«الشيش برك» و«الشاكرية».. مذاق مميز وجهد كبير في التحضير

من الأكلات شبه المنقرضة في بلاد الشام

TT

يتميز المطبخ الدمشقي بعراقته، حيث يقدم كثيرا من المأكولات لذيذة المذاق، التي تكتسب شعبية بين المتذوقين. ومن أبرز الأكلات الدمشقية تلك التي تعتمد على اللبن الساخن، وتأتي في مقدمتها: «الشيش برك» و«الشاكرية»، وهما من الوجبات الغذائية الرئيسية التي تقدم على مائدة الغداء، وتتميزان بصعوبة تحضيرهما. وتتشابه الوجبتان في أنهما تحتاجان للمواد الأولية نفسها تقريبا، خاصة اللبن الساخن والأرز ولحم الغنم البلدي، وتختلفان في أن «الشيش برك» تحتاج للعجين في تحضيرها وللحم مفروم، في حين تحتاج «الشاكرية» لقطع لحم كبيرة نسبيا تسمى محليا «رأس العصفور» أي بحجم رأس العصفور، ويقول الطاهي الدمشقي كنان الشيخ لـ«الشرق الأوسط»: «(الشاكرية) أكلة دمشقية معروفة وتسميتها محلية كما يعتقد كثيرون، حيث جاءت من (شكر النعمة) كونها من الأكلات الفاخرة والمكلفة ماليا، لذلك جاء اسمها من (الشكر)، حيث لا يمكن للإنسان الفقير أو متوسط الحال أن يحضرها في منزله باستمرار، بل في فترات متباعدة حتى لا ترهق مصروفه المالي، وهي تحتاج لوقت لا بأس به لتحضيرها؛ إذ تقوم سيدة المنزل بغلي اللبن وتحريكه بشكل مستمر وهو على النار مع إضافة (النشاء) إليه، ومن ثم يضاف له ملح الطعام، وبعدها يسلق اللحم المفروم بالماء، ويؤخذ مَرَقُه، حيث يضاف للبن حتى يعطي نكهة دسمة ولذيذة، وبعدها تضاف قطع اللحم المسلوق والبصل المقطع لقطعتين أو ثلاث فقط، الذي تكون السيدة قد أضافته للحم قبل عشر دقائق من انتهاء سلق اللحم، حيث لا يحتاج البصل لوقت طويل للسلق، ويطبخ عادة الأرز بالشعرية على حدة؛ إذ يقدم إلى جانب «الشاكرية» على المائدة، فيتم تناول الأرز مخلوطا بـ«الشاكرية» الساخنة في صحن واحد.

وإذا كانت «الشاكرية» تحتاج لوقت لا بأس به لتحضيرها ويمكن أن تقدم في المطاعم كوجبة غداء، فإن «الشيش برك» تحتاج لوقت أطول وجهد أكبر في التحضير، ويضيف كنان، أنها من الأكلات التراثية القديمة التي يتجاوز عمرها المائة عام، وتسميتها تركية، غير أنها لا تقدم في المطاعم كما هي حال «الشاكرية»، وغالبا فإن النساء العصريات، خاصة العاملات والموظفات، لا يقبلن على تحضيرها ويعتبرنها من أكلات الجدّات التي تحتاج لتفرغ المرأة لساعات طويلة لتحضيرها. فعلى المرأة في البداية أن تأتي بدقيق القمح وتعجنه بالماء والملح، وتنتظر نصف ساعة حتى ينضج العجين، ومن ثم يقطع إلى دوائر، وتُحشى كل دائرة بخليط من اللحم المفروم والبصل الناعمين والبهارات، ويكون الخليط قد تم قليه بالسمن أو زيت الذرة، وتطبق دائرة العجين المحشوة، بتطبيقها من حوافها بشكل دقيق ومحكم، وتلصق الأطراف لتأخذ كل دائرة عجين شكلا مميزا يشبه الطربوش، وهذه العملية تحتاج لأكثر من ساعتين، حيث كل كيلو دقيق ينتج عنه نحو 100 قطعة «شيش برك»، وبعد ذلك يتم غلي اللبن بمفرده مع النشاء والملح، ويضاف له الأرز المنقوع، ويتم تحريك اللبن باستمرار حتى يصل لمرحلة الغليان، وبعدها تضاف قطع «الشيش برك»، حيث تخضعه بعض النساء لعملية قلي بالزيت لفترة بسيطة، في حين بعضهن الآخر يضعنه كما هو في اللبن المغلي ولفترة عشر دقائق فقط، وليصبح جاهزا. وهناك بعض النساء يضفن قليلا من السمن المقلي بالثوم والنعناع ويضاف على سطح «الشيش برك» حتى يأخذ نكهة ألذ كما يعتقدن. وما يميز «الشيش برك» أن الأرز لا يطبخ لوحده كما في «الشاكرية»، بل يضاف مع اللبن حتى يتشكل خليط سميك لذيذ المذاق، كما أن «الشيش برك» يتحول إلى أكلة دمشقية أخرى تدعى «الباشا وعساكره» في حال تمت إضافة كرات الكبة مع قطع العجين المحشوة باللحم ومع اللبن، في حين أن «الشاكرية» لا يمكن أن تقدم إلا كما هي؛ أي لبن ولحم وبصل وإلى جانبها الأرز المطبوخ. وينصح الطاهي كنان من يتناول «الشيش برك» بأن لا ينام فورا بعد تناوله على الغداء، فهي من الأكلات الثقيلة على الجسم وتحتاج لفترة طويلة من الزمن حتى تتمكن المعدة من هضمها لوجود العجين واللحم فيها، كما أن «الشاكرية» تحتاج أيضا لوقت لتهضم، خاصة لوجود قطع اللحم الكبيرة، كما أن النوم بعد تناولهما مباشرة يسبب الحموضة في المعدة وارتفاعها إلى المريء، خاصة لمن يعاني من مشكلات في الأمعاء. ولكن تبقى لهما فوائد غذائية وصحية كثيرة على الرغم من تكوينهما الدسم، ويبقى لهما مذاق لذيذ لا يقاوم، ولذلك شعبيتهما مستمرة بين مختلف الأجيال الدمشقية، حتى الجيل الشاب الذي يعتمد على الوجبات السريعة من الهامبورغر والبيتزا والمعجنات وغيرها.