أنيسة حلو بائعة أعمال فنية تحولت إلى ملكة المطبخ اللبناني.. بالصدفة

من فن المزادات واللوحات إلى فن الطهي

أنيسة حلو.. أعيد طرح وصفات الطعام المنتمية للمناطق الجبلية اللبنانية
TT

لو كانت أبقت على مشاركتها في عالم الفنون، ربما كانت أنيسة حلو ستقود ثورة في الاهتمام بالفنون داخل العالم المسلم وفي منطقة الشرق الأوسط، ربما كانت ستدفع دور المزادات والمتاحف رفيعة المستوى عالميا لفتح فروع لها في دول الخليج.

إلا أنه بدلا من ذلك، تحولت أنيسة، التي عملت في البداية كبائعة وجامعة أعمال فنية ومستشارة في هذا المجال، وتمكنت من التخلص من القيود التي فرضتها عليها أسرتها حتى تتمكن من بناء حياة مهنية لها في مجال الفنون تعتمد على إقامتها في أوروبا، إلى الكتابة بمجال الطهي ومطبخ وطنها الأصلي (لبنان).

وعن هذا التحول، قالت أنيسة في حوار أجرته «رويترز» خلال تناول الإفطار في قاعة هادئة بأحد الفنادق بالمدينة القديمة في دمشق، حيث تقيم المجموعة المعاونة لها في مجال الطهي: «لم أخطط للتحول إلى الكتابة في مجال الطهي، وإنما وقع الأمر مصادفة».

عام 1994 نشرت أنيسة كتابها «المطبخ اللبناني»، وأعقبته بخمسة كتب أخرى عن أطعمة لبنانية وشرق أوسطية، وأخرى مميزة لحوض البحر المتوسط. وتحدثت حلو (52 عاما)، وهي سيدة طويلة ذات شعر فضي مموج، ضاحكة، وقالت إنها لم تندم قط على هذا الاختيار، أو أي قرار آخر اتخذته على امتداد حياتها التي تميزت خلالها دوما بالاستقلالية.

واستطردت موضحة: «نشهد حاليا تكوين مجموعات فنية وشراء شيوخ ومتاحف الخليج لأعمال فنية، وهو أمر مثير للغاية. لكنني تركت عالم الفن بعد 20 عاما، ومن غير المحتمل أن أعود إليه الآن».

كان أول حدث دفع حلو نحو مسار مختلف غزو صدام حسين للكويت وحرب الخليج عام 1991 لطردها منها. وكانت حلو تعمل آنذاك مستشارة فنية لبعض الأميرات الكويتيات. وعلقت على ذلك بقولها: إن الأميرات «فجأة تحول اهتمامهن بدرجة بالغة إلى القلق على ما يجري في بلادهن عن شراء قطع فنية».

كما كان من شأن الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي 1975 و1990 التي دفعت الكثير من اللبنانيين إلى الرحيل عن ديارهم، تعزيز الدافع لدى أنيسة للتحول إلى كشف النقاب عن فن المطبخ اللبناني القائم على الخضراوات الطازجة وزيت الزيتون والنكهات الغنية المميزة لدول حوض البحر المتوسط.

وأوضحت أنيسة أن «كل هؤلاء الأطفال اللبنانيين تربوا بالخارج، ولم يفعلوا ما فعلته برفقة والدتي وجدتي في المطبخ، ولم يعاينوا كل الأطعمة أثناء إعدادها داخل المنزل، ولم يتفهموا كل شيء محيط بتقاليد الطهي اللبناني».

واستطردت بأنه «لذا تولدت داخلي رغبة حقيقية في تأليف كتاب عن الطهي كي يتمكن الجميع من استخدامه، سواء أكان أجنبيا أو لبنانيا يعيش بالخارج، وأن أعيد طرح وصفات الطعام المنتمية للمناطق الجبلية اللبنانية. وقد أوليت اهتماما بالغا بالتزام الدقة. لذا، أشرت إلى الجدال من حين لآخر بيني وبين والدتي حول المقادير».

بصورة مجملة، وصفت حلو المطبخ اللبناني بأنه صحي وطبيعي، ويأتي في مصاف أعظم المطابخ العالمية، مثل المطبخ الصيني والفرنسي والفارسي والياباني، الذي يعد المفضل لديها شخصيا، علاوة على مجموعة من المطابخ الشرق أوسطية تضم المطابخ السورية واللبنانية والتركية.

