة متناهية، فإن الملاقيط تمنح هؤلاء الطهاة أيضا سيطرة غير عادية على مذاق الطبق. وقال كريستوفر كوستو، رئيس الطهاة بمطعم «ريستورانت في ميدوود» في سان هيلينا بولاية كاليفورنيا «إنك تضع هذه النكهات العشبية المفعمة بالحيوية بالضبط في المكان الذي تريد. وتحدد كيف يبدو الطبق للعيان».

وفي الوقت الذي ينتشر فيه استخدام الملاقيط، فمن الممكن أن تصبح رمزا بقدر ما هي أداة، وأمثلة على ذلك تشمل استخدام أداة صنع الرغوة والزجاجات البلاستيكية والقوالب الحلقية.

وقال كوستو «في كثير من الأحيان تربط بين الملاقيط والطعام غريب الأطوار على نحو استثنائي. لقد أصبحت شيئا قياسيا في عالم فن الطهي الإبداعي، لكن هذا العالم بدأ يتقلص سريعا. فلا تحتاج الملاقيط في عمل البيتزا والمعكرونة».

* خدمة «نيويورك تايمز»