وأضافت حلو أن «المطبخ اللبناني يعتمد بدرجة أكبر على عناصر طازجة، بجانب كونه أكثر تعقيدا. كما أن المطبخ الحلبي رائع».

ولدت حلو لأم لبنانية وأب سوري، ولم تنجذب قط للحياة التقليدية المرتبطة بالتعليم والزواج وإنجاب الأطفال. استقت حلو إلهامها من الفلاسفة الفرنسيين الذين قرأت لهم داخل مدرسة الراهبات التي التحقت بها في طفولتها ببيروت، مما جعلها عاقدة العزم دوما على المضي قدما في الطريق الذي رسمته لنفسها.

اختارت حلو بمحض إرادتها عدم الزواج. وقد واجهت القليل من العقبات لأنها عربية، لكنها صادفت الكثير من التحيز ضدها في حياتها المهنية بمجال الفن لكونها امرأة.

وعن هذا الأمر، قالت: «كتاجرة في الأعمال الفنية، كان يمكن أن أجني ثروة أكبر بكثير لو كنت رجلا عما جنيته وأنا امرأة. وعندما تتمتع امرأة ما بالجاذبية، تظل في نضال مستمر في مواجهة من يتطلعون إليها كشيء، وليس كشخص محترف».

وأكدت أنها لم تشعر بميل قط تجاه الزواج وتكوين أسرة، وعللت ذلك بقولها: «لم أرغب في الشعور بأن اهتمامي أصبح مقتصرا على الحياة الأسرية. لم أرغب في الارتباط بأي شخص، ولم أرغب في أن يكون هناك آخرون معتمدين عليَّ».

وللتغلب على رفض والدها السماح لها بالدراسة في الخارج والعيش بمفردها، التحقت بـ«شركة خطوط طيران الشرق الأوسط» اللبنانية كمضيفة، وشرعت في كسب مال خاص بها.

ببلوغها الـ21 من عمرها، وبدء انزلاق لبنان إلى هاوية الفوضى، التحقت لتلقي دورة تدريبية بمجال الأعمال الفنية في دار «سوذبيز» بلندن، التي استعانت بها لاحقا للدخول إلى سوق الخليج التي لم يطرقها أحد بالمجال الفني من قبل، التي تدفقت عليها ثروات النفط منذ منتصف سبعينات القرن الماضي. لكن لم يكن التذوق الفني قد ظهر بصورة عامة في المنطقة بعد.

عن هذه التجربة، قالت حلو: «لقد سبقت زمني، وسافرت إلى الكويت ودبي وأبوظبي، لكنني عجزت عن إقناع أي شخص تقريبا بشراء أي شيء».

وبعد عقدين، أثارت محادثة عادية أثناء تناول العشاء في لندن بذهنها فكرة تأليف كتاب عن المطبخ اللبناني. والآن تتولى تدريس الطهي في لندن، وتعمل مستشارة، وتصطحب عملاء في جولات تتركز على الطعام في الشرق الأوسط.

وقالت: «تدور حياتي كلها حول الطعام، بينما أحاول الحفاظ على نحافتي، وهو عسير خلال جولاتي المرتبطة بالطهي».

تكنّ حلو بداخلها عشقا للطعام، ونفورا شديدا في الوقت ذاته من السمنة. واعترفت بأن السمنة «تنفرني، فهي مؤشر على الجشع والخروج عن دائرة السيطرة. عندما يعجبك طعام، تحب أن تتذوقه وأن تتبين نكهته، لا أن تغمس فيه وجهك».

وتجد حلو، التي ناضلت كثيرا من أجل الفكاك من سيطرة أسرتها عام 1973، صعوبة في تفهم السبب وراء تواضع تطلعات الكثير من اللبنانيات في الوقت الحاضر.

وعلقت ضاحكة: «ما يحيرني أنهن غير راغبات في فعل المزيد في حياتهن، وغير راغبات في الخروج من العش». لكنها استطردت بأن «هناك جيلا من الشباب أعتقد أنه ربما يشبهني بدرجة أكبر؛ فتيات متلهفات على العمل واتخاذ نهج مستقل في حياتهن، ونسيان المسار الذي يرغب آبائهن وأمهاتهن في انتهاجه».